19 أبريل، 2024 4:14 م
Search
Close this search box.

“موسيقى التجوال” في صحراء سيناء

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – عمر رياض :

تنبع الموسيقى السيناوية من تفاصيل الطبيعة والتضاريس (الهنا) ومن الوقت (الآن)، إن كان موسم أو يوم، شروق أو غروب، من تفاصيل حياة البداوة وإيقاع سير الراعي مع الجمل، صوت النداء وصدى الجبال، هطول المطر وصفير الريح وطقطقة الحطب في النار.

ينقسم الغناء في سيناء إلى نوعين.. النوع الأول يعود إلى القبائل البدوية، سكان الصحراء، المساحة الأكبر في شبه جزيرة سيناء والعدد الأقل من السكان  في نفس الوقت.. أما النوع الثاني فيعود للمدينة، تلك الرقع الصغيرة التي تحولت لَحضر بعد أن هاجرت إليها أسر كبيرة في حجم القبائل من الشام و فلسطين، لكنها لا تحمل النسق الكامل لحياة البداوة، وترتبط الموسيقى في سيناء بحدود لا مرئية وبصحراوات أخرى دون حدود جغرافية، لها موروث شبيه في مجتمعات تشترك في طريقة حياة البداوة البسيطة، المعقدة النسب قبل أن تنفصل عنها في لحظة من الزمن  وتتماهى مع هجرات أخرى قادمة من المدن أو من وادي النيل.

تكمن حرية البدوي البطل في هذه الصحراء، رجلٌ كان أو امرأة في التجوال، فالحرية جزء من نسق البداوة، وفي تجوال البدوي تزهر ثقافته ومعها فنه، ومن التجوال تأتي تفاصيل الغناء السيناوي، وضع البدوي فى سيناء طريقة الحياة هذه في أشكال بسيطة من الفنون، مثل “الهجيني” و”الدحية”، ثم مزجها بآلات بسيطة مثل “المقرونة” و”الشبابة”.

بالإضافة إلى البساطة التي تميز الفن السيناوي بشكل خاص.. تتميز الموسيقى في الصحراء عموماً بكونها لا نهائية، بسبب اعتمادها على الارتجال في تركيز أساسي على بحر من اللغة  العربية الأقرب للفصحى الممزوجة بلهجات القبائل، وينقسم رواة الشعر الشعبي في سيناء لثلاثة شخصيات، “الشاعر” ويختص بإبداع القصائد وإنشادها وأغلبها من الشعر “النبطي”، “البداع” ويختص بالغناء في السامر مصاحباً للرقص، وأخيرًا “الحادي” وينشد عند سقي الإبل وتحفيزها على السير وربما في بعض المناسبات، وحد عزل المجتمع من زمن في شبه جزيرة سيناء دون الوصول إلى هذا الموروث الشفاهي، لذا لا يوجد سوى القليل من الأبحاث والكتابات والتسجيلات حول الموسيقى السينائية، التي يحتاج إلى ترجمان بالإضافة لوفاة معظم الحفظة الكبار لها.

مصادر الموسيقى السينائية..

القصيدة هي نواة الموسيقى في جميع أشكال الفنون السينائية، والشعر هو المفردة الأساس في الثقافة البدوية، حيث نجده مرتبطاً بكل مناحي الحياة.

“عنيز أبو سالم” هو أشهر شعراء البادية السينائية، لذلك لقب بأمير الشعراء، حيث كانت معظم تعليقاته على المواقف تخرج في شكل شعري ارتجالي وأشهرها تعيين عمدة أو شيخ لقبيلة لم يكن من ذوي الفطنة فهجاه، ومن أمثلة شعره التي جمعت بصعوبة بسبب شرحها، الذي قام به الشاعر والباحث السيناوي “حسونة فتحي” يقول:

يا عشيش لك عندي وصية مقيمة

وصية اللي جرب المر يا عشيش

وعسى معشية المقاوي سليمة

اللي مضى على رقمها قائد الجيش

و”عشيش” هو ولده الأكبر، أرسل له هذه القصيدة عقب احتلال سيناء، حيث كان الشاعر في القاهرة وقت قيام “حرب 67″ وأسرته في جنوب سيناء، و”معشية المقاوي” أي التي تجلب عشاء الجائع والضيف وهي البندقية.

وفي قصيدة أخرى يقول:

كنا بقوم ولقبونا ترابين

وبتنا تزعزعنا حروب الدولّي

تلقى منازلنا قريبة من العين

وتلقى مراشقهن علينا تدلي

تلقى دبشنا قليل وباسنا زين

وصدورنا من هبة الريح ملّي

و”بقوم” هي القبيلة الأم التي جاءت منها قبيلة “الترابين” المعروفة في سيناء، والتي ينتمي إليها الشاعر بل كان شيخها وقاضيها، و”الزعزعة” أي الإجبار على الانتقال من مكان الخطر الذي تسببه الحروب التي تقوم بين الدول، وهو هنا يستنكر الحرب إيثارًا للسلام والطمأنينة، حتى وإن كانت هذه الحرب بين الدولة التي ينتمي لها الشاعر ودولة العدو، ما يُوضح أن ثقافة المجتمع البدوي السيناوي هي الجنوح للسلام، فالحرب عندهم أمر سئ لا يُخاض إلا إذا كانوا مجبرين عليه، ولنفس الشاعر أبيات يشير فيها إلى حسن الصفات والتسامح، لكن إذا ما بادر البدويَّ أحدٌ بهجوم أو بدأه بالحرب فإنه يذيقه الهزيمة النكراء، وهذه الأبيات جاء فيها:

من ساسنا زين الخصيلات فينا

اللي يطعمينا الخطا نطعمه ياه

حنا لفعل أجدادنا ما نسينا

وكل ما يغبوبر يحل بطرياه

وياما تلامع زانهن بين إيدينا

في ساعة فيها كلام المكازاة

الهجيني..

“الراعي” هو الشخصية الأكثر مجهولية في إبداع الفن السيناوى البدوي، ويعد التجوال في الصحراء مصدر الإلهام والإرتجال والإبداع لديه، حيث يرتبط ترحال البدوي السيناوي بالجَمَل الذي يطلق عليه الهجين، وسمى فنه “الهْجيني” اشتقاقاً من الاسم، فيكون إما فردياً إذا ما كان البدوي مرتحلاً وحده، أو بين اثنين يتناوبان أبيات “الهجيني” في بعض حالات الإرتحال الجماعي، هو أيضًا مرتبط إيقاعياً بخطوات الجمَل حيث تطرب له الإبل وتحث مسيرها لتقطع مسافات ومسافات دون كلل، من هنا جاء اسم “الحادي” أو “شاعر الهجيني”.

“الحداء” أو الهجيني السيناوي هو أبسط الفنون من حيث البناء والموسيقى، ونماذج الهجيني السيناوي كثيرة منها:

الزين مثل الحيا متبوع

لو ما تلا الناس يتلونه

والشين مثل المحل مقطوع

يمشون لما يتعدونه

ويعتبر هو الشكل الأساس للهجيني، وشرح الأبيات أن الإنسان طيب الخصال يتم اتّباعه وتتبع أخباره، وكلمتا “تلا” و”يتلونه” تبينان عبقرية الدلالة، حيث تؤخذ إما على أن الطيب الخصال والذي لا يتلو مآثره ويفخر بأفعاله فالناس هم من يقومون بذلك كما يصفون الحياء، وإما أن الناس يتتبعون مكان هذا الطيب حيث كان إن لم يحضر هو، بينما القبيح “الشين” فإنه مثل القحط لا أحد يذكره أو يأتيه.

وهناك شكل آخر اعتبره البعض ضمن الهجيني، وأطلقوا عليه “الهجيني الطويل”، ومن أمثلته المثالان النسويان التاليان، والكثير من النساء يمتلكن مواهب شعرية فذة، ويطلقن القصائد والأبيات الشعرية، ويتم تداولها، لكن يظل الاسم مجهولاً ويظل قولها لا يخرج عن أضيق الحدود من أفراد أسرتها أو النسوة داخل إطار العائلة، تقول إحداهن:

يا ذيب ياللي تفطر القلب بعواك

يا ذيب حالك ما هو مثل حالي

إنت بعويلك يمن تقظب الشاة

وأنا بعويلي  يوم تيتموا عيالي

وتقول أخرى:

بلاد جاها المطر وبلاد ما جاها

وبلاد جاها كحيل العين ورواها

وبنية النص في “الهجيني” بسيطة، فهو من بيتين أو ثلاثة في أغلب الأحيان ربما تصل إلى أكثر من ذلك حيث توجد نصوص من عشرين أو ثلاثين بيتاً لكنها قليلة نسبيًا وهي من نظم شعراء محترفين، وفى كتاب (فن الهجيني| في الغناء البدوي) يذكر الكاتب “محمود مفلح البكر” أن “الهجيني” يعتمد في بنيته النصية على ثلاثة نماذج  أساسية، أولها “الهجيني المقفى الصدور والأعجاز” وفيه تقفى صدور الأبيات بقافية تختلف عن قافية الأعجاز، وهو نموذج الهجيني المتقن مثل “ياراكب اللي قطب عجة/ أربع قوايم بلا روح/ ياضلوع قلبي لهن لجة/ جوا الضماير لهن جوح”

والثاني هو “الهجيني المقفى الأعجاز دون الصدور” وفيه يقفى عجز البيت فقط مثل “يا بنية ما انتِ طويلة بحيل/ ياللي بعيونك سحرتيني/ طويت قلبي سبع طيات/ طي الحبر بالدكاكين”

أما الثالث فهو “الهجيني المربع” وفيه تتألف الهجينية من أربعة أشطر يلتزم قائلها قافية واحدة في ثلاثة أشطر، ويأتي بالقافية الرابعة مختلفة وإذا زاد عدد الأبيات تتغير القوافي الثلاث الأولى في كل مربع بينما تتكرر قافية الشطر الرابع دون تغيير، ومثال ذلك “سميتها بنت الفياضي/ وخديدها بارق ياضي/ يصعب على الذيب مركاضي/ قلبي على الزين مشطون”.

السامر والدحية..

https://www.youtube.com/watch?v=3iJwrcmOd7g

“السامر” هو حفل السمر الذي يقام احتفاءً وابتهاجاً بمناسبة ما، والبدو يستثمرون أي مناسبة لإقامة السامر، فبخلاف الزواج والمواليد والطهور والأعياد يقام السامر لعودة الغائب، أو لكسب قضية كبيرة، أو أي انتصار يحققه فرد أو جماعة من أفراد القبيلة، أو أي مناسبة يرغب البدوي أن يقيم السامر احتفاءً بها، وللسامر أشكال مختلفة من الشعر ارتباطاً بأشكال مختلفة من الرقصات الجماعية.

في دراسة لـ”إبراهيم عبد الحافظ” يعرف السامر التقليدى بأنه تجمع احتفالي في المناسبات الاجتماعية الفرحة من بدايته حتى نهايته ويقسم إلى قسمين: “الرزعة”، ويسمى أيضًا “الرزيع”، وهى بداية السامر التي تكون بطيئة حيث يقوم الرجال والنساء بدق الكف وهن جالسون، ويبدأن النساء في إطلاق الزغاريد والغناء، وهو عبارة عن نداء لأفراد القبيلة لحضور السامر ويغني الرجال قائلين:

جوموا للرزعة يا شباب يا حلوين

في بلاد الزينة موجع للعشاج يطيب

جلبى في هواهن جرح منهن ما بيطيب

إلى أن يجتمع الجمع المشارك في السامر يتحمسون للتعبير عن فرحتهم، وهنا يهب أحدهم وينادي بصوت مرتفع ليقف الجميع ويبدأ القسم الثاني من السامر وهو “الدح”، والدّحّ لغة التصفيق باليد والذراع مشرعة لأعلى.

بداية السامر البدوي هو “الرزعة” أو “الرزيع”، حيث يتم البدء به بعد إشعال النار ليتجمع رجال القبيلة ونساؤها، ويكون الرجال خارج الخيمة على مسافة منها، بينما تتجمع النسوة داخل الخيمة، وبتجمع الرجال يبدأون بالوقوف في صفين متقابلين يصفقون بأكفهم مرددين “دحّيوه دحيوه” لمرات عديدة، ويتوسط كل صف شاعر أو “بدّاع”، وبترديد “دحيوه” لما يقرب من 28 مرة تدخل “الحاشي” وهي امرأة تحمل في يدها عصا ويلفها السواد، فلا يظهر منها شئ، تبدأ في التمايل يمنة ويسرة مشيرة بالعصا وهي تسير بين الصفين، فيبدأ أحد الشاعرين بالبديع، و”البديع” هو بيت شعري واحد من “بحر المتدارك”.

يقول البداع:

اعطوني الخمس من ايداكو والخمس رواح الدحية

فيرد الرجال في الصفين المتقابلين:

هي هيه رايحين نقول الريدا

ومعنى قول البداع هو طلب التصفيق بالكف فهو روح رقصة الدحية، ويرد البداع المقابل:

اعطوني الخمس من ايداكو والخمس حفيف الكينية

فيرد الجمع:

هي هيه رايحين نقول الريدا

ويظل الشاعران يتغالبان شعراً وصفّاهما يتغالبان تصفيقاً بالكف طمعاً في الفوز ببقاء الحاشي أمامهم فترة أطول، مما يعد فوزاً وانتصاراً.. ونورد بعض الأمثلة لما يقوله كل بداع منهما:

1ـ مرحب هلا بك يالغالي.. مد ايدك سلم عليا

2ـ ربعك ربيعك يا الغالي.. والكل بسيف وشبريّة

1ـ والله لأعمّر سامركو لو لحقت ضرب الشبريّة

2ـ ان دح قليبك يا الغالي قلبي بيسمّع دويّه

وهكذا يستمر تبادل الأبيات الشعرية حتى تأتي مرحلة الانتقال إلى “المربوعة”، حيث يسبقها تصفيق ونداء الرجال بقول “ها هاي ها هاي” لمرات عديدة، ثم تبدأ المربوعة حتى تأتي الحاشي الجديدة، وغالباً تكون فتاة، لأن إيقاع المربوعة أسرع وأقوى من إيقاع البديع، وقد تتشارك فتاتان حيث تتحرك كل منهن أمام أحد الصفوف وتكون هي قائد الصف، وللتنويه فإن ذلك لا يتم في وجود أغراب عن القبيلة.

https://www.youtube.com/watch?v=yjr18ZgtPcE

ومن المربوعات قولهم “مربوعة لن سويناهي/ عالحول بتفطم ضناهي”، والمعنى أن المربوعة لسهولة أبياتها لدى الشعراء ولتمكنهم يمكن أن تستمر عاماً كاملاً دون توقف، والترديد هو “هولو يا هولو يا هولو” والمعنى “هلا يا هلا”، بقلب الألف واواً كما نلحظ قلب الواو ألفاً في أحيان أخرى مثل قول “لا” ويعني الشاعر “لو”.

جغرافيا الصحراء والفن السيناوي..

هناك دائمًا أصل أو شكل تقليدي يظهر بوضوح في السامر السيناوي، بل ومعظم الموسيقات الأصلية مثل “الكيناوة” في صحراء الجزائر وموسيقى “الطوارق” في الصحراء الكبرى، والذي يرجع لتآلفاته الموسيقية المحدودة، وهو نقطة التماس مع موسيقى الصحراء بشكل عام كفضاء واحد مشترك بلا حدود، يكمن التماس في الموسيقى وفي الإيقاع معًا بسبب عدد محدود من السلالم الموسيقية يرتجل عليها الجميع دون الخروج عن القاعدة أو الشكل الأساسي، لكن هذه البساطة ساعدت أيضًا في خروجها من مدارها وبيئتها المحلية الخاصة جدًا بسبب سهولة مزج  الموسيقى الأصلية بالأشكال المعقدة بعض الشئ أو الأغنى من حيث النغمات والسلالم أو المقامات شرقية كانت أو غربية مثل “الكاز والبلوز والريغي”، من هنا أيضًا تأتي النقلات العالمية للفنون الأصلية لكن يشترط أن تكون صحيحة متشبعة من الجذور حتى يمكنها اختيار قوالب عالمية ملائمة هكذا يؤكد المهتمين بهذا النوع من الموسيقى.

من هؤلاء الذين نقلوا الفن السيناوى من البادية بشكل صحيح الفنان “حميد إبراهيم” وهو نموذج للمغنى البدوي، إلا أن الميديا الصغيرة لم تستطيع دفعه خارج التمثيل الرسمي في المحافل العالمية، كان “حميد”، الذي مرت الذكرى الأولى لرحيله منذ شهر تقريبًا، يمثل أكثر الناقلين للتراث الصحيح بحسب تأكيد رفاق مشواره، يعود ذلك لجذوره البدوية الممتدة لعائلة “المنيعي” من قبيلة “السواركة”، وهو من مواليد العريش 1960، عاش طفولته وقت الاحتلال الاسرائيلي ولم يغادرها، حيث كان يذهب لجمع المحصول مع والدته التي كان يحفظ عنها الشعر بالإضافة إلى الشعر الذي كان يحفظه من السوامر ليشارك بعد ذلك كشاعر أو بداع في الأفراح والمناسبات قبل أن يغني بإذاعة “صوت العرب”، على حسب توجه الإذاعة بعد حرب 1973، ضمن مشاركة مطربين من أبناء سيناء.

أسس “حميد إبراهيم” فرقة السامر السيناوية في مطلع الثمانينيات، وكانت في البداية فرقة فن تلقائي والراقصون كلهم من كبار السن، ثم بدأت تعتمد على الطلبة وأبناء المدينة وربمًا قليلاً من أبناء البادية كجزء من عمل جهاز الثقافة الجماهيرية التابع لوزارة الثقافة رسميًا، وعلى الرغم من اختلاف الجمهور إلا أن السامر التقليدي ظل مسيطرًا على ذوقه، وكان يقول “الجمهور البدوي في تجمعاته الصحراوية يميل إلى سماع الأغاني الغزلية التي يغلب عليها أسلوب “التورية المغلق”، وبسبب جمهور الحضر لجأ “حميد” لتغيير بعض المفردات بما لا يغير الجوهر حتى يستطيع جمهور المدينة فهمها، كما أضاف له “فن المهباش”، ويذكر عدد من فناني المنطقة أن هناك مظاهر كثيرة تغيرت في السامر بسبب إدخال فنون أخرى عليها من بلاد الشام (سوريا والأردن و فلسطين ولبنان)، مثل “الميغانا” و”موال الدلعونة” و”العتابا” وأحيانًا أخرى أغانٍ خليجية.

https://www.youtube.com/watch?v=buLkf6hKdb8

سافر “حميد” مع فرقته إلى إسبانيا وإيطاليا وفرنسا لتقدم عروضها ومن أشهرها تلك التي كنا نشاهدها كل عام في مناسبات سيناوية في العريش أو في “مهرجان القلعة للفنون” بالقاهرة وأشهرها العرس السيناوي والمولود، والتي دائمًا ما كانت تمزج برقصات تحاكي تلك الأصلية أو مقتبسة من مدينة العريش كالدبكة.

و”الدبكة” قصة أخرى، فهي رقصة مشهورة في سيناء وفلسطين، وتعتبر الشكل المتطور من طقس السامر الشعبي، حيث يصطف الشباب على شكل قوس، ويرقصون بضرب الأرض، مع تشبيك الأيدي مرة بشكل منخفض ومرة بوضعها مشرعة على الأكتاف، ثم ينفلت من عقد القوس أحدهم كقائد يقف في المقابل ليغير شكل وإيقاع الضربات مع الموسيقى وتشاركهم أيضًا سيدة (الحاشي) كما في السامر تحمل سيفًا أو عصا، كما تقطع النساء الرقصة عادة بما يشبه الزغاريد وتسمى “التهويهي”، وهي كلمات على مدى الصوت “هووووي هووووي”، مثل قولهن “يا ريتني طير ناموس هووووي هووووي أطير وأفرد جناحي/ على خد العريس أبوس وأقول طابت جراحي”، ويذكر أن “نعوم بك شقير” في كتابه عن تاريخ سيناء، وهو من الكتب القليلة التي وثقت للحياة في سيناء بشكل عام، قام بذكر دقيق لشكل “الدبكة” على حسب ما رواها البدّاع.

الآلات والموسيقى..

تتميز الآلات في الموسيقى السيناوية بالبساطة وتُقسم لثلاث أقسام، أولها آلات النفخ ومنها “الشُّبَّابَة”، وهي عبارة عن أنبوبة مجوفة من البوص أو المعدن طولها نحو نصف متر أو أقل بقليل، ولها ستة ثقوب تبعد عن بعضها بمقدار ما يبعد الإصبع عن الآخر أو أكثر بقليل، وينفخ في طرف فتحتها العليا فتُخرج صوتًا يعدله العازف بتحريك أصابع يديه ليخرج له اللحن الذي يريده، و”المقرون” وهو ناي ذو أنبوبتين يصنع من عيدان البوص المجوفة، وهاتان الأنبوبتان متوازيتان ومقرونتان الواحدة منهما بالأخرى بخيوط متينة تلف على القصبتين من الأسفل والأعلى، وقد جاء اسم المقرون من قرن القصبتين ببعضهما، وللمقرون كما للشبّابة ستة ثقوب في كل قصبة من قصباته، تبعد عن بعضها بمقدار ما يبعد الإصبع عن الآخر أو أكثر بقليل.

أما الآلات الوترية فتأتي “السمسمية” في مقدمتها بالإضافة إلى آلة “الربابة”، وهما معروفتان نسبيًا، ومن الآلات الإيقاعية “الطبلة” وهي آلة تستعملها النساء فقط في مناسبات الأعراس، وكانت تصنع من الفخار وتُشد عليها طارة من الجلد فيُحدث الضرب عليها إيقاعاً خاصاً، وفي حالة عدم وجود طبلة كانت النساء يستعضن عنها بتنكة معدنية يضربن عليها فتحدث إيقاعاً أقرب إلى الصخب وتستعمل النساء أيضاً الفناجين لإحداث إيقاع معين.

“الجركن” هو آخر الآلات واسم لفرقة سيناوية، تأسست منذ نحو عشر سنوات، وهي تمثل الجيل الأخير من ناقلي الموسيقى السينائية، كما تمثل الحالة السياسية فإذا ما تتبعنا أخبار الفرقة في السنوات الأخيرة سنكتشف المعاناة التي فرضتها حالة الحرب في سيناء بين الأمن ومسلحين على التنقل ومواعيد الحفلات، وذلك بعد سنوات من هدوء نسبي لثلاثة أجيال أعقب حرب تحرير سيناء 1973، وهي الحرب التي فرضت نفسها ليس على الغناء فقط بل وعلى الآلات مثل الجركن الصفيح الذي جاء من مخلفات الحروب أيضًا، أحد آلات الفرقة الأساسية والذي سميت بإسمه.

يقول الفيلسوف “جيل دولوز”: “تثب الطبعة عندما تقابل فنان”، وفي صحراء سيناء تثب الطبيعة دائماً، لانها تقابل عدد لا محدود من الفنانين في إبداع طريقة حياة على بساط كبير من الرمال، وحده السيناوي أستطاع الإبداع الانهائي فيها رغم قسوة الصحراء.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب