14 ديسمبر، 2024 11:40 م

السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات الأعزاء

السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات الأعزاء

نلتقي اليوم مرة أخري مع الأخ والصديق الأعلامي والكاتب والروائي الأستاذ/ رابح الفيلالي المتميز ليس فقط بتألقه في عالم الأعلام والصحافة حيث عمل في عدة محطات أخبارية عربية ودولية وآخرها في قناة الحرة كمراسل لها في واشنطن وكذلك في الأدب وكتابة القصة والرواية وله منها لحد الآن سبعة أعمال وهي: 1. أمرأة فوق العادة 2. رصاصة واحدة تكفي 3. وعد الياسمين 4. وتحت الطبع مالم تقله الكاميرا 5. وقريبآ وردة واحدة تكفي 6. حكاية وداع 7. وأخيرآ وليس آخرآ رواية العلبة. بل هو من الصفوة في الأدب والخلق والوفاء والأستقرار والهدوء ورقة الطباع ورهافة الأحساس وصدق المشاعر ونبل القيم وهو أبن لعائلة مجاهدة بطلة من أبطال التحرير الجزائري, وقد رضع هذه القيم من هكذا عائلة بنبلها وعطائها ووطنيتها وتضحياتها فكان بحق الأبن البار لها ولمبادئهم الخلاقة.
نلتقي من جديد وقد كانت لنا معه أمسيات سابقة منها باكورة رواياته رصاصة واحدة تكفي, و محاضرة حول تجربته بين الصحافة والرواية وكذلك روايته وعد الياسمين التي حملت آمال الربيع العربي بتونس نموذجآ بآمال وتطلعات الشباب العربي من المحيط الي الخليج والطامحين الي التغيير لمستقبل أفضل, واليوم بعد كل هذه السنوات وما آل اليه هذا الربيع وتحوله الي شتاء قارص نتيجة أحتواء وأمتصاص هذه الموجه ومن ثم سرقتها من قبل الأنظمة أو من يقف خلفها وتوجيهها الي الأتجاه الخاطئ في حرف مسار وأهداف هذا الربيع…. فعندما نستعرض بشكل سريع حلم الأمة العربية وطليعتها المثقفة والشابة في خوض تجربة الربيع العربي فنراها متباينة حسب الجغرافية ومستوى الوعي الجماهيري وبشاعة أنظمة الحكم والتشوه العقائدي الذي وصلت اليه وخصوصآ الجيوش التابعة لها وكذلك مدى تأثير القوى الكبرى والأقليمية والنفطية المنفذة لهذه الأجندة ومصالحها ومدى صلابة ووعي الجماهير العربية وأرادتها ومناعتها أو مدى تلوث الأحزاب التقليدية وقيادتها ورقصها على أغتنام الفرص على حساب شعوبها وجمهورها. فنرى مثلآ النجاح النسبي في تونس والعراق ومصر في البداية فقط ولكن سرعان ما سقطت أسيرة الفهم الخاطئ للديمقراطية وممارستها حيث تتسابق الأحزاب من خلال المحاصصة على نهش أكبر قطعة من حلوى الأمتيازات والمكاسب مهملتآ المواطن وحقوقه وأفتراسه من قبل مافيات الفساد وأذنابه عبر أبتزازها للمواطن وأرهاقه وتهميشه بالأذلال والرشوة كي ينال أبسط حقوقه ناهيك عن تقديم أي خدمات أساسية له سواء خدمية أو صحية … وغيرها. أو أفشال وسرقة حلمه بالربيع عبر التدخل المباشر والقبيح من قبل قوى خارجية ونفطية كما حدث في البحرين واليمن وبالرغم من سلميتها بأمتياز. أو سقوط التجربة في ليبيا وسوريا عبر سقوط المعارضة في مستنقع العنف والأرهاب وأرتزاق قياداتها في بيع شعوبهم وأوطانهم بأبخس الأثمان فكان نتيجتها دمار الأوطان والمجتمعات. واليوم نحن أمام صفحة جديدة من الربيع العربي وأرادة الشعوب العربية كما في الجزائر والسودان .. وفي الوقت الذي نفخر ونحي شعبنا في الجزائر على الرقي في تجربته جماهيرآ وجيشآ بالتعامل والتعاطي الحضاري في عملية التغيير نحو مستقبل أفضل والذي سجل ظاهرة من الرقي لكل الأطراف لعدم وقوعهم في فخ القوى الخارجية والنفطية وجعلهم مصلحة الوطن والشعب أولآ وهذا ما سوف يحدثنا عنه الأستاذ رابح العائد من الجزائر حديثآ عبر رحلة عمل أعلامية هناك الأ أن ما يحزننا في تجربة شعبنا في السودان الذي يعاني الأمرين من تكالب القوى الشريرة حوله لسرقة ربيعه وأمله في حياة أفضل لأبقائه تحت الأسر فريسة للظلم والأبتزاز وسرقة خيراته وعلى الرغم من سلمية الحراك والمعارضة ورقيها الأ أن قوى الشر والحلف الغير مقدس ما بين دول الخارج والنفط ومافيات الجيش الذي أستخدم أقذر وأخس الممارسات بحق شعبه وأهله من قتل وأغتصاب وأرهاب. ولا يزال يناور مع الأحزاب التقليدية في لعبة قذرة ومكشوفة في تقاسم الأدوار على حساب كرامة الشعب السوداني وأمله في مستقبل أفضل .. وكلنا أمل كي ينال هذا الشعب الكريم كل حقوقه وكرامته .. وأن يستفيدوا من التجربة الجزائرية لتجاوز ما يحاك ضدهم.
والآن لابد من مواجهة الحقيقة وطرح السؤال لماذا وما هي أسباب وصول الوضع المأساوي الذي تمر به الأمة العربية وأنهيارها على مختلف الأصعدة سياسيآ وعسكريآ و أقتصاديآ و أجتماعيآ و معرفيآ و أنسانيآ و أخلاقيآ وقيميآ ….. وبالرغم من وجود حالات فردية متميزة نفتخر ونعتز بها في كافة المجالات والأصعدة السابقة الآ أنها لا تتناسب قطعآ مع حجم الأمة العربية بعدد نفوسها 400 مليون وموقعها الجغرافي المتمّيز وعمق تاريخها في الحضارات القديمة في وادي الرافدين والفراعنة ومرورآ بالعصور المجيدة للحضارة الأسلامية ومنها فترة المأمون.. أضافة الي مايتوفر في الأرض العربية من العديد من الأنهار والينابيع للمياه العذبة والأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة والتي لم تستثمر بعد والسودان نموذجآ وكذلك من موارد طبيعية وهي الأغني في العالم من نفط وغاز وفوسفات ويورانيوم وذهب وغيرها .. الا أن هذه النسبة المتميزة متواضعة بعددهم وجهودهم الفردية وبدون دعم من دولهم والتي من المؤسف أيضآ بأننا أقل الأمم تخصيصآ للبحث العلمي والذي لا يتجاوز 2% من أجمالي الدخل القومي لكافة الدول العربية مجتمعة في حين نجد دولة مثل أسرائيل هي الأعلى في العالم بما تخصصه للبحث العلمي وبحدود 5% من أجمالي دخلها القومي .. فالوطن العربي والمواطن يومآ بعد آخر في انحسار وتدهور… ولم يبقى مرضآ فتاك الأ وسجل فيه.. في حين كل القوى الكبرى تغترف منه ألوف المليارات $ وهو الأقل تنمية في العالم وأبن الشعب العربي عاطلآ ويبحث عن لقمة العيش له ولعائلته ويسعى للهروب منه واللجؤ الى أمم الأرض .. فأصبح بالتالي الأقل أنتاجآ من المغرب حتى المشرق عبر عشرين بلدآ ونرى هذا الجسد ملئ بكل الأمراض الصحية والأجتماعية والسياسية والثقافية والطائفية والعرقية والقبلية والمناطقية.. ولكن أهمها ما وصل الي القيم الأخلاقية. وأذا وجد الطبيب لهذه الأمراض المستوطنة بالوطن فهو في سباق مع الزمن .. فهل يمكن أنقاذه؟ أم يفوز الطرف الآخر الذى يتربص به حيث سوف لا يكتفي بموته بل بتقطيع أوصاله. وهذا الطبيب الحاذق يجب أن يدرس أسباب المرض قبل العلاج وماهي أولويات العلاج لهذا الكم الهائل من الأمراض وبمن يبدأ أولآ كلها مهمة ولكن الأهم والذي لا يحتمل التأجيل هو القيم الأخلاقية والأرهاب والتطرف والفساد السياسي والأجتماعي والأقتصادي.. وهنا لابد من الأجابة على السؤال لماذا نحن في هذا الوضع فهل يعود ذلك الي أننا أمة فاشلة جينيآ أم أننا مصابين بحزمة من الأمراض الخطيرة سببّت هذا الأنهيار, ولمعرفة ذلك لآبد أن نعرف أولآ أن هناك مقومات أساسية لبناء أي أمة وأين نحن منها اليوم كأفراد وشعوب, هذا السؤال الذي يجب أن يسأله كل فرد منّا الآن وكل يوم ما هي هذه القيم والمثل الأخلاقية التي يجب توفرها في كل فرد ومواطن لبناء المجتمع الناجح والتي تبنى عليها شخصية الفرد والذي هو نواة المجتمع وهي مكتسبة سواء بالفطرة أو من الوسط المحيط بالفرد أبتدءآ بالعائلة وتتوسع عن طريق الأعراف والتقاليد والعادات والقوانيين السائدة في البيئة المحيطة ومتوافقة مع الأيمان والضمير بالقيم والمثّل الأنسانية والفطرة السليمة وتترسخ من مصادر متعددة منها الجوهر الأيماني والديني والصلاح النفسي وهي واضحة من خلال التعامل اليومي بين الأفراد من خلال حزمة واسعة من القيم والأخلاق الحميدة. والتي لابد من تنميتها لأنها حجر الأساس لبناء المجتمع القوي المتماسك القادر علي تجاوز الصعوبات والأنطلاق نحو الرقي والذي لابد أن يبدأ مبكرآ من خلال الأجيال الجديدة وهم الأطفال منذ مراحلهم الأولى لأنهم قادة المستقبل وكذلك الكبار من خلال تنمية هذه القيم والمثّل لديهم عبر مجاهدة النفس والعواطف السلبية والغرائز والتي تعد من أخطر الأمراض المؤدية الي عدم العدل والجشع وعدم الشفافية وبالتالي الأنهيار الذي يهدد الأنسان والحياة عبر الحروب والكوارث. ونحن هنا لا نتحدث عن الحكومات وزبانيتها من وعاظ السلاطين وتجار الدين والأعلام بل ما يهمنا هو الغالبية العظمى من المجتمع وهم الأبرياء والبسطاء .. نتكلم عن الأنسان العربي الذي هو الضحية المباشرة أو الغير مباشرة ونراه مع الأسف يعوم ويسبح ضد التيار الذي يجب أن يكون لمصلحته بل أحيانآ يرقص على آلامه وجراحه. وهنا لابد من أن نسأل أنفسنا بأنه بالرغم من التركيز على الدين كمظاهر وشعائر فقط والتمسك بالفروع والقشور وأهمال الأصول ولكن ذلك لم يمنع الكثير من الموبقات ومنها الفساد بكافة أشكاله وعدم العدل حيث نرى أن الكثيرون ممن يتسابقون في بناء الجوامع ولكنهم لا يتسابقون في مساعدة الفقراء والمتسولين أمام هذه الجوامع أو عمل الخير بأشكال أخرى. رحم الله الشيخ الأزهري محمد عبدو عند سؤاله بعد عودته من فرنسا ماذا شاهد هناك فقال: وجدت هناك الأسلام ولم أجد مسلمين وهنا أجد مسلمون ولا أشاهد الأسلام. حيث أن الأسلام بالقيم الأخلاقية والشرائع والمثل وليس بالمظاهر والممارسات الصورية. ورحم الله العّلامة أبن خلدون مؤسس علم الأجتماع وقد كتب في مقدمته وقد أخترت منها بعض ما كتب… عندما تنهار الدول يكثر المنافقون .. والمتفقهون.. والمتسيسون والمداحون والهجائون والأنتهازيون وتنكشف الأقنعة ويضيع التقدير وسوء التدبير ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل ويسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف وتعم الأشاعة ويتحول الصديق الي عدو .. والعدو الي صديق ويعلو صوت الباطل ويخفق صوت الحق وتشح الأحلام ويموت الأمل وتزداد غربة العاقل ويصبح الأنتماء الي القبيلة أشد التصاقآ من الأوطان… ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء والمزايدات في الأنتماء الي العقيدة وأصول الدين ويتحول الوضع الي مشروعات مهاجرين ويتحول الوطن الي محطة سفر والبيوت الي ذكريات … رحمك الله يا أبن خلدون هل أنت بيننا الآن فكل ما يجري لنا اليوم وثقته منذ سبعة قرون مضت. وكما يقول عالم الأجتماع الدكتورعلي الوردي لو خّير العرب بين دولتين علمانية ودينية لصوتوا للدولة الدينية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية وكما نفعل اليوم. ومن كل ذلك نري أن هنالك حزمة من الأمراض المستوطنة والمعيقة لشفاء المواطن والمجتمع العربي والتي لا أمل بعلاجها الآ بضرورة التّحلي بالقيم الأخلاقية والمثّل الأنسانية ومنها الصدق والأمانة والشفافية ونقاء الضمير وعمل الخير وحب الآخر ومساعدة المحتاج والضعيف والأهتمام بالآخرين والأيمان بالعمل الصالح والعدل والعلم ومحاربة الجهل بكافة أنواعه البسيط والكامل والمركب والخطير والمكتسب وبالتالي فالجهل ليس فقط المقصود به عدم معرفة القراءة والكتابة حيث أنه ليس بالضرورة الجاهل من يفتقر الي الذكاء بل من أخطر أنواع الجهل هو من يمتلك الذكاء ويفتقر الي القّيم والمثّل والحكمة والعمل بها لأنه حتي الحيوانات تمتلك الذكاء وتستخدمه لأصطياد فرائسها بل هو عدم المعرفة بكل القيم والمثّل السابقة ومرد ذلك كله ناتج عن تغيب العقل والمقصود فيه هو المنطق العقلي المقترن بالخلق الرفيع وهو مرض ورثناه منذ أكثر من ألف وثلاثمائة سنة منذ تغليب مدرسة الجّبر المبنية علي ألغاء العقل على مدرسة القدرة والمبنية على ضرورة أستخدام العقل والذي وهبنا أياه الله ليس عبثآ أنما لحسن الأختيار ومن هنا نستطيع أن نخرج بمحصلة من عدة معادلات والتي بها يتم تغيير أو تدمير أي مجتمع وهي:
بتغييب العقل مع الفقر يؤدي الي الجريمة .
بتغييب العقل مع الثروة يؤدي الي الفساد.
بتغييب العقل مع الحرية يؤدي الي الفوضى.
بتغييب العقل مع السلطة بكافة أشكالها .. سلطة السياسة والمال والأعلام وكذلك سلطة تجار رجال الدين يؤدي الي الأستبداد والدكتاتورية وجنون العظمة.
بتغييب العقل مع فهم خاطئ لقيم الدين يؤدي الي التكفير والأرهاب.
وبتغييب العقل مع عدم العدل والظلم يؤدي الي العبودية بمفهومها الواسع بكافة أشكالها والأدمان عليها ومسخ آدمية الأنسان.

ومن هنا نرى أن العامل الرئيسي والمشترك في كل ما سبق لتدمير المجتمع هو بتغييب العقل وفي وجود العقل يتم العدل والتنوير بالعلم والثقافة والرخاء ويترسخ الأيمان بالقيم الأخلاقية والأنسانية وجوهرها وينعم الفرد بالعدل والحرية والكرامة الأنسانية وبالتالي نبني الفرد والمجتمع الصالح.
وفي الختام أترككم مع الأستاذ رابح الذي سوف يثرينا من خلال خبرته كصحفي وأعلامي أو بتجربته الأدبية كأديب وكاتب قصة ورواية والتي يعبّر بها عن أحاسيسه وتجربته في الحياة وتطلعه الي أفاق المستقبل لما آل اليه الفرد والمجتمع العربي وهو ما سوف نجده في رواية العلبة بمناقشتها لمشكلة الفساد والتطرف بالممارسات السياسية في العالم العربي وما خلف ذلك من تشوهات في القيم الأخلاقية والأجتماعية والأقتصادية والسياسية في تركيبة المجتمعات العربية على تباين واقعها الاقتصادي والسياسي. وسوف نجد فيها الكثير من الأسئلة والأجوبة لآخر صفحة من صفحات الربيع العربي والذي نشهده اليوم في الجزائر والسودان وآفاق حسم هذا الصراع بين الجماهير العربية وأرادتها من جهة والحكام وتأثير القوى العالمية والأقليمية ومصالحها على أرادة الشعوب العربية من جهة أخرى وآفاق الرؤى المستقبلية لهذا الصراع .وكيف أصطدمت هذه الآمال المشروعة والنبيلة مع عقبات سقطت فيها الكثير من الأحلام المشروعة مع سقوط الكثير من الأقنعة عبر هذه التجربة للسنوات العجاف السابقة والبائسة والتي مرت بنا ونحن نرى فيها دولآ كيف أنهارت ودولآ لا زالت لم تصحو من وقع الصدمة ودول لم تفقد الأمل بعد وهكذا مع هذه الحالة وتلك أين نحن وما سوف نصل اليه كل ذلك يعتمد علينا أولآ وأخيرآ كأفراد ومواطنين وبناة للمجتمع وما يفرزه ذلك وقبل أن نحمل مأسآتنا على الآخرين والذين هم ليسوا أبرياء أو ملائكة قطعآ بل من طبائع الأمور أن يتعاملوا معنا كيفما نكون.
وشكرآ