5 أكتوبر، 2024 6:42 م
Search
Close this search box.

النزاهة والفساد….والمواجهة الدامية

النزاهة والفساد….والمواجهة الدامية

وسال الدم ….هكذا كانت خاتمة الصراع بين الخير والشر بين الصلاح والطلاح، إذ إنه منذ بزوغ فجر الحياة الإنسانية على سطح هذا الكوكب تنازع أفراد الجنس البشري؛ نتيجة الدوافع الفردية والغرائز الحيوانية داخل أنفسهم. وهكذا بدأ الصراع يأخذ منحاه نحو التوتر ثم التأزم فالتقاتل، وكانت حصة الجريمة وسفك الدماء الأولى على سطح الأرض لقابيل، فأخوه الذي قدم قرباناً خالصاً من رواسب النفس الشريرة، ومن ثم تُقُبِّل منه، لم يرضَ ذلك قابيل الذي لم يُتقبَّل منه قربانه الملطخ ببصمات الفردية والأنانية والتسيد والاستحواذ، فكانت أول ردة فعل من قابيل أن قال ــ كما في سورة المائدة ــ: (( لأقتلنَّك)) وهذه هي ردة فعل معسكر الشر في كل حركات الصراع بين معسكري الخير والشر من عهد قابيل وهابيل إلى يومنا هذا، لكن معسكر الخير المتمثل بـ (هابيل) دائماً كان يرد الرد الحضاري الراقي:((لئن بسطت إلىَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين)) وقبل هذا بقليل رد هابيل بقوله: (( إنما يتقبل الله من المتقين)) فالمسألة التي ينبغي أن يعيها كل البشر أن أعمالهم مرهونة بنواياهم، فمهما عملت الدوائر الاستكبارية في سبيل تلميع صورتها المشوهة أمام شعوب العالم المستضعف، فإنها ستبقى يدها ملطخة بدماء البشر، وإن أعمالهم تلك كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، وهكذا دواليك فبعد ابني آدم استمر هذا الصراع، فهذا نوح قال لقومه: (( ألا تتقون  إني لكم رسول أمين  )) ((وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين )) فكان الجواب الهمجي من قومه :((قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون )) وقوم هود سلكوا المسلك نفسه فقالوا: ((قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)) وجاء الرد من االنبي هود :((قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) فما أجمل هذا الرد الهادئ العقلاني الموضوعي، أما موقف قوم نبي الله لوط، فكان أكثر صراحة في رفض الحق والطهارة الروحية  والعفة الجنسية، فقد واجهوه بأسلوب دنيء صريح، وما أصلف كلام وجهائهم إذ قالوا: ((  أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)) وكذلك كان ضحايا الأخدود فلم ينقم منهم إلا أن يؤمنوا بالله كما جاء في قوله تعالى: ((وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد)) وكانت فاجعتهم من أفظع المآسي التي جرت على البشرية : ((قتل أصحاب الأخدود  النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود  وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود)) فكل هذا الصراع المرير بين الحركات الإصلاحية والحركات الإفسادية كانت نهايتها تراجيدية ، وكان الطرف المسفوك دمه دائماً هو طرف الإصلاح.

واليوم ونحن نعيش أربعينية شهداء النزاهة والإصلاح لا بد من وقفة، فنحن لا نشط بعيداً عن موضوعنا هذا، فهو في الصميم منه، فكلنا يعلم أن مكتب تحقيقات الرصافة التابع لهيئة النزاهة، مهمته مهمة تحقيقية، فهو ينظر بقضايا الفساد وشكاوى المواطنين بهذا الخصوص، ويقوم المحققون بالتحقيق في هذه القضايا لعرضها على القضاء العراقي ليصدر الحكم القاطع بخصوص هذه القضايا وأصحابها، إذاً مهمة هؤلاء العراقيين الشرفاء مهمة راقية وغايتهم تطهير البلاد من براثن الفساد والمفسدين؛ لأن خطرهم على البلاد كخطر الإرهابيين، بل هم والإرهاب في جبهة واحدة ضد أبناء الشعب العراقي، وهكذا كان الصراع بين النزاهة والفساد تدرَّج من مرحلة التهديد والوعيد إلى مرحلة الاغتيالات إلى أن كلله الإرهابيون ومشيعو الفساد إلى المرحلة الدامية الكبرى بتفجير مكتب تحقيقات الرصافة، وهذا يذكرنا بالمصلح الكبير ومحارب الفساد العظيم النبي شعيب إذ قال لقومه: ((أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين  وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين))  فأجابوه ((قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَولَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ )) وقالوا في موضع آخر: ((قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)).

فقد هوّن علينا مصابنا بإخوتنا من شهداء النزاهة أن مصابهم بعين الله، وأن ما جرى عليهم هو عينه ما جرى على كل محاربي الفساد والرذيلة، فسلام عليكم يا إخواننا يوم ولدتم ويوم حاربتم الفساد ويوم استشهدتم مرتفعة أرواحكم حيث حظيرة القدس مع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وحسن أؤلئك رفيقاً.

أحدث المقالات