23 سبتمبر 2025 11:28 م

دونالد ترامب.. أميركا أنا، وأنا أميركا

دونالد ترامب.. أميركا أنا، وأنا أميركا

الشهرة، الثروة، النفوذ… يمتلك رئيس أكبر قوة عالمية كل ذلك، لكن هذا لا يكفيه. يريد دونالد ترامب أن يكون في كل مكان، وأن يُشكّل الولايات المتحدة على صورته، وأن يُخلّد عهده. في عام 1990، تحدث قطب العقارات، الذي كان آنذاك في أوج عطائه، إلى مجلة بلاي بوي: “نأتي إلى الحياة، نعيش ستين أو سبعين أو ثمانين سنة، ثم نختفي. نربح، نربح، وفي النهاية، لا قيمة لهذا كله”. بعدها كان لدى الملياردير متسع من الوقت ليُدلي بدلوه، وليُعيد رسم معالم منصبه الرئاسي وفقًا لتقديره… وهو لا ينوي التوقف عند هذا الحد.
عندما حرمه الناخبون عام 2020 من ولاية رئاسية ثانية، حاول انتزاعها بانقلاب. والآن، وقد عاد إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، دشّن عهدًا جديدًا من الفساد المستشري، والقمع الوحشي، والفاشية الجديدة المتسارعة، والأهم من ذلك كله، الإفلات من العقاب: فهو لا يرفض لنفسه شيئًا، ولا يمكن لأحد أن يدّعي رفض أي شيء له، تحت طائلة خطر الطرد الفوري.
أرى أن دونالد ترامب لا يسعى فقط إلى أن يكون شخصية سياسية بارزة، بل يسعى أيضًا إلى أن يكون رمزًا ثقافيًا. هذا الجانب من شخصية ترامب هو ما يفسر أحد أغرب جوانب رئاسته: الأهمية التي يوليها للجماليات، والطريقة الجريئة التي يفرض بها أسلوبه وذوقه الخاص على أميركا. فمن جعل البيت الأبيض يشبه مساكنه الخاصة، إلى جعل الفنون هوايته المفضلة، يسعى ترامب إلى تغيير جذري في النظرة إلى الحكومة الأميركية. بمعنى آخر: إذا نظر الناس إلى المباني والمؤسسات الحكومية، فعليهم أن يبصروا ترامب فقط، حتى بعد مغادرته منصبه. هذا ما يريده ترامب لأنه لا يرى ولا يريد أن يرى إلا نفسه.
خلال مسيرته العقارية في نيويورك، سعى دونالد ترامب إلى امتلاك أكبر وأطول مباني العالم، وطلائها بالذهب: استعراضٌ مُبهرجٌ للثروة وأسلوبٌ مُبتذلٌ بامتياز، جعله بالفعل رمزًا للرأسمالية الجشعة في سبعينيات القرن الماضي. واليوم، لم يتغير أسلوبه، كل ما هنالك أن وسائله قد زادت.
ليس من غير المألوف أن يحلّ شعاره الرئيسي، “لنجعل أميركا عظيمة مجددًا”، الذي يُزيّن قبعات أنصاره الحمراء الزاهية الشهيرة، محلّ شعاره البديل “كان ترامب مُحقًا في كل شيء”. في الواقع، إنّ “العظمة” المنشودة هي قبل كل شيء عظمة دونالد ترامب، الذي يرى نفسه مُجسّدًا لأميركا بأكملها من خلال كلماته “النبوية”، إلى الأبد.
وفي المتاحف، يعتزم ترامب إعادة كتابة تاريخ البلاد، الأمر الذي شكّل صفعة قوية لمؤسسة سميثسونيان (التي تدير واحدًا وعشرين متحفًا بالإضافة إلى المكتبات ومراكز الأبحاث) تلقّتها في شكل مرسوم، حيث اتهمها دونالد ترامب بعدم إظهار إلى أي مدى تُعَدّ الولايات المتحدة “الدولة الأكثر جاذبية في العالم”.
مع أن الرؤساء الأميركيين نادرًا ما كانوا يفتقرون إلى الغرور، إلا أنهم غالبًا ما حاولوا إظهار أميركا أكبر منهم. ما يميز ترامب هو أنه لا يهتم حقًا بالرؤية المثالية لأميركا، بل يهتم فقط بإرواء جنون العظمة والنزعة الاستبدادية للتماهي العميق مع الوطن لدرجة أنهما لا ينفصلان.
إن المسألة ليست مجرد مسألة صورة، أو حتى سياسة قصيرة الأجل، قد يتمكن خليفته بدوره من التأثير عليها، بل هي تحول ثقافي يؤدي إلى تغييرات عميقة في المعايير وفي إدراك أسلوب الحياة الأميركي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات