في خطوةِ استباقية نجح فيها رئيسُ الوزراء العراقي السيد مُحمد شياع السوداني موافقة مجلس الوزراء بإعلانهِ الحادي عشر من تشرين الثاني “نوفمبر” لـــعام 2025 هو الموعد الرسمي لإجراء الانتخابات البرلمانية العراقية بالتنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بنسختها السادسة ، وجاء الاعلان متزامنا مع حراك سياسي تقوده كتلة دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي لتعديل فقرات القانون الانتخابي، الاّ ان السوداني استبق الحراك السياسي لقطع الطريق امام أي تعديل الهدف منه محاولة اقصائه او تحجيمه لمنعه من الوصول الى عتبة الولاية الثانية وممّا يَظهران ائتلاف ادارة الدولة قد وافق على تحديد الموعد في وقت التجاذبات السياسية ، وهو رسالة مُبطنة الى منع أي تعديل من شأنه يُغيّر قواعد اللعبة الانتخابية يستهدف القوائم الناشئة والمستقلين.
التـحديــات
تواجه الانتخابات العراقية مجموعة من التحديات تضَع الكتل السياسية والاحزاب الحاكمة في دوامة صراع سياسي على المستوى الاقليمي والمستوى الداخلي والذي عادة يبدأ من الخطاب الطائفي الى ملفات التهجير والتغييب والسلاح المنفلت ومحاربة الفساد من اجل اعادة الاصطفاف على اساس طائفي وقومي وشحن الشارع العراقي بالخصومة لتكون باعثا ودافعا على المشاركة كمصير محتوم يعتمد على صعود هذه الاحزاب مرة اخرى .
وعلى المستوى الاقليمي فإن المتغيرات في المنطقة تزيد من ضبابية المشهد العراقي وما تفرضه السياسات الخارجية على العراق بسبب تداخل المصالح ومساحة النفوذ الاقليمي في الداخل ففي ظل هذه الظروف المعقدة والتوترات العسكرية والاقتصادية في المنطقة ،وتشكيل استراتيجيات امنية واقتصادية تماشيا مع سياسة ترامب التي تتصف “بالضغوط القصوى” فإن العراق يقع تحت التأثير المباشر وفي حالة ارباك وقلق دائم .
اولا: العزوف والمقاطعة الشعبية
لم تكن ظاهرة العزوف الجماهيري عن الانتخابات ظاهرة وليدة فترة محددة ، وانما هي انطباع ونتيجة حتمية لهيمنة الجمهور على المنعطف السياسي والحياة السياسية بشكل عام ،وولادة حركة جماهيرية جذبت الناس لتكون بديلا للأمل والطموح الفردي المصاب بالخيبة ،والتحديات الجوهرية العميقة وانعدام الثقة بمخرجات العملية السياسية ونتائج الانتخابات واستمرار الازمات المتكررة ، كتأصيل الانقسامات في النظام السياسي وترسيخ الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية وتغذية الفساد المستشري وقوته في داخل المؤسسات السياسية ، المسؤولة عن صنع القرار ، والتدخلات الخارجية بشكل علني من خلال التأثير المباشر الذي يزيد حالة الانقسام وعدم الاستقرار وبذلك فإن الاداء السياسي (التشريعي والتنفيذي والقضائي) هو صورة عاكسة لسلوك الاحزاب والقوى السياسية الذي يتأثر به الناخب وينعكس على حياته الامنية والاقتصادية والاجتماعية حتى بلغت ذروة العزوف في الانتخابات المحلية الاخيرة الى مستويات مقلقلة من شأنها تهدد النظام السياسي برمته بمجرد الاعتماد على النسبة المئوية للمشاركة.
اما موضوعة المقاطعة الشعبية التي تعتبر احدى آليات التحكّم الانتخابي في الممارسات الديمقراطية للأنظمة الديمقراطية ولا يخفى على المتابع ان المؤسسات السياسية في العراق عادة ما تعمل على صياغة قواعد اللعبة وفق محيطها السياسي ووجودها كفاعل سياسي يتكيف مع اي مرحلة سياسية وفق المزاج السياسي للمحيط الدولي والاقليمي ، جاءت مقاطعة السيد مقتدى الصدر كزعامة دينية وشعبية وفق متبنيات اساسية وثوابت اخلاقية منها عدم جدوى مخرجات العملية السياسية بناء على قوانينها وتوافقها ،ان تكرار تأكيد المقاطعة وعدم مشاركة الصدر في الانتخابات اربكت الحسابات السياسية في العملية السياسية فمقاطعة الصدر تعتبر من اهم الادوات لإذابة شرعية السلطة للنظام الحاكم وهذا ما يخيف الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة لما يمتلك من تأثير شعبي جماهيري ومقبولية واسعة من كل اطياف المجتمع العراقي والنقطة الاهم التي تندرج ضمن هذا السياق ان المقاطعة تعتبر معارضة علنية للنظام بشكل ديمقراطي وهذا بطبيعة الحال يجعل كل مخرجات العملية السياسية للنظام تحت مطرقة الصدر ، غموض استراتيجية الصدر ادت لعجز وفشل كل المساعي لإعادته للمشهد السياسي في ظل منطقة اقليمية ساخنة تلقي بظلالها على الواقع العراقي نجاح المفاوضات الامريكية الايرانية او فشلها من جهة ، وشرعنة شرعية النظام السوري الجديد من جهة برعاية قطرية بظل تراجع الدور السعودي كفاعل اقليمي ، كل هذا له مدخلات عالوضع العراقي قد يربك المشهد بظل اي معارضة فعلية للصدر او توتر شعبي ، الصدر يحرك اوراقه حسب متبنيات وطنية ودينية ، وهذا ما يجعل صعوبة التلاقي بينه وبين الطبقة السياسية العراقية الحاكمة ستكون هناك انتخابات لكن ستكون نتائج متعثرة قد تؤدي لرسم خارطة عمل سياسي وترسيم نظام جديد محدث ومعدل حسب (الباترن الامريكي القطري ) المستقبل السياسي في العراق بظل هكذا محركات لن يكون هادئ لان مقاطعة الصدر لاتعني سكونه بظل اي فعل من النظام يمس بأمان العراق وشعبه .
ثانيا : تعديل القانون الانتخابي:
عادةً ما تأتي مقترحات التعديل للقوانين الانتخابية التي رافقت المسار السياسي في كل جولة انتخابية برلمانية من اجل ترميم أي تصدع او استهلاك للقوى السياسية المهيمنة على المشهد منذ عام 2003 ، عندما تستشعر القوى والكيانات السياسية فقدان شعبيتها او ترى التراجع في عدد المقاعد بسبب الفشل الاداري والسياسي ، فتبحث عن قانون آخر يضمن وجودها بشكل او آخر ، الى هذه الساعة هناك دعوات لتعديل القانون الانتخابي وهذه الدعوات يتبناها طرف سياسي منفردا بالمطالبة و تستبطن هذه التعديلات حسابات سياسية دون النظر الى الجانب الفني والتقني ، رغم ان السوداني وحلفاؤه قد تقدموا في خطوة مهمة وهي تحديد موعد الانتخابات فوجود صراعات مبكرة ومتقدمة بين جناحي المالكي والسوداني وتصاعد شعبية الاخير داخل مناطق ونفوذ دولة القانون ، على اثرها يخشى المالكي من بروز زعامات سياسية جديدة تخطف الاضواء السياسية وتجبره على الرجوع الى الوراء داخل الاطار التنسيقي، وكذلك الاجتهاد في اتخاذ خطوات فعلية من تقليل فرص السوداني للحصول على ولاية ثانية ، ولذلك يستهدف التعديل ايضا نسبة المقاعد المخصصة للفائزين بأعلى الاصوات مما يعزز فرصة للأحزاب الكبيرة وتقليل حظوظ المستقلين وعدم تكرار تجربة فوز المحافظين في الانتخابات المحلية الذين اكتسحوا غالبية الاصوات واصبحوا رقما اساسيا في المعادلة الانتخابية في مجالس المحافظات، وعودا على بدء ان هذا التحدي امام العملية الانتخابية مرهون بطبيعة التحالفات قبل الانتخابات وقناعة البرلمان بجدوى التعديل من عدمه مما ينذر بتصاعد الازمة ، فيما اذا رتب السوداني اوراقه السياسية على المستوى التشريعي والمستوى الاقليمي وحصوله على ضمانات داخلية من القوى القريبة منه برفض أي مقترح برلماني للتعديل للوصول الى التنافس الحقيقي لاستلام الولاية الثانية .