الحرب الروسية في أوكرانيا استنساخ أفغاني بصيغة أوروبية

الحرب الروسية في أوكرانيا استنساخ أفغاني بصيغة أوروبية

اندلعت الحرب الروسية في أوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022 لكنها لم تكن مفاجئة لمن يقرأ المشهد الجيوسياسي بعين استراتيجية بل كانت تتويجاً لتراكمات وصراعات مكتومة تمتد لعقود، تعكس صراع الإرادات بين روسيا الطامحة للعودة كقوة عظمى، والغرب الساعي لتحجيمها وإبقاء أوروبا بقوتها الأمنيه والاقتصادي.تُعد أوكرانيا في العقل الجيوسياسي الروسي جزءاً من فضائها التاريخي والديني والثقافي فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 سعت موسكو للحفاظ على نفوذها في دول الجوار، وكانت أوكرانيا في صدارة هذه الأولويات وشكّلت ثورة 2014، التي أطاحت بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، نقطة التحول الحاسمة، حيث بدأت كييف تنزاح بقوة نحو الغرب. جاء الرد الروسي سريعاً بضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين في إقليم دونباس في مؤشر واضح على أن موسكو لن تتهاون في الحفاظ على ما تعتبره مجالها الحيوي. أما الحديث المتزايد عن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو فقد اعتبرته روسيا تجاوزاً لخطوطها الحمراء وتهديداً مباشراً لأمنها القومي. كما أن فشل اتفاقيات مينسك وعدم التزام الغرب بمخرجاتها كانا من العوامل المغذية لقرار موسكو بالتدخل العسكري.في المقابل، تبنّت أوروبا موقفاً داعماً بقوة لأوكرانيا انطلاقاً من دوافع أمنية واستراتيجية. دول أوروبا الشرقية والوسطى ترى في روسيا تهديداً مباشراً لسيادتها خاصة في ظل تجربة القرم ودونباس، ولذلك فإن دعم كييف بالنسبة لها يُعد دفاعاً عن حدود أوروبا. كما وفرت الحرب فرصة لإحياء فكرة “الخطر الروسي”مما ساهم في تعزيز تماسك الاتحاد الأوروبي وشرعية حلف الناتو، وأتاح تبرير الزيادات في ميزانيات الدفاع تحت مظلة الدعم لأوكرانيا. من ناحية أخرى أدت الحرب إلى دفع أوروبا نحو التحرر من التبعية من خلال الطاقه لروسيا، خاصة في ما يتعلق بالغاز الطبيعي حيث منحها دعم أوكرانيا الوقت الكافي لإعادة هيكلة قطاع الطاقة ولا يمكن تجاهل تأثير الضغط الشعبي والإعلامي فقد ولّد المشهد الإنساني في أوكرانيا موجة تضامن واسعة دفعت الحكومات الأوروبية إلى تقديم دعم سياسي وعسكري واقتصادي غير مسبوق.

أما الولايات المتحدة فموقفها ينبع من مزيج من الأهداف الجيوسياسية والداخلية. هي لا تريد حرباً مفتوحة النهايات قد تفتح توترات غير محسوبة مع الصين أو تخلق جبهات إضافية، لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى فرض تسوية تحفظ توازن الردع من دون أن تسمح لروسيا بتحقيق نصر واضح فاستمرار الحرب يخدم الهيمنة الأمريكية على القرار الأوروبي، ويُضعف أي توجه نحو “الاستقلال الاستراتيجي” للقارة وضافت إلى ذلك، فإن الدعم الأمريكي السخي لكييف لم يكن مجانياً، بل صاحبه نفوذ اقتصادي وأمني مباشر في مفاصل الدولة الأوكرانية كما أن السياسة الخارجية تُستخدم دائماً كورقة انتخابية في الداخل الأمريكي، وتسريع إنهاء الحرب بشكل دبلوماسي يُعد إنجازاً يمكن استثماره في الحملات الانتخابية القادمة ويحسب لصالح ترامب وحزبه الجمهوري .من وجهة نظر أوروبية، فإن استمرار الحرب في أوكرانيا يُعد وسيلة مثالية لاستنزاف روسيا من دون الانخراط المباشر.في تكرار لتجربة أفغانستان السوفيتية فحرب طويلة الأمد تنهك موسكو داخلياً وتمنعها من استعراض قوتها خارجياً. وبما أن روسيا تسعى لاستعادة مكانتها كقوة عظمى في نظام متعدد الأقطاب فإن إطالة أمد الصراع يمنع تحقق هذا الطموح ويحافظ على تفوق النظام الليبرالي الغربي. كما أن الحرب تمثل فرصة نادرة لصناعات السلاح الأوروبية والأمريكية، التي تحقق أرباحاً ضخمة وتستخدم أوكرانيا كمختبر حي لاختبار الأسلحة والتكتيكات الحديثة. في الوقت ذاته فإن تورط روسيا في هذه الحرب يحدّ من قدرتها على التدخل في ملفات حساسة أخرى مثل جورجيا وأرمينيا ودول آسيا الوسطى.في المحصلة، فإن ما يجري في أوكرانيا ليس مجرد حرب تقليدية بحدود جغرافية واضحة بل هو صراع محوري على مستقبل النظام الدولي تحاول روسيا إعادة ترسيم حدود نفوذها، بينما يسعى الغرب إلى إجهاض هذا الطموح عبر استراتيجية استنزاف طويلة المدى. أوروبا تنظر إلى هذا الصراع كوسيلة لتحصين نفسها من التهديد الروسي فيما تسعى أمريكا للإبقاء على الجميع تحت مظلتها، حتى وإن كان الثمن هو دمار أوكرانيا وبعد انتهاء الحرب سوف يظهر نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وانهاء القطب الواحد مع ذلك ترى امريكا في نصر روسيا يخدم مصالحها في اوربا الضعيفه التي لايمكن ان تستغني عن القوة الامريكيه

أحدث المقالات

أحدث المقالات