النخب السياسية في النقد المضمر بالسينما العالمية

النخب السياسية في النقد المضمر بالسينما العالمية

في الأفلام الأمريكية والعالمية القديمة التي قدمتها هوليوود , تعودنا على مشاهدة الممثلين كاري كوبر وكاري كرانت وكلنت ايستوود , وفي موجة الأفلام المعاصرة , هناك العديد من الشخصياتالسينمائية الأخرى من امثال جوش هارتنت  وتوم كروز وتوم هانكسوجيرارد بتلر وغيرهم  , كانوا , على الأغلب وبالرؤية الأمريكية ,محاورآ لسلطة العدل التي تدافع عن سيادة الدولة كرسالة لأفرادمن داخل الوطن من ناحية  , وعن حقوق الفرد والمجتمع   , في استرجاع الحق من براثن الخارجين عن القانون , وتعيد الأمور العامة الى نصابها من ناحية اخرى ,

وهم في افلام اخرى معيّنة , تراهم بأدوارهم كأدوات ترويج  للشخصية البريطانية والأمريكية في إظهارها بالكاريزما المتكاملة  وخاصة في الأفلام الحربية التي تروّج الى ثقافة هاتين الدولتين وقيمهما الإجتماعية , وتمجّد بطولات جيشهما في الولاء والوطنية , كافلام  ” كابتن امريكا وتوب غن ” لكريس إيفانز وتوم كروز , وسقوط الصقر الأسود لجوش هارتنت وسقوط البيت الأبيض لجيرارد بتلر .

ولكن يبقى هناك عدد آخر من الأفلام التي تصوّر العرب في منظور استشراقي وعنصري بشكل خاص كشعوب متخلفة وعنيفةوشهوانية ونائمة لا همَّ لها غير الأكل والنوم  وخاصة بعد احداث  11 سبتمبر , إذ ترسّخت هذه الفكرة لدى الغرب منذ عهود , وربما لدى شعوب الشرق الأقصى كنقد مضمر في تلك الأفلام , ومن سوء الطالع  ,  فقد رمى الى ذلك  بالبرهان الرئيس ترامب في ذكرى مئوية الاحتفال بالحرب العالمية الأولى الذي صادف في نوفمبر 2018 , عندما شاهد الملك المغربي نائمآ في الإجتماع  ,  لذلك  قامت هوليوود بناءآ على تلك الفكرة على توظيف الإستشراق  في السينما , فصوّرت العرب  بهذه الصفات  وبطريقة سلبية  ونمطيةفي افلامها ، سميت من قبل النقاد بـ”الاستشراق السينمائي”،

أي على طريقة  الإستشراق  التي جاء بها المستشرقين البريطانيين, وهم بالحقيقة مؤرخون أسسوا لنظام فكري وثقافي وسياسي يقوم على ; ” ان من يمتلك  المعرفة  يبرر السيطرة على الآخر المتخلف , وبهذه  الفكرة ومعها ومعها فكرة  او نظرية ” عبء الرجل الأبيض ”  , روّجوا الأكاذيب عن الشرق لتتم السيطرة والهيمنة  الإستعمارية  على الهند , وعلى العرب في الشرق الأوسط   على اساس ان الشرق غريبآ ومتخلفآ وغامضآ  وغير عقلاني في مقابل الغرب العقلاني  المتقدم  والمتحضّر ,

فتم بذلك توظيف الإستشراق في السينما كوسيلة للنقد ولتشويهالتأريخ , واستهداف الأديان والأعراق عن طريق إستبعاد  المظاهر السامية  من قيم واخلاق وعادات وتقاليد , وإظهار مايخالفها , غير ان النقاد والمفكرين المعتدلين كان لهم رأيآ مخالفآ ,  إذ اعتبروا  ان هذه الموجة من الأفلام ليست سوى تلفيقات مبالغ بها وغير واقعية  ومنهم المفكر إدوارد سعيد في كتابه ” الإستشراق “ , حيث بيّن كيف يُختزل “الشرق” , وبخاصة العرب , في صور نمطية تخدم الهيمنة والعنصرية الغربية .

من هذه الأفلام المسيئة للعرب فلم ” اكاذيب حقيقية ” من بطولة آرنولد شوارزينيغر, وهو من عنوانة , فلم سخيف مليئ بالأكاذيب , وفي مشاهدة تجاهل كامل لأي بعد انساني او ثقافي , واختزال للعرب في صورة عدو همجي وغبي ومتعطش للدماء ومتطرفويتحدث بلغة مشوشة , وفلم آخر بعنوان  ذا دلتا فوريس من بطولة جاك نورس , وهو يتعرض للعرب بالطريقة نفسها , وفلم ” سيج ” من بطولة دينزل واشنطن وبروس وولس بالرؤية نفسها , وفلم  ” ممي Mummy ” , الذي يعرض العرب كخدم سذّج  وجبناء وبرابرة يعيشون في صحراء قاحلة ,  يُستخدمون في الفلم إما للدلالة على الجهل أو ليموتوا في سبيل تقدم البطل الغربي .

في الدراسات الحديثة ومن جراء تلك الأفلام الأمريكية  , اصبح من المألوف لدى الباحثين   في الشأن السياسي , مقاربة الشبه  بين  الممثلين كأفراد  في السينما الأمريكية وبين النخب السياسية في العالم , فقد  استخلصوا ان في السينما  ادوارآ لأبطال الأفلام الأمريكية   تتشابه بالمهام  مع ادوار   النخب السياسية  الحامية للسيادة والعدالة والقيم الإجتماعية ,

فالبطل الأمريكي هو المقاوم من داخل الدولة لأعداء من خارج الدولة وهذه رسالة تبثها  هوليوود من خلال الفن السينمائي  , والنخب السياسية لها الدور نفسه في حماية السيادة والعدالة والقيم الإجتماعية , ووجدوا احيانآ اخرى ازدواجية عند الممثلين وعند النخب السياسية معآ , فلدى الممثلون وجدوا في فلم Trade  ان النخب السياسية نفسها متورطة في ابشع انواع الإنحطاط الأخلاقي كبيع السلطة , وغض النظر عن الإتجار بالبشر والسمسرة … الخ

وهذه رسالة اخرى تكشف بشكل فاضح ليس فقط تواطؤ النخب السياسية قائلة ; ان العدو ليس من خارج الدولة , بل هو موجود احيانآ في قلبها , وتكشف ايضآ عن انهيار المباديء والقيم عندما تصبح  المصلحة الشخصية اقوى من الرسالة الأخلاقية التي تحملها .

ختامآ , يتوضح مما اسلفنا , ان النقد المضمر في السينما العالمية  , اظهر ان الفرق الذي ارادت  ان تظهره السينما  بين  البطل الفرد والنخب السياسية في النموذجين اعلاه  , هو فرق بين الضمير الحي والضمير المباع  , ولكن كلاهما يحمل شعارات  ” السيادة , العدالة , الكرامة ” , ولكن بالحقيقة ان احدهما يقاتل من اجلهاكرسالة , اما الآخر فيستخدمها كقناع لمنافع شخصية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات