العراق وسراب التغيير المنتظر

العراق وسراب التغيير المنتظر

يبدو أن أحلام الباحثين عن تغيير المنظومة السياسية في العراق باتت اليوم على شفا التبدّد، كيف لا والمفاوض الأمريكي أخيراً جلس قبالة المفاوض الإيراني بعد أن كان الحديث طيلة المرحلة السابقة عن البارجات الحربية الأمريكية التي بدأت تتحرك تجاه المياه في الشرق الأوسط.

وحلّ محل البيانات الأمريكية المتشدّدة إزاء طهران والمهددة -ولو تلمحاً- بفعل عسكري أمريكي بالضد من النظام السياسي الإيراني تصريحات تتكلم عن تقدم إيجابي في المفاوضات المباشرة بين الطرفين ووعود بإستمرار العملية التفاوضية.

هذا التحوّل في المواقف أوجد حالة من الإحباط لدى أولئك الباحثين عن تغيير المنظومة السياسية في العراق، والذين كانوا طوال الحملة الانتخابية للرئيس ترامب وما بعد تسنمه لمهام كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية يروجون للتغيير الشامل للمنظومة التي حكمت العراق منذ العام 2003 ولا زالت تسيطر على المشهد السياسي بكليّته.

حلم التغيير الذي لطالما داعب خيالات العراقيين في كل زمان ومكان لم يكن لينتهي نهايةً وردية على الإطلاق في كل المرات، فالدولة العثمانية كانت نهايتها على يد الاحتلال البريطاني الذي أسّس النظام الملكي في العراق والملكية انتهت لعصر جمهوري أسّس على الدم ليبدأ العراق عصراً من الصراع بين القومين والشيوعيين والبعثيين بجولات انقلابية أشبه بجولات المصارعة الحرة.

وفي كل مرحلة كان هناك نهراً من الدم يراق لتبدأ معها آمال التغيير المنتظر التي تنتهي لمرحلة أكثر دموية من الأخرى، ولكل مرحلة كان لها جمهورها الفرح بها غير أنها لم تكن تنتهي لما يحمد ويذكر.

وكانت النهاية بالاحتلال الأمريكي للعراق الذي حمل معه جمهوره طموحات بتحوّل الحال لأحسن حال، لكن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق.. فحلم العراق الديمقراطي تحوّل لكابوس لم تتضح ملامحه إلى الآن..

فحرب الاحتلال سلمتنا لحرب طائفية ثم اقتحام تنظيم داعش الإرهابي لثلاث محافظات عراقية واحتلاله إياها لأكثر من ثلاث سنوات لم يشفَ العراق من تبعاتها إلى الآن.

طموحات التغيير التي تداعب خيالات العراقيين -كلٌ حسب إنتماءه وتوجهه – لم تنتهِ في أيٍ منها للنتيجة المرجوة على الإطلاق، بل إنها عادت بأسوأ مما كان عليه الأمر فيما سبق والسبب في ذلك وكما أزعم أن عمليات التغيير تلك لم تنطلق من رؤى وطنية ترعى مصالح الشعب العراقي على تنوعه، هذا أولاً..

وثانياً أن جل عمليات التغيير تلك كانت تتم وفق خطط أجنبية تحاول بعض مكونات الشعب الطامحة للتغيير لمواكبتها والاستفادة من تحركها السياسي والعسكري، وبالتالي تكون النهاية بمشروع تغيير أجنبي الملامح والهوية بالمجمل..

عليه، فإن البحث عن تغيير الواقع العراقي عبر بوابة الولايات المتحدة الأمريكية الترامبية -وإن حصل وهذا ما استبعده- لن يكون أفضل حالاً مما كان عليه الأمر في مرحلة بوش الأبن، وإنما قد يعود بنا الأمر لعقود زمنية أكثر سوءاً لنعيد معايشة المشاهد السيئة التي غادرناها قريباً، إذ سيكون علينا أن نعيش مخطط دونالد ترامب للمنطقة وعملية تطبيقه لرؤاه على مستوى التوجهات السياسية الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.

والخلاصة هنا.. أننا في العراق بنا حاجة لإعادة تأسيس عقدنا الاجتماعي بما يعيد رسم العلاقة بين مكونات الشعب ويحدّد الأولويات ويعيد تعريف الدولة العراقية وهويتها بمشاركة جميع الأطياف والمكونات بدلاً من محاولة البحث عن يد التغيير الخارجي التي لم ولن تضع العراق وشعبه ضمن أولوياتها.