بمناسبة صدور هذا الكتاب المهم، والذي يعد خطوة جريئة نحو استكشاف قراءات في “التاريخ العراق والشرق الاوسط” بروح متجددة وإرادة عميقة، حيث يفتح نوافذ الفكر على زوايا الماضي غير التقليدية، ويرسم بها الكاتب المبجل صورة أدبية وتاريخية تمزج بين الواقع والخيال بلمسات إبداعية. الغوص في هذا الكتاب والتأمل في صفحاته هو أكثر من مجرد قراءة؛ إنه رحلة إلى عالم التحليل العميق والرؤية الثاقبة التي تُبرز الأحداث التي شكّلت وغيرت وجه الشرق الأوسط.
أود أن أبارك للأستاذ الكاتب المبجل حسن السعيد على هذا المنجز الغني، الذي يُضيء زوايا مهمة في التاريخ ويطرح أفكاراً جديدة بأسلوب مشوّق يعكس فهماً واسعاً ورؤية ثاقبة. مثل هذا الطرح الأدبي والتاريخي يُمثّل إضافة قيّمة لمكتبة الفكر العربي ويستحق أن يُحتفى به كإصدار ثري يعزز المعرفة والخيال، مصدراً من مصادر التاريخ في الشرق الاوسط.
ا. غالب الحبكي / مدينة الكوت
22/4/2025 – يوم الثلاثاء
عزيزي الأستاذ الكاتب المخضرم والآستاذ “حسن السعيد” المبجل.
أود أن أعبر عن امتناني لاهتمامك الكبير لما كتبته حول موضوع “المس بيل”، وإدراجك لرأينا في كتابك الموسوم “المس بيل؛ رماد الشرق المستباح” في الصفحة (14) من الطبعة الأولى، وفي الصفحة (7) من الطبعة الثانية، إن وجود أسمي، و أفكاري بين ومن ضمن هذا العمل والجهد الكبير ، هو شرف كبير لي ولعائلتي، وأقدر اهتمامك بهذا الطرح العميق.
إن البحث في التاريخ، هو رحلة الى عمق أسرار الماضي، ومحاولة لكشف ولاستخراج الحقائق المدفونة وإعادة النظر في الشخصيات التاريخية، وهو أمر بالغ الأهمية لفهم الأحداث بشكل دقيق ومفصل، لقد سلطت الضوء في مقالي تحت عنوان “المس بيل: الهيكل السري للمخابرات المركزية البريطانية في الشرق الأوسط” والذي نشر على موقع شبكة مصر في 30 أبريل 2022 و 2024 حيث ركزت على نقطتين جوهريتين وهما :
الآمر الاول:- عدم كتابة “المس بيل” لمذكراتها رغم مكانتها البارزة في الشرق الأوسط، وهو ما يثير التساؤلات حول الأسباب المحتملة وراء ذلك.
الامر الثاني:- هو عدم زواجها، وهو ما يفتح باب التأويلات حول العوامل التي حالت دون ذلك، سواء كانت ضغـوطــاً سياسية أو اجتماعية أو غير ذلك.
إن إشارتك لنا ونقل ماطرحنا من الرأي في كتابكم حرصاً وأمانتاً وأخلاص في النقل، والتوثيق الدقيق للمصدر يعكس الرؤية العلمية على تقديم الحقيقة متكاملة حول المسألة والطرح ، وهو ما أقدّره كثيراً ، ان إعادة نشر الأفكار في سياقات أوسع يسهم في إبراز قضايا تاريخية لم تناقش بشكل كافٍ في الماضي.
أود أن أؤكـــد أن هذه الفرضيات تحتاج الى المزيد من البحث والتدقيق التاريخي، مما يمكننا افتراض أن هناك دوافع سياسية وراء منع “المس بيل” من توثيق مذكراتها أو الزواج، فنحتمل الجزم من دون وجود الإدلة، او نحكم بخلافها.
إن تناول هذه القضية التاريخية المعقدة في كتابك يفتح المجال أمام المزيد من البحث الأكاديمي والتاريخي حول هذا الموضوع الجدلي، وأتمنى أن يكون عملك إضافة نوعية لفهم التاريخ السياسي والاستخباراتي في المنطقة.
الامر الثالث :- في مقالا أخر نشر في موقع “مجلة “أضواء الفكر” للثقافة والفنون، و التي بأدارة وأشراف على تحريرها الاديب الأستاذ حسين الشندي، مشكوراً، تناولت فيه شخصية “المس بيل” وأشرت إلى أنها ووصفت بأنها امرأة غربية شجاعة تعلمت من عرب الصحراء مالم تتعلمه في جامعات أوربا مما جعلها غربية الأصل، و عربية الهوى، جريئة وقوية صبورة ، عجنتها الصحراء وخبزتها حرارة شمس العرب الحارقة، فتعلمت تقاليدهم وورثت منهم كل شيء حسن.
وقد قرات عنها أنها أهانت “توماس إدوارد”، المعروف بـ”لورنس العرب”، في إحدى تلك الحفلات بعد أن طلب منها أن ترقص معه ، فرفضته وأهانته، ووصفته بأسلوب بــ”مخنث” ، وهو تعبيراً يحمل في طياته دلالات بعيدة وتفسيرات متعددة.
يعرض لنا التاريخ صورة أخرى ، لذا فأن الموقف هذا الذي حدث لهذا الاخير “لورنس” مشابهاً لنفس الموقف لما وقع فيه الجاسوس البريطاني “هنفر” و الذي ادعــى في إحدى رسائله أنه تعرض للاعتداء والتحرش، من قبل أحدهم ، وعندما بعث بتقرير الى رؤسائه في دائرة المخابرات البريطانية في لندن طالباً المشورة منهم ، أخيراً جاءه الرد بعبارة واضحة: أن “مكنه مما يريد ” يصف “هنفر” هذه اللحظة في كتابه “مذكرات هنفر” بقوله: بأنه اصيب بالصدمه و”دارت بي الأرض” وقلت : ألا يستحوا هؤلاء من أنفسم مما يقولون؟”
لكنه في النهاية استسلم لما طلب منه، مبرراً ذلك بأن “كل شيء مباح في سبيل خدمة مصالح بريطانيا العظمى واستراتيجياتها المستقبلية”.
بالعودة الى محور الحديث، فإن “المس بيل” لم تكن شخصية عادية، ولم يكن تصرفها اتجاه “لورنس” مجرد لحظة غضب وحماقة أو انتقاد شخصي ، بل كان نابعاً من إدراك عميق و معرفة جيدة، وإلا ، فلماذا تهين شخصية كان لها دوراً بارزاً في رسم سياسات بريطانيا و إسقاط خصمها اللدود إمبراطورية الشرق الدولة العثمانية؟
تبقى “المس بيل” شخصية غامضة، ولازلت أقول واعتقد أن نفيها بعيداً عن بلادها كان جزءاً من استراتيجية المخابرات الملكية البريطانية لطمس هويتها، وجودها، ومنعها من الوصول، ومنع الوصول إليها من خلال دوائر التأثير الإعلامي والفكري، مما أدى إلى دفنها فكرياً قبل أن تدفن جسدياً في مقبرة بغداد.