13 أكتوبر، 2024 10:47 م
Search
Close this search box.

زيادة أرباح الشركات بتحسين سلوك الموظفين

زيادة أرباح الشركات بتحسين سلوك الموظفين

سلسلة أدارة الذات
السلوك كما عرفه د. تشاد هلمستر مؤلف كتاب “ماذا تقول عندما تحدث نفسك” (السلوك هو ما نفعله أو ما لا نفعله). وقد يكون السلوك لفظياً مثل أي جواب أو كلام أو قد يكون عضوياً بأن يقوم عضواً من الجسم بالسلوك كهز الرأس واليدين، والسلوك هو الامتداد والمرحلة النهائية لما نتج عن التفكير والاعتقاد والشعور، ويمكن أطلاق عليه اسم (المصدر الجامد) لكونه نتيجة الحدث وليس المسبب، فالتفكير والاعتقاد والشعور حدثت قبلها تفاعلات عاطفية أو شعورية لتكوينها أما السلوك فهو انعكاس ذلك التفاعل وهو الحدث وناتج لتلك التفاعلات.

ولما للسلوك من أهمية كبيرة كانت هناك دراسات وبحوث لتطوير السلوك الإنساني، وأقامت الشركات الكبرى دورات متطورة الغرض منها زيادة الربح بتحسين سلوك موظفيها مع العملاء، وبهذا الموضوع قرأت للكاتب الكبير (جيمس سي. هانتر) في كتابه (مبدأ القيادة الأكثر فعالية في العالم) قصة مشوقة مع خطوط طيران (ساوث ويست) وكيف أن سلوك المضيفات في الطائرة ارتقى بأرباح هذه الشركة لتتصدر لائحة أفضل خطوط طيران في العالم وأكثرها ربحاً، حيث أن شركة ( ساوث وست ) أسست عام (1969) وتعتبر أكبر شركة طيران منخفضة الكلفة في العالم ويبلغ عدد موظفيها (64000) موظف، وعدد رحلاتها (3400) يومياً وفي عام (2011) أصبحت أكبر خطوط طيران محلية في الولايات المتحدة الأمريكية، فما سر نجاحها ؟.. يقول (جيمس) (قمت منذ حوالي عامين برحلة عمل ولقد حالفني الحظ وحصلت على تذكرة سفر لإحدى رحلات خطوط طيران (ساوث ويست) ولقد شعرت بكثير من الغرابة اتجاه هذه الرحلة لأنني قد سمعت قصص عن سلوك مضيفات الطيران اللاتي يقمن بأشياء مجنونة.

مثل الاختباء لمفاجئة المسافرين أو إلقاء النكات المضحكة عليهم… لقد كنت متشوقاً لأرى ما إذا كان أي من تلك القصص حقيقية بالفعل…..

وصلت المطار واستلمت البطاقة البلاستيكي التي تتيح لي الصعود على متن الطائرة وأذكر أنني قد دهشت قليلاً لأنه لم يكن هناك رقم مقعد محدد مكتوب على البطاقة ولأنني لم أكن خبيراً بتلك الطريقة الجديدة في الصعود إلى متن الطائرات فقد تلقيت الكثير من الدفعات إلى أن انتهى بي المقام في مقعد في وسط الصف الخلفي.

وقبل أن يغلق باب الطائرة استعداداً للإقلاع قفز فتى في سن المراهقة إلى داخل الطائرة وهو يحمل بين ذراعيه صناديق كبيرة من الحلوى ذلك النوع الذي يبيعه تلاميذ المدارس لجمع التبرعات، وأذكر أنه لم يكن متبقياً إلا مقعد أو مقعدين خاليين على متن الطائرة جلس الفتى في احدهما، كما أن مساحة التخزين داخل الطائرة كانت قد استنفذت عن آخرها منذ وقت طويل، ولأنني كنت أسافر كثيراً بالطائرات فقد رأيت الكثير الكثير من مضيفات الطيران النكدات سيئات الطبع غير المتعاونات وكنت واثقاً من أن هذا الفتى سيتلقى الهتاف الحاد المعتاد من المضيفات.. ” يجب إخراج تلك الصناديق من هنا ألا ترى انه لا يوجد أي مكان لتلك الصناديق “. لكن هذا لم يحدث..!! وبدلاً من ذلك سألت مضيفة الطائرة الفتى ما إذا كان يرغب في المساعدة في بيع الحلوى وبالطبع كانت عيناه تبرقان وهو يجب بحماسة ” بالتأكيد ” تقدمت المضيفة بعد ذلك وأخذت صناديق الحلوى ووضعتها في كابينة الطيار مع الطيارين !! نعم مع الطيارين !! .

ولقد دهشت لأني لم أكن قد رأيت من قبل مضيفة تضع أمتعة المسافرين في كابينة الطيار، وعندما استفقت من دهشتي كانت الطائرة قد بدأت بالإقلاع وكانت مضيفة الطائرة تعلن عبر المذياع الداخلي للطائرة أن قطع الحلوى ستباع في ممر الطائرة مقابل دولارين للقطعة الواحدة. وختمت المضيفة حديثها بقولها أنها ترغب بأن تعرف من سيكون أول شخص لا يشتري واحدة من تلك القطع حتى تخبر باقي المسافرين ليتمكنوا من حمايته من مفتول العضلات الجالس في المقعد (10ج) (الفتى الصغير) وهنا ضجت الطائرة بضحكات المسافرين، وبالطبع نفذت الحلوى قبل أن تصل الصناديق إلى منتصف الطائرة وكان على المضيفة بعد ذلك أن تتعامل مع الركاب الغاضبين الذين لم يحصلوا على فرصة لشراء الحلوى ولقد صاح احدهم عبر الممر وعرض خمسة دولارات فوق سعر البيع الأصلي للقطعة.وأعني أنه كانت هناك عمليات بيع وشراء تجري في ممر الطائرة على ارتفاع سبع وثلاثين ألف قدم.

ولقد كان جميع من على الطائرة منخرطين في هذا العرض فتسمع ضحكات المسافرين ونكاتهم وهذا يزايد وذلك يرفع السعر وكأنك جالس في مزاد علني أو في سوق بورصة والتي تدير كل هذا مضيفة الطائرة ويساعد الجميع سلوكها المتزن وأخلاقها الدمثة.

وقد كان هذا السلوك من مضيفة الطائرة فريداً رغم أنها لم تكن تملك أي سلطة في الشركة التي تعمل فيها مع ذلك بذلت جهداً إضافياً من أجل هذا الفتى وأثرت في جميع من كانوا على متن الطائرة.

ويسترسل (جيمس) في الحديث.. ولقد كانت تجاربي مع شركة خطوط طيران (ساوث ويست) منذ ذلك اليوم على نفس الشاكلة ففي أي وقت أسافر فيه مع إحدى رحلاتها دائماً ما أجد مجموعة من الأشخاص الذين يتعاونون معاً من اجل القيام بكل ما يلزم لتحقيق رسالة الشركة على أكمل وجه بما في ذلك سلوكهم مع العملاء.

إنهم بسلوكهم هذا يقومون بكل ما يلزم من أجل حمل الناس على أن يكونوا أفضل ما يمكن أن يكونوا. وبالنظر إلى سجل شركة (ساوث ويست) نجدها هي أكثر الشركات نجاحاً اليوم في أمريكا إن لم يكن في العالم. ففي مجال عمل يصعب فيه تحقيق الربح بشدة لم تواجه شركة (ساوث ويست) عاماً واحداً من الخسارة على مدى ثلاثين عاماً، وقد يحاول البعض انتقاد (ساوث ويست) باعتبارها خارجة عن المألوف وعما هو طبيعي ولكن الحقيقة إن رأس مال شركة (ساوث ويست) بسعر السوق اليوم ضعف رأس مال شركات الطيران الست الكبرى في الولايات المتحدة مجتمعة.

لذا أقول انه عندما ينجح الأفراد في تحمل مسؤولياتهم وتقويم سلوكهم بما يصب في خدمة أنفسهم وخدمة الآخرين سوف نرى مشهداً رائعاً مبهراً لتقدم المجتمعات.

إن المرء ليس بحاجة إلى امتلاك سلطة معينة ومركز مرموق لكي يتمكن من التأثير في الغير ايجابياً ويحقق الأهداف المطلوبة منه وان لنا جميعاً بصمة في المجتمعات التي نحن جزء منها لذا السؤال المطروح هو ” ما نوع البصمة التي سنتركها”…؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات