في كل يوم نشهد ولادة أزمة جديدة، تنبثق من فقرات فضفاضة ومواد دستورية غير محكمة و قابلة للتفسير والتأويل حتى أصبحت كأنها قنابل موقوتة تتماهى في الدستور العراقي.
فقد كتب هذا الدستور في ظل ضعف واضح في الدراسة والمعرفة لدى المشاركين في صياغته، الامر الذي ادى إلى تضمينه مواد وفقرات فضفاضة، خاصة تلك المتعلقة بالعلاقة بين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم.
وتتجدد الأصوات المؤيدة والمعارضة كلما نشب نزاع جديد بين الحكومتين، في ظل نظام فيدرالي مشوه لا يعكس النموذج العالمي للفيدرالية، بل جاء نتيجة تقليد شكلي بعيد عن الاسس الدقيقة التي تضمن الاستقرار والوضوح.
ما يحدث ويتكرر يمثل سابقة خطيرة .. ففي كل محاولة من الحكومة المركزية للاصلاح واستعادة هيبة الدولة، تبادر حكومة الإقليم إلى مواقف متشنجة ، تصدر بيانات تتهم فيها الدولة بعدم العدل وظلم سكان الاقليم، بهدف التأثير على القرارات المتعلقة بالثروات وتوزيعها وادارتها.
هذه الصراعات المستنزفة تدفعنا لطرح تساؤل جوهري: هل انتج النظام الفيدرالي “دولا داخل الدولة الواحدة” ؟ وان كان الجواب نعم، فان ذلك يتطلب اعادة النظر بشكل جذري في بنية الدستور، والعمل على تعديل أو اعادة كتابة المواد المفصلية، خاصة المادتين 111 و112، مع تحديد واضح وغير قابل للتأويل لاليات ادارة الثروات وتوزيعها والرقابة عليها.
ومن الضروري ايضا تضمين الدستور فقرة تمنع الاحتكار أو التعاقدات المنفردة خارج اشراف الدولة، وتحدد صلاحيات الاقاليم بدقة بما يحافظ على وحدة الدولة ويمنع تداخل السلطات.
كما تبرز الحاجة الى مراجعة النظام السياسي القائم، وطرح تساؤل اخر لا يقل أهمية: هل ما زال النظام البرلماني مناسباً للعراق؟ أم أن المرحلة تتطلب الانتقال الى نظام شبه رئاسي يعزز من تماسك الدولة واستقرارها؟
ولا بد من التأكيد ايضا على أهمية الغاء او اصلاح مواد المحاصصة والتوافق الطائفي والسياسي، التي تبقي الدولة رهينة الصفقات وتمنعها من بناء مؤسساتها القوية.
ومن هنا، تبرز أهمية تفعيل دور الرقابة الشعبية والقضائية، من خلال اصلاحات دستورية تعزز استقلال القضاء، وتمنح المواطن دورا أكبر في الرقابة على اداء السلطات.
أخيرا نأمل من اصحاب الفكر والعلم والحس الوطني ان ينظروا الى المواطن العراقي بانسانية وعدالة، دون تمييز قائم على القومية أو العرق أو الطائفة .. فالوطن لا ينهض الا بجميع أبنائه.