التاريخ تدونه قلوب الشعوب ويكتبه المنتصر ويفرضه الحاكم، وهكذا فإنّ حلبجة التي أبيدت الحياة فيها بالغازات في أواخر الحرب العراقية الإيرانية أمست المحافظة العراقية التاسعة عشر.
لا أريد مناقشة حيثيات ما جرى عسكرياً وجيوسياسياً، فهذا اللسان الذي تقع فيه حلبجة موغل في داخل إيران، وكان سهلا على عناصر البسيج والحرس الثوري أن يقتحموه، ويقيموا في مساجده صلاة الجمعة المشتركة مع القوات الكردية التي كانت في حلبجة، ومن هنا صدر القرار الرئاسي بالإجهاز على الجميع بقنابل السموم الفظيعة؟ على الأقل هذا ما تقوله تسريبات الرواية العسكرية شبه الرسمية للجريمة المرعبة!
في النتيجة النهائية، والأكيد القطعي، أنّ طائرات القوة الجوية العراقية وسمتيات طيران الجيش قصفت المدينة وأهلها والمقاتلين الذين كانوا فيها بالقنابل الكيمياوية، وقُتل جمع هائل من المدنيين رجالاً ونساء وأطفالاً في هذا الاستهداف، وأصيب ألوف غيرهم بإصابات تركت عوقاً دائما في أجسادهم، فكل مصاب بالكيمياوي، كيف كان شكله يبقى يسعل بحرقة حتى آخر عمره، وقد التقيت بضعة منهم في مناسبات وتواريخ وبلدان عدة ونقلوا لي هذه الرواية. ويُسجل تاريخياً أن صدام حسين ونظامه هو أول نظام في التاريخ المعاصر يستهدف شعبه بأسلحة الدمار الشامل…أليست الأسلحة الكيمياوية أسلحة دمار شامل للكائنات الحية حصراً؟
حلبجة التي قُتل آلاف من أهلها بالغازات السامة في آذار/ مارس سنة 1988، أصبحت اليوم (14 نيسان/ أبريل 2025) المحافظة التاسعة عشر. ويبدو أنّ هذا الرقم المشؤوم مرتبط بالمدن والبلدان المبتلاة بأخطاء صدام ونظام البعث، فقد حملته لبضعة أشهر الكويت التي غزاها جيش صدام وحولها إلى المحافظة التاسعة عشر عام 1990، وها هي حلبجة المغتسلة بنجيع بنيها تحمل نفس الرقم…يا لها من مصادفة؟
مر الحدث بصمت، ولم يكتب عنه أحد تقريباً، لذا قررت أن أكسر هذا الصمت، وأقول شيئاً في حلبجة الجريحة، وقد أصبحت محافظة تتمرغ بمقتلتها الفظيعة التي لا تنسى.
باتت حلبجه محافظة، وقررت الحكومة العراقية تعيين نوخشة ناصح في منصب محافِظة حلبجة، ما اعتُبر حدثاً غير مسبوق في بلدنا، إذ إنها المرة الأولى التي تتولى فيها امرأة منصب (محافظ) منذ قيام دولتنا الفتية (التي عمرها 98 سنة). نوخشة ناصح المولودة عام 1978، تولت المنصب بترشيحها وتعيينها من قبل مسرور برزاني رئيس وزراء كردستان، في سابقة من نوعها في البلاد.ونَصّ القرار على أن تباشر مهام منصبها محافظةلحلبجة مستمرة في نفس الوقت في وظيفتها السابقة “كقائمقام” المدينة، وفقاً لموقع كردستان 24.
حلبجة اليوم من أنشط مناطق التبادل التجاريوالسياحي والمخابراتي مع إيران وتضم عدداً من المنافذ الحدودية، منها (شوشمي، توليه وبشتة). وحسب تقرير نشرته بي سي عربي في (15 نيسان/ أبريل 2025)، يبلغ عدد سكان حلبجة 145 ألف نسمة من إجمالي 6.37 مليون في كردستان، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية. وبناء على هذه البيانات، قد تصل نسبة المحافظة الجديدة من الموازنة العامة 2.27 في المئة (أليست مفارقة محزنة أن نستقي معلوماتنا عن الوطن من الصحافة الدولية؟).
نوخشه، محافظة حلبجة الجديدة قالت عشية توليها المنصب إنّ “استحداث هذه المحافظة يعني أن ضحايا مذبحة حلبجة يرقدون الآن في سلام” وفقًا لموقع “رووداو” الإلكتروني.
قضائياً، وجهت محكمة عراقية اتهامات لصدام حسين وابن عمه علي حسن المَجيد – الذي قاد قوات الجيش العراقي في كردستان في تلك الفترة – بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فيما يخص الهجوم الذي تعرضت له حلبجة، وأعدم علي حسن المجيد شنقاً حتى الموت عام 2010 مداناً بارتكاب تلك المجزرة المثيرة للجدل.