21 ديسمبر، 2024 7:54 م

ديمقراطية بخطوط حمراء

ديمقراطية بخطوط حمراء

يمتاز النظام الديمقراطي في العراق بكثرة الخطوط الحمراء التي يضعها قادة الأحزاب و الزعماء السياسيون ، فمنذُ عام 2003م و نحن نستمع الى المزيد من تلك الخطوط ، ويوجبوا علينا عدم المساس بها و إلا ستكون العواقب وخيمة إذا حاول أحدنا تجاوزها ، و الغريب في الأمر أن جميع تلك الخطوط التي يضعونها تُعبر عن افراد و رموز و شخصيات لا تمتلك قيمة أمام ما يمثله الشعب من قيمة عليا .
في حين لم نسمع  قائلاٌ منهم ينادي بأن أرواح المواطنين العراقيين وحماية كرامتهم و ممتلكاتهم هو الخط الاحمر الذي تسقط دونهُ جميع الخطوط ، ففي جميع الكيانات  السياسية المتحضرة في العالم ، و التي تحترم نفسها ، تجعل من المواطن القيمة العليا داخل البلد ، وعلى أساس ذلك يقوم النظام ، إلا في بلدنا العزيز الذي نُعتبرُ فيه كما يرانا  السياسيون من أدنى القيم التي يجب المحافظة عليها في عهد الديمقراطية الجديد .
ومن المضحك المبكي في هذا الأمر ، هي الطبقة الجاهلة و المتعصبة التي طغت على المجتمع العراقي ، والتي أصبحت بفضل تلك الأحزاب هي الطبقة الغالبة ، فهي التي تتمسك بهذه الخطوط ، ويدافعون عنها بشتى الوسائل و الطرق ، حتى لو تطلب ذلك إزهاق أرواح و تخريب ممتلكات من يحاول المساس بها ، ولا يكون هناك رادع قانوني لهم من قِبل الدولة ، فهل هذه هي الديمقراطية التي تتحدثون عنها اليوم !!
فلا أظن بأن هناك مجتمعاً في العالم ، تطغى عليه الطبقة الجاهلة و المتخلفة إلا اذا كان القادة أنفسهم من تلك الطبقة ، فلو حاول قادة اليوم افساح المجال أمام الطبقة المثقفة و الواعية من العراقيين ، لأصبحوا هؤلاء القادة في خبر كانَ منذُ زمن بعيد.
نحن بحاجة الآن إلى ثورة إجتماعية ، يقودها طليعة المجتمع العراقي لتثقيف الجُهال ، من أجل أن تكون سداً منيعاً أمام المحاولات التي تمارسها الأحزاب في تجهيل الشعب لأجل توسيع قاعدتهم الجماهيرية ، التي لا ينساق لها سوى الجاهلون ، و الذين أحطوا من قيمة المجتمع العراقي أمام شعوب العالم ، ولسحب البساط أيضاً من تحت تلك الأحزاب التي تتخذ من الجاهلين قاعدة لهم لتحقيق مصالحهم السياسية.
فبعد أن كان الشعب العراقي في طليعة الشعوب المتقدمة في العالم قبل عشرات السنين من حيث الوعي و الافكار التطلعية التي تميزوا بها ، نجد أنفسنا اليوم و قد تخلفنا عما كنا عليه قبل الاربعينيات و الخمسينيات من القرن المنصرم ، والذي تميز بظهور أحزاب و تيارات فكرية عملت على تثقيف المواطنين من أجل تحقيق تطلعاتهم في الحرية و الاستقلال و العيش الكريم لا أن تُجهِلهم.
 وعلى هذا الاساس لا أعتقدُ  بأن هناك اليوم أملاً في إصلاح المجتمع ، وقادة القوم من جُهالهم ، فألى أي حقبة مظلمة يريدُ ساسة العراق أن يعيدونا اليها تحت مسميات الخطوط الحمراء خاصتهم !!!
وأخيراً .. إن كان لكم الحق في وضع خطوطكم ، فللشعب الحق أيضاً في أن يدوسَ عليها و يتجاوزها وفقاً للديمقراطية  .