من عجائب هذا الزمان أن رفوف البيوت ازدحمت بالكتب،بينما غابت القراءة عن العقول!
نبتاع الكتاب بشغف، نلتقط صورة لغلافه، نتباهى باقتباساته، ثم نتركه وحيدًا ينام تحت طبقات الغبار، وكأن اقترابه من أيدينا قد أغنانا عن مساسه بعقولنا!
ما الذي يحدث حقًا؟
ولماذا يستهوي البعض اقتناء المعرفة دون الغوص في أعماقها؟
يقول المتخصصون في علم النفس، أنّ هذا الموضوع
يُعرف هذا السلوك بـ”الرضا الزائف”؛ حين يشعر المرء بأن مجرد الاقتراب من الهدف يُعادل بلوغه.
فشراء كتاب في الفلسفة أو تطوير الذات، يمنح إحساساً خادعاً بالثقافة، حتى لو ظلّت صفحاته الأولى طيّ النسيان.
وتتجلى هذه الظاهرة فيما يُسمى “تزييف الثقافة”؛ أن تتلبّس مظاهر الاهتمام دون أن تلامس جوهره، وأن تُظهر حب المعرفة دون أن تذوق طعمها.
وهنا تُطلّ علينا التربية الفكرية، لتطرح سؤالاً جوهرياً: هل نقرأ لنرتقي، أم لنُقنع أنفسنا أننا ارتقينا؟
إنّ النضج لا يُقاس بعدد الكتب المُقتناة، بل بعدد الأفكار التي تُثمر منها، والسلوك الذي يُنبت فيها. فكما لا تُبنى العضلات بعضوية معلقة على جدار نادٍ رياضي، لا تُبنى العقول بكتاب مرصوص على رفٍ أنيق.
فما أجمل أن نُعيد تعريف علاقتنا بالكتاب؛ لا بوصفه تحفة للعرض، بل رفيقاً في درب الوعي، نبني به عقولنا، ونغذّي أرواحنا، ونسمو بأفكارنا.