8 نوفمبر، 2024 10:47 ص
Search
Close this search box.

أنشاء الأقاليم هل ستحل مشاكل العراق؟

أنشاء الأقاليم هل ستحل مشاكل العراق؟

لا أكون مبالغا أذا قلت أن المشاكل والأزمات التي يعيشها العراق منذ عام 2003 ولحد الآن لم يسبق أن عاشتها أية دولة من دول العالم، ولن تعيشها أية دولة مستقبلا!، فمشاكل العراق ليس لها أول ولا آخر وهي متشعبة وكثيرة وعميقة ومخيفة بنفس الوقت!.
وتتنوع بين مشاكل خارجية أقليمية ودولية، وداخلية سياسية وأقتصادية وأمنية ومالية وأجتماعية وقومية وعشائرية ومذهبية وطائفية وخدمية و و و و، ناهيك عن أم المشاكل وأخطرها آلا وهي مشكلة الفساد الذي دمر العراق وأنهكه والذي خرجت من تحت عباءته كل المشاكل الأخرى وكل الأزمات.
المحزن في أمر مشاكل العراق أنها تزداد وتتراكم مع كل دورة أنتخابية برلمانية ومع كل حكومة جديدة تقود الحكم في البلاد!، ومن الطبيعي أن تداخلات هذه المشاكل وكثرتها وعمقها قتلت أي بصيص أمل لدى العراقيين ولا حتى في المستقبل البعيد من أن العراق يمكنه أن ينهض ويبني نفسه من جديد.
والغريب في أمر مشاكل العراق أنها من صنع ومن يد أبناءه!، فغالبية العراقيين العراقيين ومع الأسف صاروا معاول هدم للعراق بدل أن يكونوا يدا خيرة طيبة لأعادة بناءه وأعماره.
حيث أظهرت بواطن الأمور منذ عام 2003 ولحد الآن بأن موضوع الأنتماء للوطن هو موضوع شكلي وصوري يتكلم به الجميع أن كانوا سياسيين او أناس عاديين! والكلام عنه هو فقط يأتي من باب الأستهلاك الأعلامي والشخصي.
وبدل من أن تزرع روح المحبة والأخاء والأنتماء الحقيقي للوطن، عملت كل الحكومات التي قادت العراق من بعد 2003 على زرع الفرقة وتشتيت شمل المجتمع وقتل أية روح وطنية فيه،
وذلك من خلال سياسة التفريق والمحسوبية بين هذا وذاك، ناهيك عن ترسيخ مبدأ المحاصصة السياسية والطائفية والقومية الذي أرتضت أن تعمل به كل الأحزاب السياسية والحكومات والذي تحول من كونه آلية عمل سياسية الى فكر بغيض ترسخ في أذهان غالبية العراقيين.
وأذا كان رئيس النظام السابق قد وزع قسوته وجبروته بالعدل بين الجميع ولن تفلت منه محافظة غربية سنية ولا جنوبية شيعية وهنا لا بد من الأشارة ( أن محافظة ذي قار الجنوبية الشيعية تعيش أزمة خطيرة!، حيث عزف النشيد الوطني زمن النظام السابق أثناء حفل تخرج طلبة كلية الآداب/ جامعة ذي قار،كما وشوهد عدد من الطلبة وهم يرتدون الزي الزيتوني وقد وقفوا يؤدون التحية العسكرية أثناء عزف النشيد الوطني.!!!).
نعود الى موضوع مقالتنا، حيث أن كافة الحكومات التي جاءت من بعد سقوط النظام السابق وزعت هي الأخرى الخراب والدمار على جميع المحافظات بالعدل!، فجميع المحافظات يمكن أن نقول عنها محافظات منكوبة مدمرة ينخر بها الفساد نخرا.
ونتيجة لكثرة الظلم الذي لحق بالمحافظات بدأت تظهرالى الأعلام دعوات واضحة وبقوة من قبل بعض المحافظات الى ضرورة أنشاء أقاليم!، لعلها تكون حلا للظلم الذي تعاني منه، ولربما وجدت هذه المحافظات أن ذلك هو السبيل الوحيد لأعادة بناء نفسها من جديد دون الحاجة الى الحكومة المركزية وتدخلاتها موجهين أعينهم صوب كردستان وتجربتهم الفدرالية التي يرونها تجربة ناجحة! بالمقارنة مع بقية المحافظات الوسطى والجنوبية والغربية التي تعاني الأمرين في كل شيء.
ومن المفيد أن نذكر هنا أن (الفقرة 119 من الدستور نصت على أحقية أنشاء الأقليم أن كان في محافظة واحدة أو بين أكثر من محافظة).
ومن الطبيعي أن تكون محافظة البصرة من أكثر المحافظات المطالبة بأن تكون أقليما!، لكونها من أكثر المحافظات تضررا في كل شيء ولكون أهلها يرون بأنها لا تستحق أن تكون بهذه الصورة البائسة التي وصلت أليها والتي صارت حديث العالم وليس حديث العراقيين فحسب!،
لا سيما بعد أن غزاها تجار المخدرات وجعلوا منها مركزا لتصدير المخدرات والحشيش بكل أنواعه!.ناهيك عما يعاني أهلها من البطالة والفقر والجوع والحرمان والأمراض وتردي في الخدمات بشكل كبير أويكاد أن يكون معدوما! ( تقول آخر الأحصائيات بأن هناك أكثر من 40000 ألف أصابة بمرض السرطان فقط في المناطق شمال البصرة!؟)، الشيء المؤلم أن هذه المحافظة المنكوبة، هي مصدر معيشة العراق!، حيث أن 85% من النفط المصدر من العراق ياتي من هذه المحافظة المنكوبة!؟.
وعلى الرغم من المطلب الدستوري لأهالي البصرة الذين خرجوا بالألاف وبمئات السيارات رافعين علم أقليم البصرة المفترض ذي الألوان الثلاثة!، وهم يجوبون المحافظة مطالبين الحكومة والبرلمان بجعل البصرة أقليما ألا أن الحكومة المركزية لم توافق على مطلبهم!، حيث لا ترى الحكومة فيه أنه مطلبا وطنيا، بقدر ما تراه أنه يكرس الى الأنفصال بنهاية الأمر!. وينطبق على موقف الحكومة الرافض لأنشاء أقليم البصرة المثل الذي يقول ( لا يرحم ولا يخلي رحمة الله تنزل).
أن أهمال الحكومة المركزية والأحزاب السياسية التي تتشكل منها الحكومة المحلية في البصرة والتي جعلتها مرتعا لكل أنواع الفساد والجريمة، هو الذي دعى أهلها للتظاهر والمطالبة بأن تكون البصرة أقليما.
والسؤال هو: هل ستعاد العافية للبصرة وأهلها أذا اصبحت أقليما؟ وأذا أصبحت أقليما ترى من سيحكمها؟ أليست العبرة في كل الأمور هي بالحاكم الذي يدير شؤون البلاد؟ أن فسد فسدت الرعية، وأن صلح صلحت الرعية.
لا شك أن البصرة هي كما في بقية المحافظات كانت ضحية فساد الحكومات المحلية التي تناوبت عليها والمتكونة من الأحزاب السياسية الرئيسية القوية والنافذة والتي قادت البلاد من بعد الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 .
فمشكلة البصرة وبقية المحافظات الأخرى بل أن مشكلة العراق بشكل عام هو في فساد الطبقة السياسية الحاكمة والتي قادت البلاد منذ 2003 ولحد الان، ولم يعد هذا خافيا على أحد ، بل ان السياسيين انفسهم يعترفون بذلك!.
ونعود الى البصرة وأقليمها المنتظر! وما دام الأمر فيه شيئا من التمني والذي من الطبيعي سيرافقه شيئا من الخيال!، أقول في حال أنتهت الامور وتمت الموافقات البرلمانية والدستورية والقانونية على أنشاء اقليم البصرة، السؤال هو: من سيحكم هذا الأقليم؟
وعلى سبيل الفرض فهل سيحكمه رجل بقامة ونزاهة ووطنية (محمد مهاتير) الذي بنى ماليزيا من العدم مثلا؟ ام سنأتي بسياسيين من الدانمارك والنرويج والسويد وفنلندة والنمسا ليكونوا أعضاء في مجلس المحافظة؟!، فاذا كان الأمر كذلك، عند ذلك سنطمأن بأن البصرة ستنهض من جديد وخلال 3أو4 سنوات وستناطح السحاب، وستضاهي أكبر المدن الخليجية!.
ولكن ما دامت نفس هذه الوجوه السياسية التي تتحكم بمصير البصرة الآن والتي هي من أوصلتها الى هذا الحال البائس، فلن يكتب للبصرة أية خير حتى وأن أصبحت أقليما!!؟.
أن مشكلتنا ياسادتي الأفاضل تكمن بالشخصية السياسية العراقية أن كانت في بغداد أو في البصرة أو في الأنبار أو الموصل! والتي لا تمتلك الأرادة الوطنية في البناء والتطور والأعمار ولا ثقافة بناء الأنسان، حيث يفتقد غالبية سياسيينا ومسؤولينا الى أبسط قيم النزاهة والعدل، فهم يفهمون السلطة بأنها الجاه والمال والثروة والتسلط على رقاب الناس.
ومن وجهة نظري وقد يتفق معي في ذلك الكثيرون، أن أمر موضوع البصرة أن تكون أقليما هو ليس بيد مجلس المحافظة ولا بيد الحكومة المركزية ولا البرلمان حتى!!؟ وواهم من يتصورغيرذلك! لأن أمر العراق ومستقبله كله مرهون بيد الدول الأقليمية وبيد أمريكا والغرب!؟.
أخيرا نقول بأن الخلل كل الخلل هو في الشخصية السياسية العراقية حيث أظهرت تجربة ال (16) سنة التي مضت بأنها لم تكن على مستوى الطموح وعلى مستوى المسؤولية الوطنية، وستبقى البصرة وبقية المحافظات بما فيهم بغداد تأن تحت وطأة الفقر والجوع والمرض والتخلف والتراجع ما دامت الأحوال الأقليمية والدولية على حالها ومادامت تتحكم بها نفس الأحزاب والوجوه السياسية!.
ولا يغير الله ما بقوم حتى يغير ما بانفسهم.

أحدث المقالات