في زمن مضى ، حدثني احد الاقارب وكان ضابطا في الجيش العراقي عن رغبته الشديدة في عدم التصفيق لدى استقبال الرئيس السابق حين كان يزور وحدات الجيش ..كان يتمنى ان يثبت لنفسه لا للآخرين انه قادر على خوض مثل هذا الموقف دون ان يعطي بشرا مثله اكثر من حقه في الاحترام والتبجيل ..لكنه وللأسف وجد كفيه تصفقان رغما عنه بفعل لاارادي ماان ظهر الرئيس وسط جحفل من حمايته ..والشيء ذاته حدث مع امراة كانت تقف على ناصية الشارع حين مر موكب الرئيس امامها دون ان تتوقع ذلك فوجدت ذراعها ترتفع لتحيته رغم انها كانت من شريحة النساء المتضررات في فترة حكمه ولم تكن تتمنى ان تلتقي به يوما لكيلا تضطر الى تحيته !!
اليوم ، نحن في زمن الديمقراطية وربما كان من الممكن لقريبي الضابط الذي فقد حياته في زمن الديمقراطية ذاته على ايدي الارهابيين أن يحقق حلمه بعدم التصفيق لمسؤول دون ان يشي به رجال الامن ويقاد الى ماوراء الشمس ، وان تتمكن تلك المراة المتضررة بدلا من تحية المسؤول بدافع الرهبة والخوف ان تصل اليه وتلتقي به وربما تحصل على وعد منه بمساعدتها –في حالة حفاظه على مقعده الذي يهتز من تحته مع كل هزة سياسية -..لكن ماحدث قبل اسابيع يبشر بزمن دكتاتوري آخر يغلف فرسانه دكتاتوريتهم بورق الديمقراطية الملون الزاهي ليخطفوا ابصار المواطن بآمالهم كاذبة ..
كنت في احتفالية خاصة بالايتام حضرها مسؤول عرف بخطابه الوطني الخالي من التعصب لجهة ما ..تصورت في البداية ان المسؤول رعى الاحتفالية ليمنح الايتام تعويضا مناسبا ، ولابأس ان يكون ذلك فقرة في حملته الانتخابية لكن الاطفال كما يبدو تلقوا تدريبا متقنا و(مدفوع الثمن ) على التهليل للمسؤول بطريقة تصورنا انها غادرتنا مع غياب احتفالات (بابا صدام ) بميلاده المجيد حيث كان الايتام يهللون لمن كان السبب في استشهاد آبائهم ..ماحصل مع المسؤول انه انتشى بسماع اهازيج واناشيد وقصائد شعرية شعبية وفصحى من قبل الايتام الصغار ومعلماتهم يصفون فيها عبقريته في القيادة واصالة نسبه وشجاعته في مقارعة من يهدد امن الوطن وكرمه في رعاية المحتاجين ومااكثرهم في عراق الخير وعم الهتاف والتصفيق القاعة في (هرج ومرج ) لايتناسب حتما مع المرحلة الديمقراطية التي يتشدق السياسيون بسماتها واهمها ان تعبر الافعال لاالهتافات عما ينوي المسؤول تقديمه للشعب المحروم من العطايا والهبات ( الحكومية )..وفي نهاية (التمثيلية ) المتقنة ، تم توزيع ظروف تحمل مبالغ مالية على المعلمات ومديرات المدارس والمشرفون على تدريب الاطفال بل وحتى لجنة الاستقبال من (موزعات الجكليت ) ، اما الايتام انفسهم فكان نصيبهم دمى والعاب رخيصة تناسب اعمارهم الغضة فقط ..
بهذه الطريقة تتم صناعة الدكتاتور في بلداننا حيث تغيب الحرية ويحل محلها (الخوف او الجوع ) وتشحذ مصادر التاثير في المواطن هممها من وسائل تعليمية واعلامية لتحوله الى عجينة لينة بيد الدكتاتور يشكلها حسب هواه ويصبح المواطن بعدها كالمنوم مغناطيسيا فهو يسير وفق الرؤية الديكتاتورية وان صحا من نومته وسار بحرية فسيقوده طريقه الى ابواب المعتقلات او يصبح ضحية اغتيال مفاجيء ..
ويبدو اننا سنظل من المؤمنين بنظرية هوميروس اليوناني التي مرعليها قرون والتي تقول ان جميع الآلهة كانوا اما ملوكا او ابطالا حقيقيين من البشر مادفع الاغريق وبعدهم الرومان الى تاليه ملوكهم ،وهانحن مصرون حتى في زمن الديمقراطية على تصنيم قادتنا من خلال الهتاف للزعيم مهما كان على خطأ فهو لايخطيء كما علمتنا ثقافتنا طوال عقود ونحن قطيعه الذي يدور في دوامته ويهتف له بافتتان لأنه نجح في تسويق امجاد وهمية وانتصارات كلامية واحاطنا بهالة دائمة من الوعود المتفائلة ..
المشكلة ان الزعيم تشظى الى زعماء والحزب الواحد انقسم الى احزاب وصار لزاما علينا ان نصنع عشرات الآلهة وننجح في توزيعهم حسب (المحاصصة) لينقذونا من معاناتنا ، ومهما حاولنا بعدها ان ننال مطالبنا باسلوب ديمقراطي دون ان نلجأ الى التصفيق والهتاف فلن نكون ضمن القطيع وربما لن نحصل حتى على ظرف مغلق ومحشو بالمال من لدن المسؤول الكريم يوما ما !!