روبوت الدردشة السعودي «هيوماين تشات» استهتار فاضح باللغة القرآن والعربية الفصحى!

روبوت الدردشة السعودي «هيوماين تشات» استهتار فاضح باللغة القرآن والعربية الفصحى!

ونحن على بعد أشهر قليلة من أحياء اليوم العالمي للغة العربية , وهو يوم الاحتفال الذي يوافق 18 كانون الأول من كل عام. ومن حيث يقرَّر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ , لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في كانون الأول عام 1973، والذي يقرُّ إدخالَ اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. 

مدخلنا لهذا الموضوع سيكون كلام الشاعر “نزار قباني” عندما استنكر ثقافة شيوع التحدث باللغة العامية على حساب اللغة الفصحى بقوله :” إنَّ اللغة العربية تضايقهم؛ لأنهم لا يستطيعون قراءتها، والعبارة العربية تُزعجهم لأنهم لا يستطيعون تركيبها. تسألُ الواحدَ منهم عن المتنبي، فينظر إليكَ باشمئزاز كأنّك تحدثه عن الزّائدة الدوديّة، وحين تسأله عن (الأغاني) و(العقد الفريد) و(البيان والتّبيين) و(نهج البلاغة) و(طوق الحمامة) يردُّ عليك بأنه لا يشتري أسطوانات عربية ولا يحضر أفلامًا عربيّة، إنهم يريدون أن يفتحوا العالم وهم عاجزون عن فتح كتاب، ويريدون أن يخوضوا البحر وهم يتزحلقون بقطرة ماء، وثقافتهم لا تتجاوز باب المقهى الذي يجلسون فيه، وعناوين الكتب المترجمة التي سمعوا عنها.
ولنتذكر كذلك ضمن سياق ما يأتي وبما قاله الجاحظ (775-868) في امتداح اللغة العربية “ليس في الأرض كلام هو أقنع ولا أنفع ولا آنق ولا ألذ في الأسماع ولا أشد اتصالاً بالعقول السليمة ولا أفتق للسان ولا أجود تقويماً للبيان من طول استماع حديث الأعراب العقلاء الفصحاء” (“البيان والتبيين”، 1، ص 145)، واللغة المبدعة، وكذلك ما ذكره الفيلسوف”الفارابي” ، في وصفه “التي جديدها مستل من جذورها، من دون أن تعيق هذه الجذور من نموها وإمكانية تطويرها، أي أن تكون لغة قادرة على التحديث الذاتي من أجل إبراز مقدرة الألفاظ على التعبير المتجدد” (“كتاب الحروف”، ص 21).

أن إطلاق السعودية لروبوت الدردشة “هيوماين تشات” باللهجات العامية العربية هي خطوة مثيرة للقلق و للدهشة والاستغراب حقآ ، وعلى الرغم من احتوائها على “مكة المكرمة” و “المدينة المنورة” قبلة المسلمين , ولكنها اليوم قد تكون أبعد عن أي نوع من التقدير والاحترام للغة العربية. في عالمٍ أصبح يفترسنا كل لحظة ويأخذنا معه في دوامات عنيفة من الذكاء الاصطناعي يُفترض أن نتمسك فيه بهويتنا اللغوية، وتأتي هذه الفكرة كضربة مؤلمة، لا تقتصر على إضعاف مكانة الفصحى في مجال التكنولوجيا فحسب، بل تدفعنا خطوةً إلى الوراء على مستوى الثقافة والوعي اللغوي. فمن العجيب أن نرى مؤسسة سعودية تختار أن تعزز التواصل باللهجات العامية التي لا تجمع بيننا إلا الاختلاف، بدلاً من أن تقدم أداة تتبنى اللغة العربية الفصحى، التي تمثل صرحًا ثقافيًا وتاريخيًا يشمل كافة أبناء العالم العربي. هذه خطوة ليست فقط غير مدروسة، بل مدمرة، لأنها تساهم في تقويض ما تبقى من ترابط لغوي بين شعوب المنطقة. “هيوماين تشات” ليس مجرد روبوت دردشة، بل هو إعلان صريح عن تراجعنا الثقافي والفكري أمام تيارات العولمة، وهروب من مسؤولية الحفاظ على لغةٍ تعد جزءًا أساسيًا من هويتنا الثقافية.
إطلاق السعودية لروبوت الدردشة “هيوماين تشات” باللهجات العامية العربية هو خطوة قد تبدو للبعض مبتكرة ومواكبة لعصر التكنولوجيا، لكنها في الحقيقة سقطة كبيرة يجب التوقف عندها طويلًا، ليس فقط من الناحية التقنية، بل من الناحية الثقافية واللغوية أيضًا ويجب إدانتها والتحذير منها لانها بداية النهاية لاضمحلال لغتنا الفصحى وإبدالها بلهجات عامية.
لنبدأ من الأساس , فان اللغة العربية الفصحى هي هوية العرب الثقافية والفكرية ، لان ليست فقط مجرد أداة للتواصل بل هي الرابط الثقافي الحصين بين شعوب العالم العربي. من هنا، يصبح من الغريب والمستغرب أن نرى مؤسسة أو شركة سعودية – عكس ما نتوقع من دولة تهتم بتعزيز الثقافة واللغة العربية – وان تختار أن تطلق روبوتًا ذكيًا باللهجات العامية المحكية. وهل يُعقل أن يُركن الفصحى، لغة القرآن الكريم، بهذه السهولة؟
اللغة العربية الفصحى هي الأكثر ثباتًا وثقة بين أبناء الشعوب العربية، بغض النظر عن لهجاتهم المحلية المتعددة. نحن نتحدث عن لغة توحدنا جميعًا، لغة نتعلمها في المدارس، ونعتمد عليها في الأدب، والعلوم، والدين، والأدب. أما اللهجات المحلية فهي ليست أكثر من تنويعات شفهية محلية تفتقر إلى التوثيق والاتساق.
ما الذي يعنيه استخدام اللهجات العامية في روبوت دردشة على مستوى واسع؟ ببساطة، يعني تجاهل التنوع الكبير الذي نراه في اللهجات العربية. نعلم جميعًا أن اللغة العربية تحتوي على لهجات مختلفة تمامًا في كل بلد عربي، بل وحتى داخل نفس البلد الواحد. كلمات قد تكون مفهومة في مصر قد تكون غامضة في السعودية أو تونس أو المغرب. وبدلاً من تعزيز الفصحى وتوحيدها، يأتي “هيوماين تشات” ليفكك هذا الرابط الهوياتي ويثير مشكلة جديدة في كيفية التواصل الفعال بين الدول العربية.
تخيل أن مواطنًا سعوديًا يريد التواصل مع روبوت يستخدم لهجة مصرية، أو لبنانية. سيكون من الصعب عليه أن يفهم تمامًا ما يعنيه الروبوت، بل وقد يشعر بالاستغراب أو الإحراج. هذه اللهجات متباينة إلى درجة تجعل من غير المنطقي اعتماد واحدة منها لتكون أداة تواصل دولية، ولو كان الهدف تحسين قدرة الروبوت على التواصل مع المستخدمين في العالم العربي، فما كان يجب أن يكون الحل سوى تعزيز الفصحى.
نحن في حاجة إلى تعزيز الفصحى لا تقليصها. اللغة الفصحى هي مرآة لتاريخنا، هي الطريقة التي نتحدث بها عن تراثنا الثقافي والفكري. تقليص استخدامها في مجال الذكاء الاصطناعي يعني تراجعًا ثقافيًا لا يمكننا تحمله. الآن، أكثر من أي وقت مضى، يجب أن نعزز علاقاتنا مع الفصحى في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك التكنولوجيا.
الحديث باللهجات العامية ليس فقط ضياعًا للهوية، بل هو تراجع في تعزيز الوعي الثقافي واللغوي. ألم يكن من الأجدر أن يتم تطوير روبوت يعزز من استخدام اللغة الفصحى بدلاً من أن يُشجع على التفكك اللغوي؟ ويجب أن نكون حذرين من تأثير هذه الظاهرة على الأجيال القادمة، الذين قد يتعلمون، من خلال تفاعلهم مع الذكاء الاصطناعي، استخدام اللهجات العامية في كتاباتهم وتعبيراتهم اليومية بدلًا من اللغة الفصحى.
النقطة الأهم في هذا المجال هي أن التكنولوجيا لا تملك القدرة على التعامل مع جميع اللهجات بنفس الكفاءة والمعرفة . بعض اللهجات قد تكون أسهل على البرمجة، بينما بعضها الآخر سيشكل تحديات كبيرة في فهم المعاني والتراكيب الدقيقة. في النهاية، قد يؤدي هذا إلى فشل الروبوت في فهم المستخدمين أو تقديم ردود غير دقيقة، مما يُفقد الأداة جزءًا كبيرًا من فعاليتها. بدلًا من جعل “هيوماين تشات” أداة قابلة للتفاعل مع الجميع، قد يُقيد فقط الأشخاص الذين يتحدثون لهجات معينة، مع إهمال مئات الملايين من المتحدثين باللهجات الأخرى.
في النهاية، هذا القرار يمثل تفريطًا واضحًا في الحفاظ على التراث الثقافي واللغوي. من الأجدر بشركة “هيوماين تشات” أن تعيد التفكير في هذه الخطوة، وتدرك أن اللهجات العامية رغم كونها جزءًا من حياتنا اليومية، إلا أنها لا تمثل جوهر هويتنا. العناية بالفصحى واجبٌ على كل عربي، وعلى الشركات العربية الكبرى مثل هذه أن تتحمل مسؤولية أكبر في الحفاظ على لغتنا وتطويرها في جميع المجالات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
ما نحتاج ليس روبوتًا يتحدث بلهجات متفرقة، بل روبوتًا يتحدث بلغة موحدة، لغة تعكس قوتنا الثقافية وتاريخنا المشترك.ينبغي علينا جميعا أن نسعى دائما وبكل ما أوتينا من قوة وعزيمة لإحياء اللغة العربية الفصحى لغة القرآن الكريم ولغة الشعراء العرب الفطاحل وتراثهم ، وينبغي على الأفراد والمؤسسات تبني استراتيجيات متعددة تشمل: الانغماس في اللغة الفصحى عبر القراءة والاستماع المكثف، تجنب الاستماع إلى الكلام الملحون أو المحتوي على الأخطاء، الاهتمام بالتراث العربي في الأدب والعلوم والشعر، ودعم الجهود التعليمية والثقافية لنشر الوعي بأهمية اللغة الفصحى ودورها في الحفاظ على الهوية والتواصل الحضاري بين أبناء الوطن العربي ؟ على الجميع في أدارة هذا التطبيق العمل فورا على حذف جميع اللهجات العامية وإبدالها فقط باللغة العربية الفصحى !؟
وهناك تساؤلات مشروعة لنا على سبيل المثال وليس الحصر : فإذا وجهت لهذا روبوت الدردشة سؤال عن ما يحدث في قطاع معسكر اعتقال غزة هل هو إبادة جماعية أم لا فكيف سيكون جوابه ؟ أو ما يحدث بقتل الصحفيين ؟ هل هي أعمال اجرامية تقوم بها الحكومة الإسرائيلية أم دفاعا عن النفس !؟ وما رأيه بمقاتلين حركة حماس الذين يقومون بعمليات باستهداف الجنود والياتهم العسكرية؟ هل ما يقيمون به تعتبر أعمال مقاومة بطولية أم أنهم إرهابيين وقتلة يجب إعدامهم في اقرب ميدان عام ؟ وبالنسبة لسياسة تجويع الأطفال قطاع غزة ؟ هل هي أعمال مشروعة أم أنها عمليات إبادة منهجية ؟! وغيرها من الأسئلة التي تختص كذلك بالأمن القومي العربي والسعودي والخليجي تحديدآ وكيف ينظر إلى إيران والحوثيون والى حزب الله اللبناني ومؤسسة الحشد الشعبي والفصائل الولائية المسلحة ؟ بل كيف ينظر إلى العلاقات السعودية الأمريكية وبالأخص ما هو رأيه بالرئيس الامريكي “دونالد ترامب” هل هو فعلآ صانع للسلام حقآ ؟ أم أنه صناع للحروب ؟ ولماذا يغض الطرف متعمدآ عن الأفعال الإجرامية إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ؟ وهل يعتبر رئيس الوزراء “نتنياهو” مجرم حرب ؟ أم أنه يدافع عن بلده ؟ وبالأخص وزرائه المتطرفين العنصريين … وإذا سئلناه عن الحرب الروسية الأوكرانية هل ما تقوم به روسيا دفاعآ عن نفسها ضد دول الاتحاد الأوروبي ؟ أم إن أوكرانيا تحارب للدفاع عن أرضها ضد الغزو الروسي ؟ وكذلك حول حقوق الإنسان في السعودية ودول الخليج والعالم العربي والاعتقالات أصحاب الرأي ماذا سيكون جواب روبوت الدردشة هذا !!؟ وإذا وجهت سؤال بخصوص مصر على سبيل المثال هل ما قام به عبد الفتاح السيسي هو انقلاب عسكري على رئيس شرعي ومنتخب من قبل صناديق الاقتراع الديمقراطية و من قبل الشعب ؟! فماذا سيكون جوابه …. شخصيآ ذهبت إلى صفحة الموقع لكي اقوم بطرح مثل تلك الأسئلة وغيرها الكثير لنرى إلى أين قد يوصلنا أجابات “الذكاء الاصطناعي السعودي”  فلم استطيع ان اطرح الأسئلة , ويقول لي تواصل مع أدارة المبيعات !!؟ يجب أن يكون روبوت الدردشة حيادي في الإجابة على جميع أنواع الأسئلة وأن لا يكون هناك معايير تفرض علينا مسبقآ !؟
https://www.humain.ai/ar/humain-os

أن الدور الذي يلعبه المثقفين في حماية اللغة العربية يجب أن تكون مسؤولية حضارية لا تقبل التأجيل أو التأويل أو الرضوخ الى الضغوط السياسية من قبل حكومات الدول وفي ظل التحديات المعاصرة التي تواجه اللغة العربية، تبرز الحاجة الملحة لتفعيل دور النخب الثقافية والأكاديمية في الحفاظ على هويتنا اللغوية. إن المسؤولية التاريخية تستدعي من جميع المثقفين والأدباء والشعراء والكتاب، وخاصة المتخصصين في العلوم الأكاديمية والمؤسسات العريقة “الأزهر الشريف”، الاضطلاع بدورهم الريادي في إحياء اليوم العالمي للغة العربية كالتزام حضاري لا يقبل التهاون أو التراجع. وذلك في التصدي للتحديات اللغوية المعاصرة يتطلب في الواقع الراهن الحالي موقفاً حازماً من النخب المثقفة لمواجهة محاولات هيمنة اللهجات العامية والمحلية على اللغة العربية الفصحى. فالزمن لا يمهل، والمستقبل يحمل في طياته تحديات جسيمة قد تؤدي إلى تراجع مكانة لغة القرآن الكريم، المصدر الأصيل للعربية الفصحى. وان اللغة والنهضة الحضارية وفي رؤية متوازنة وعلى الرغم  من أن اللغة وحدها ليست هي المحدد الوحيد لنهضة الشعوب والمجتمعات، إلا أنها تبقى عنصراً أساسياً في هذه المعادلة. النهضة الحقيقية تتطلب ارتقاء الوعي الإنساني الفردي والجماعي، وانتظام التفاعل الإنساني ضمن إطار من الحرية المسؤولة والإبداع المنضبط، الذي تحكمه منظومة حقوق الإنسان العالمية، وتثريه التجارب الوجدانية المتنوعة عبر الثقافات الإنسانية المختلفة.والتلازم بين تطوير اللغة والإنسان وإن قوة اللغة تنبع من رقي الإنسان الذي يتواصل مع العالم بذاته الحرة، ووعيه المتقد، ووجدانه المبدع، وفكره المستنير، والتزامه التضامني الصادق. وبناءً على هذا الفهم، فإن النهوض باللغة العربية يستلزم بالضرورة النهوض بالإنسان العربي، ليكون قادراً على تجسيد القيم الحضارية السامية في واقعه المعيش. وإن اللغة لا تُفرض قسراً على الوعي الفردي، بل تكتسب قوتها وحيويتها من قدرتها على مواكبة حركة التاريخ المتسارعة والتعبير عن نبض الحياة المعاصرة وإحساسها المتجددة. من هنا تأتي أهمية الدور المحوري للمثقفين في جعل العربية لغة حية قادرة على استيعاب تطلعات العصر ومتطلباته.إن الحفاظ على مكانة اللغة العربية وتعزيز دورها الحضاري يتطلب جهوداً مضاعفة من جميع المعنيين، سواء على المستوى الأكاديمي أو الثقافي أو التقني. التحدي الحقيقي يكمن في قدرتها على التكيف مع متطلبات العصر الرقمي مع المحافظة على أصالتها وثرائها اللغوي والثقافي.إن الطبيعة الخاصة للغة العربية تكمن في قدرتها على تجاوز الحدود الزمنية والمكانية، حيث تستمد خلودها من ارتباطها الوثيق بالنص القرآني الذي يضمن لها البقاء والاستمرارية. هذا الارتباط الروحي يمنحها قوة استثنائية تمكنها من مقاومة عوامل التآكل والاندثار التي قد تصيب اللغات الأخرى. لنتذكر دائما والى الاجيال والاحفاد كرسالة ملزمة نتوارثها جيلآ بعد جيلآ بان تحتل اللغة العربية الفصحى، بوصفها لغة القرآن الكريم، مكانة فريدة في الوجدان الإسلامي والعربي. فهي تتجاوز كونها مجرد أداة تواصل لتصبح مرآة عاكسة للتجربة الإنسانية عبر مراحلها التاريخية المختلفة، من الماضي العريق إلى الحاضر المعاش، وصولاً إلى المستقبل المنتظر والى ان يرث الله الأرض وما عليها وعلى الأقل وبينما يرى بعض أهل العلم أن اللغة العربية هي لغة أهل الجنة , بناءً على ارتباطها بالقرآن الكريم واللسان العربي المبين والاهم والمهم لغة التواصل مع الله جل جلاله .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات