** العوامل الثقافية**
الاعتداد التقليدي بالذات القومية سيمنع الايرانيين من التراجع امام الضربات الإسرائيلية مهما كانت قاسية ومؤلمة، واغتيال عدد من كبار القادة العسكريين يعتبر خدشاً للنرجسية الإيرانية التي ستظل جريحة حتى يتم رد الصاع صاعين. او الوصول الى نقطة التعادل في الاقل
كما ان العناد الإيراني المعروف لن يسمح لهم بالتراجع، فالذي استمر بالحرب لثمان سنوات في حرب الخليج الأولى يستطيع ان يصبر بضعة أيام في المعركة مع اسرائيل، لكن الإسرائيليين لا يستطيعون الصبر في معركة المطاولة وعض الأصابع تلك.
يضاف الى ذلك ان ثقافة الاستشهاد التي يتربى عليها الفرد الإيراني منذ نعومة اظفاره ستخفف من وطأة خسارة بعض القادة والعلماء، فللموت والتضحية حضور قوي في العقل الإيراني وهو واحد من محركات الحياة في السرديات الإيرانية.
كما ان إيران التي ترفع شعار (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل) منذ بواكير أيام ثورتها الإسلامية معبأة سلفاً ضد الكيان الصهيوني ولا تنتظر نشوب حرب للإعراب عن تلك المشاعر، والكثير من الأوساط تنظر الى هذه المعركة من زاوية عقائدية مرتبطة بالأفكار التأسيسية الأولى للثورة. بل وتنتظرها.
أتذكر ما جرى في حفل أداء الرئيس الحالي مسعود بزشكيان لليمين الدستوري امام أعضاء البرلمان الإيراني العام الماضي، والرئيس بزشكيان يصنف على انه منتمٍ للتيار الإصلاحي وقد بدرت منه بعض الإشارات على انه يمكن ان ينفتح على الحوار مع الولايات المتحدة، وقال في كلمته امام البرلمان انه يريد الانفتاح على دول العالم من أجل حل العقد التي تواجه إيران، فانفجر النواب الحاضرون في القاعة بالهتاف الشهير (مرگ بر اسرائيل مرگ بر) ليقولوا له بوضوح ان التخلي عن الثوابت أمر غير مسموح به مهما كانت المكاسب مغرية.
هناك ما هو أكثر من ذلك. فلدى الإيرانيين موروث من النصوص والسرديات الراسخة في المخيال العام تؤكد ان نهاية الكيان الصهيوني ستكون على أيديهم. يضاف الى تلك العوامل عامل آخر هو التجربة، فالإيرانيون خاضوا صراعات كثيرة على مختلف الأصعدة، وبمختلف المستويات، ويعيشون حصاراً واجواء معارك منذ أربعة عقود وهم يؤمنون بقدرتهم على الاستمرار فقد تعرضوا لظروف أكثر قسوة وتجاوزوها. وهذه كلها عوامل ثقافية ستجعل الإيرانيين يستمرون في الحرب. خصوصاً انهم يعرفون ان الجلوس على طاولة المفاوضات في هذه اللحظة العصيبة سيحول المفاوضات الى املاءات.
ربما يجلسون للتفاوض لاحقاً بعد ان يشعروا بأنهم وصلوا الى ما يعتقدونه رداً مناسباً على العدوان الذي تعرضوا له. اما في المدى المنظور فأستبعد ذلك.