تبقى انطباعات الكاتب وما يحمله من أفكار شريكاً لذهن القارئ؛ فربما يظن القارئ أن الكلام والنقد اللاذع موجه له أو لشخصاً آخر، هذا التفكير خاطئ. قد يعتقد بعض “الخرنگعيّة” الذين يبحثون عن البرج المدبب ليجلسوا عليه أو على رأس الوتد الحاد، ولهذا ينزاح قطيع الكلاب خلف رائحة العفن الفطري، فيصفق لهم المجانين من الأراذل المهووسين بالمديح المحلى بالزيف والخداع.
فهل تدرك أن تلك الواجهات الفضية ميتة ولا تملك شيئاً؟ ومتى تدرك ذلك ياترى؟
اننا حين نحشر في بعض السطور بعض الإشارات، او نستعير بعض الكلمات، فذلك لأننا نتكلم في فضاء مفتوح، ليقرأ كل من يمر ويرتشف رحيق كلماتي وحرابها، ولسنا بحاجة إلى أن نفهم الأطفال لغة الخطاب، أو نستقرا الحروف لتقرع الجمل أسماعهم، فلا نطيل الإسهاب والرتابة، فالجميع يعلم أن هناك الكثير، وربما أفواجاً من الأوزاغ، أذناب وشعر أذناب الناس، يلتصقون خفية بالجدران أو يتلصص بعضهم ويسترق السمع….! (فللحيطان آذان، تسمع؟)
القفز دون علم، والفهم الخاطئ، والإدراك الناقص للنتائج الخطيرة، من صفات التخلف الحشوي والجهل المركب، وحشر الأنوف بلا مال ولا جمال، هو الجهل والجهالة و”الزعططة” الغبية.
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على الخسة والدناءة والقذارة والقبح، قولًا وفعلاً، والغباء وغيره من الصور البشعة، قد يحاول البعض التقرب، أو التملق، أو الإذعان، والخضوع، والخنوع لتلك البسطاطية والانبطاح اللا إرادي، فهو أشبه، وأستطيع القول، بـ”التبول اللا إرادي لدى الأطفال”، أو انقياد كالشاة للذئب المفترس الذي لا يأبه، وبالتالي سيأكل تلك النعجة بلا شك، فهي لقمة سائغة، ولا قيمة لتلك الفطيسة بين أنياب الذئاب.
قبل مدة من الزمن ليس ببعيد، كنت عند الأخ والصديق (أبو زياد)، له التحية والسلام… وبعد جلسة طويلة من الزمن، بعد غياب طويل لم نلتقِ خلاله، وبعد أن تناولنا الكثير من أقداح الشاي، والقهوة التي كانت أنيس مجلسنا وحديثنا، وكان لها حصة كبيرة لا تعد ولا تحصى. توقفنا في الحديث عند حيثية تشغل دائماً حيزًا كبيراً في مايسرد قلم الكاتب، والبعض يسأل؟
عما يعانيه الكاتب، والمثقف من فراغ فكري، لهضم الكلمة ومعناها، والقراءة الجيدة، والاستقراء الجيد لما يهدف إليه المقال والكاتب.
قلت له: من كان يظن أنه أنت؟ أو أنا المقصود؟ فماذا يفعل الكاتب للقارئ إن وقع في الفخ؟
وماذا يفعل الكاتب للقارئ إن علق في إبرة صنارة الصيد؟ ماذا نفعل له، وهو يعتقد أنه المقصود من النص، بما ذهب إليه من قصور ذهني وتفكير عقلي، وفهم ونقل معلوماتي خاطئ؟
إذن، هذا هو الفشل العقلي للتفكير البشري، وما ذهب إليه من تأويل وتحليل ووصف غير حقيقي.
قلت له: خذ مني مثلًا، كنت قد كررت كلمة “عقال الصوف” في انتقاد الأوزاغ الذين يعتقدون أن الرجل يقاس بهندامه وماله وتوجهاته، أما شجارات من السب والشتائم وحشر الأنوف في شقوق جدران الناس لأجل تفريغ الأزمات النفسية، فهي حالة نفسية سقيمة وعقلية رجعية شعبوية لبيئة الجهل… تلك هي الخيوط العقلية لشخصية بائدة.
وهذا المصطلح عام، وليس مختصاً بأحد أو بزيد من الناس….فافهم يا عمر!
ومن اليقين عقلاً، لا يوجد شيء يصنع من الصوف ويحاك كعقال….لا يوجد عقالاً يصنع من الصوف على الإطلاق!
بل إن أغلب الصناعات الحرفية المعروفة، والمشهورة تصنع نوعين: (عقال القصب، وعقال الشعر)، الذي يصنع من شعر “الصخل” أو الماعز، بالاشتراك مع خيوط الجنفاص.
فماذا نفعل للقارئ الذي يظن أنه هو المقصود، لكونه يشعر بذلك أو يعاني من تلك العقدة الدونية التي ترافق حياته؟
تلك النفوس البشرية المريضة، علاجها استعصى على طب الأعشاب، ولا ينفع معها علاج، وقد تركت آثارها من عاهات خلقية عند المتخلفين المفلسين فكرياً، لأنها تعيش في بيئة خصبة للتخلف، ويظن بعضهم أن الحكمة تنتقد وتكتب ولا تأبه بمن حولك.
الناقد يبقى هو العمدة والعميد المسيطر، وربما هو، لو صح القول، المصحح للأخطاء والكاشف لأغطية الجيف السوداء، وإن خسر من المال والناس والواجهات كثيراً، لكنه لا يخسر قوة قلمه وإيمانه، وكلمته تبقى العليا، والصوت المدوي الصارخ فوق كل أصوات النشاز.
فإذا كان هناك شخص أو مجموعة من الناس يتحسسون من كلمة “خرنگعيه”، فقل لي بربك: كيف نقنع هؤلاء بأنهم… وأنكم يا قوم لستم..و {مو خرنگعيه}؟ فماذا نفعل لهذا العقل البشري الرجعي المتهور؟
ذهب الكاتب، الأستاذ الباحث والناقد والأديب “حسين عجيل الساعدي”، في تفكيك وتفسير كلمة “الخرنگعي”:
يذهب بعض الباحثين الى أن لفظة “خرنگعي” تُطلق على من تعاون مع المغول عند اجتياحهم بغداد، فما كان من أهل بغداد إلا أن يطلقوا على هؤلاء تسمية “نقاع خراء المغول”، أي عصير نجاستهم، وقد أخذ المغول هذا الوصف وأطلقوه على المتعاونين معهم بمسمى “خره نقاع”، ثم تحولت هذه اللفظة إلى “خرنگعي”.
أما الرأي الآخر، فيقول إن لفظة “خرنگعي” مأخوذة من الكلمة الفارسية “خرآنگاه”، والتي تعني الرجل الجبان الهلوع، أو غير الصالح، أو غير الشجاع، أو أثول، أو كسلان.
وهناك رأي، لكنه غير معتد به أو غير محكم، وهو حين يُقال للرجل “خرنگعي”، أي مائع، وهو الذي يجمع الخرق من العاهرات في منازل الدعارة.
إذن، علينا أن نخلي سبيل الكاتب من مسؤولية الكتابة، وألا نقيد ما يحمله من كم هائل من الانفجارات الفكرية، والسيل المعلوماتي الهائل، فالقلم لا يشير الى عنوان، أو توقيت، أو تصويب فعلي، وما وراء القصد يبقى قضية، القراءة وتصورات كل قارئ، على جهد الفهم الشخصي، ودون فهم ومعرفة قاصرة، قد يكون على خطأ، أو يصيب شيأً منها، وهذه نسبة غير حقيقية وغير مطلقة، وهي نسبة احتمالية غير حقيقية.
انتهى.
إذن، أقول هنا…
أيها المجانين، إن القلم حر، ولا تستطيعون أن تكبحوا جماحه. فهو حر بما يكتب، ما يشاء، لو شاء كتب، ولا حق لمن يؤوّل الكلام بعين جاهلاً حقوداً، وجبان هارب من ميدان الحضور والمواجهة، أو وعاءاً صلباً متحجر، ليضع مقاييس الكلام في طريق النصب والعداء والتقيس والتقييم الباهت المتخلف.