العراق في قبضة السعار الطائفي.. فماذا أنتم فاعلون !؟.

العراق في قبضة السعار الطائفي.. فماذا أنتم فاعلون !؟.

فيما تشهد المنطقة تحولات جذرية في موازين القوى إقليمياً ودولياً، ينشغل العراق بحمى طائفية متجددة، يراد لها أن تأكل ما تبقى من نسيجه الوطني. حملة طائفية مسعورة، يقودها سياسيون وبرلمانيون وإعلاميون ومدونون منخرطون تحت عباءة الأحزاب الحاكمة، تندرج – للأسف – في سياق حملة انتخابية مبكرة، تحاول من خلالها قوى السلطة المنهارة ترميم ما تبقى من جمهورها المتآكل عبر العزف على وتر الغرائز المذهبية، واستدعاء خطاب الانقسام والتخندق الطائفي.

المفارقة أن الحملات الانتخابية عادةً تُبنى على ما تحقّق من إنجازات؛ ولكن في العراق الأمر مختلف، حيث غابت الإنجازات، وحضرت بدلاً عنها أساليب التسقيط السياسي، عبر تسريب تسجيلات صوتية تارة، واستدعاء الخطاب التحريضي الطائفي تارة أخرى، ليتم استثماره لتوجيه أصوات الناخبين لاحقاً نحو مصالح حزبية ضيقة، وليس من أجل خدمة الشعب، في مشهد يعكس خواء المشروع السياسي، وعمق الأزمة التي تمر بها المنظومة الحاكمة.

وسبق لذات الجهات أن استخدمت الخطاب الطائفي تجاه سوريا؛ بذريعة رفض حضور الرئيس السوري “أحمد الشرع” إلى القمة العربية في بغداد الشهر المقبل، فقط لأنه كسر مشروع “الهلال الإيراني”، الذي بدأ يتهاوى شيئاً فشيئاً، بفعل التحولات الجيوسياسية، ونتيجة الرفض الشعبي له في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

ولا بد من تذكير هذا “النفر الضال” بأن العراقيين قالوا كلمتهم في أكثر من مناسبة، من خلال مقاطعتهم شبه الكاملة للانتخابات الأخيرة، وفي انتفاضة تشرين 2019، حين خرجت جموع الشباب تهتف “نريد وطن”، كاشفة حجم الهوّة بين الشارع ومنظومة الحكم، ورافضة سياسات المحاصصة الطائفية التي أنتجت الفساد والخراب، وأسقطت هيبة “الدولة”، وعطّلت الخدمات، ودمّرت الاقتصاد، وحوّلت البلاد إلى ساحة مفتوحة للتدخلات الإقليمية.

في مقابل هذا السعار، تحاول مبادرات كـ”عراقيون” أن ترفع راية الهوية الوطنية، معبرة عن صوت الضمير العراقي، لإيمانها بأن الحرية، والمدنية، والتعددية، والشفافية، وكرامة الإنسان، ركائز أساسية لبناء دولة رصينة ومجتمع قويّ، بعد ما آلت إليه أوضاع البلاد، نتيجة السياسات العشوائية والمواقف الارتجالية والمصالح الفئوية للقوى السياسية جميعها، وفي ظل الأخطار الناجمة عن تعاظم ظواهر سلبية قد تقرب البلاد من حافة الهاوية، بسبب سيطرة قوى مسلحة على مفاصل “الدولة”، وتفشي الفساد بشكل غير مسبوق وانعدام الحريات وتهميش الإرادة الشعبية على مدى أكثر من عقدين.
في ظل هذه السياسات، المتمثلة بالخطاب الطائفي المستعر، واستخدام الترهيب لبث الفرقة وتوسيع الشروخ المجتمعية لن تقوم للعراق قائمة، لأن الأوطان لا تُبنى بالخطاب الطائفي ولا بحملات الكراهية، بل برجال دولة يحملون رؤية ومسؤولية، لا وكلاء ينفذون أجندات الغير. العراق لا يحتاج بندقية للإيجار تقتل باسمه، بل نهجاً يعيد له الحياة والكرامة والسيادة.
هو بحاجة لمشروع بناء، لا لمشروع هدم.
هو بحاجة لاستعادة مكانته التاريخية، لا لمزيد من التبعية والتقوقع.
هو بحاجة لوحدة صف وطني، لا انقسام مجتمعي يمزق نسيجه.
هو بحاجة إلى لحظة وعي فكري مختلف، لا اجترار حوادث تاريخية مزعومة، مضى عليها أكثر من 1400 عام لإسقاطها على الحاضر.
لقد آن الأوان لإعادة بناء البلد على أسس سليمة، عبر مراجعة الحقبة الحالية المضلمة وعدم التهرّب من مآلاتها الوخيمة، بعيداً عن وهم الطائفة وفوضى السلاح وخطاب الكراهية، فالعراق لا يفتقر إلى الإمكانات، بل إلى الإرادة السياسية والإدارة الحكيمة والنزيهة.
ولكي ننتشل وطننا المُثخن بالجراح من هذا المستنقع، لا بد من تبني حزمة من الحلول الجذرية التي تمثل الحد الأدنى من شروط الاستقرار، وهي:
1. تطبيق قانون الأحزاب السياسية، الذي ينص صراحة على عدم السماح لأي حزب أو جماعة بالمشاركة في الانتخابات ما لم يتم التخلي عن السلاح بصورة كاملة ونهائية.
2. ترسيخ الحريات العامة وضمان حمايتها وفق ما نص عليه الدستور، وعدم استخدام السلطة لتكميم الأفواه أو قمع الرأي الآخر.
3. تبني مبدأ التداول السلمي للسلطة كخيار وحيد، بعيداً عن العنف أو الاستقواء بالخارج أو التلويح بالقوة لتحقيق مكاسب سياسية، أو لفرض إرادات.
4. تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال سياسات اقتصادية واقعية تضمن توزيعاً عادلاً للثروات، وتأمين سبل العيش الكريم للأجيال الحالية والمقبلة.
5. حل الجماعات المسلحة كافة ونزع سلاحها، مع حصر السلاح بيد “الدولة” فقط، لضمان السلم الأهلي والاستقرار الداخلي.
6. محاسبة كل من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين أو تورطوا في نهب المال العام، وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب.
7. تفعيل مؤسسات الرقابة وتكريس استقلالية القضاء، لتكون سلطة حقيقية بوجه الفساد والتجاوزات.

8. اعتماد مبدأ المواطنة الكاملة كأساس لإدارة البلد، بعيداً عن المحاصصة والانتماءات الضيقة، بما يعيد ثقة المواطن بالمؤسسات ويعزز الانتماء الوطني.

إن تحقيق هذه المتطلبات ليس بالأمر المستحيل، لكنه يتطلب إرادة ووعياً شعبياً، يبدأ من تغيير هذه الشخوص البائسة، ولا ينتهي إلا بترسيخ العادلة التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون.
العراق لا يحتاج لمن يرفع السلاح باسمه، بل من يرفعه بعلمه، بعقله، وضميره. لا يحتاج إلى من يقتات على طوائفه، بل من يوحد صفوفه. فهل نكون على قدر هذه المسؤولية ؟.. أم نسمح لهم بأن يسرقوا ما تبقى من وطن ؟.
القرار بيدك

أحدث المقالات

أحدث المقالات