شاءتْ الظروفُ الحالية، وبتوفيقً منْ اللهِ – سبحانهُ وتعالى- أنْ أتواجدَ هذهِ الأيامِ الصيفية في مدينةِ برلين عاصمةَ ألمانيا الاتحادية. ففي أولِ لحظاتِ دخولي إلى مطارِ برلين- براندنبورغْ الدولي ، وجدتْ بشائرَ الخير، تستقبلني وتسهلُ دخولي، عكسا ما كنتُ أتوقعُ في الأخبارِ منْ محاربةِ الأجانبِ و. . . غيرها. كانَ ضابطُ الجوازاتِ في المطارِ مرحبا ومبتسما للجميع، ليسَ مثل؛ عبودْ صاحبنا- منْين جايْ وين راح- عندما يسلمكَ الجواز، وهوَ في مكتبهِ المخصصِ له، ينحني لكَ معَ الابتسامة،  بعدَ التأكدِ منْ صحة سمةِ الدخولِ القادمِ بهِا إلى ألمانيا.

  إنَ هذا التعاملِ الجميل يكون معَ جميعِ الوافدينَ إلى المطار، سواءً منْ الجنسِ الأفريقيِ أوْ الآسيوي، أوْ ما خلقَ الله- سبحانهُ وتعالى- منْ أجناسِ البشرية، فالكلُ سواسيةٌ في الدخولِ وحسب الدورِ المنظمِ لهم، دونُ ضربِ الدورِ( السرة) خلف المراجعين- أوْ مثلاً  ، كما في مطار دولةٍ الدومينيكان، لا سامحْ الله، يأتي منْ ظهرِ ضابطِ الجوازات- يدسهُ أوْ يعسه- بخاصرته، ليعطيهُ الجوازات، ويقولَ له : أختمُ هذهِ الجوازاتِالعائدة لفلانِ الفلانيِ بنْ فلانِ الفلانيِ بنْ شيخِ الفلانيِ بنْ السيدْ الفلاني. ففي نظر ضابط الجوازات الالماني،الجميعَ سواسية منْ أحفادِ أبناءِ نبينا آدمْ (ع ) ، لذلك؛ يطبقُ قولهُ تعالى على الجميع: (يا أيها الناس ،إنا خلقناكمْ منْ ذكرِ وأنثى وجعلناكمْ شعوبا وقبائلَ لتعارفوا، إنَ أكرمكمْ عندَ اللهِ أتقاكم) صدقَ اللهُ العظيم. سورةُ الحجرات: 13.

    بعدُ دخولكَ المدينة، تستقبلكَ شوارعها العريضة، وتستغربَ منْ عدمِ وجودِ ازدحامِ فيها، للسيارات الخاصة، بسبب توفر وسائلِ النقلِ العامةِ والقطاراتِ والمترو، وهيَ الأرخصُ والأفضلُ بعيدا الصرفَ والتبذيرَ أوْ البحثِ الطويلِ عنْ مكانٍ لركنِ سيارتكَ الخاصةِ.

    أما حدائقها، فهيَ مجسماتٌ هندسيةٌ، تتوزعُ على أحياءِ المدينة، بحيثُ تجدُ دائما – الهواءُ النقي- إذ، لا توجدُ أيةُ (كورةٍ ) لمعملِ طابقٍ قديم، يضخَ سمومهُ على العاصمةِ منْ جنوبها أوْ شرقها.

  عندما تذهبُ إلى مجمعاتِ المطاعم في أرجاء المدينة، من شارع العرب، والشارع التركي، والاكسندر ، ومجمع سوني وغيرها، وما أكثرها، بتنوعها لكلِ وجباتِ الطعامِ لكلِ شعوبِ العالمِ منْ شرقها لغربية، ومنْ جنوبها لشمالها، منْ الفولِ السوداني، إلى التشريبِ العراقي، إلى الكسكسْ المغربي، إلى البركرِ حلالهُ وحرامهُ الغربيُ والإسلامي، إلى المكبوسِ السعودي، إلى. . .! 

 لتجدُ مبتغاكَ بسهولة، وتتناولَ ما تشتيهُ عيناكَ قبلَ فمك. ثم، تتجولَ في منطقةِ المتاحفِ الشرقيةِ والغربيةِ لتتمتعَ بتاريخٍ البشرية، وأهمها بابُ عشتارْ العراقيَ الذي ينورُ أحد مداخلَ المتاحفِ الألمانية، بزخرفتهِ الذهبيةِ المطعمة، ويذكرك بتاريخَ وادي الرافدينْ الخالد.

      في المساءِ الجميل، ترتقي أحدَ القوارب النهريةِ الجميلة في وسطِ المدينةِ لتطوفَ بكَ عبر (نهرُ شبريه) الذي يتوسطُ المدينةَ ، لترى شوارعَ وأزقةِ وحدائق وحارات برلين الجميلةِ.

     في كلِ صباح، تجدَ العشراتِ منْ الشبابِ منْالزوار والسياحِ المحليينَ والأجانب، متوقفينَ أمامَ بوابةِ برلين الشهيرةِ ومدخلها الجميلِ– فيها تمثال الكوادريجا- لعربة تجرها أربع خيول، بنيت في العام 1788- لالتقاطِ بعض الصور التذكارية، ليتجولوا بعدَ ذلكَ في داخل المربعُ التاريخي الجميلُ الذي يضمُ أعرقَ الأبنيةِ التراثية، مزينا، بحدائق ومقاهي وأكشاك صغيرة تفتحُ النفسُ قبلَ القلب. ثم التوجه الى مجلس النواب الالماني ( البوندستاغ الألماني ) لتشاهد هذا المعلم ، برونقته وديكوراته وهندسته الجميلة ، وهنالك العشرات من الكنائس المنتشرة في جميع أحياء المدينة ولكل واحدة تاريخها الذي يحكي إنشائها.

     أما الحرية، التي يبحثُ عنها كلُ شبابِ العالم، فتجدها، تترسخَ هنا، فليسَ هنالكَ أيُ تدخلِ منْ أيِ فضوليٍ في خلقِ اللهِ الكريمِ منْ طويلٍ أمْ قصير، أسود أمْ أبيض، فأنتَ إنسانٌ فقط، نقطةُ رأسِ سطرِ هكذا التعاملَ معك! ارتدى ما يليقُ لكَ منْ ملابس، لا فيتو منْ أيِ جهةٍ كانتْ شخصيةً أوْ حكوميةٍ أوْ الأمرِ بالمعروفِ أو النهيِ عنْ المنكر، سواءَ ارتديتُ الكابوكي الممزقبجمالها الرائع: مثلٌ …. . . ! . أمُ الجبةَ الإسلاميةالجميلةِ بحجابها الأنيقِ المزخرف لرابعة العدوية: مثل. . . ! ، فهذا الأمرُ عائدٌ لشخصك الكريم.

     إنَ تعبتْ منْ السيرِ في الشوارعِ والأماكنوالمتنزهات والأنهر الجميلة، فاسترح قليلاً، في أحدِ المقاهي بأشكالها وديكوراتها وبشرها وآثاثها-  كل شيء فيها جميل ونظيف- لتحتسي قهوتكَ المفضلةِ، أمَ عصيركَ المفضل المطعمَ بالفاكهةِ . 

     إنَ هذا اليسيرِ منْ الكثير، لمدينةٍ عاشتْ الحربانِ معاً، وتهدمتْ بعض أبنيتها التاريخية عنْ بكرةِ أبيها، ثمَ عادتْ لها الحياة بفضل أهلها،  لأنهم يحبونمدينتهمْ لتكون هيَ الأفضل في العالم! هذا، وصفَ بسيطٌ لأسبوعٍ منْ إقامتي في هذهِ المدينةِ الجميلة، وإلى أيامِ أخر، وأماكن أخرى لم أزرها بعد.

      نتمنى الزيارةُ لهذه المدينة( برلين) لكلِ أحبابنا، أصدقائنا، أعزائنا- بعونهِ تعالى للترفيهِ عن النفس،ونسيانِ مشاغلِ الدنيا قبلَ أنْ نودعها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات