10 أبريل، 2024 2:51 ص
Search
Close this search box.

ماذا يحدث في الجانب الآخر ؟ (2) .. “العبور السيناوي” يعيد مأساة الإغتراب داخل الوطن !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتب – عمر رياض :

كان للفلسطينيين العابرين من غزة إلى مصر – عن طريق “معبر رفح” – أو العكس عدد من نقاط السير والاستراحات المعروفة، سواء كان الهدف البقاء في مصر لأغراض العلاج أو الزيارة أو الإقامة أو مغادرتها لدول وبلدان أخرى.

سيناء الشمالية كانت بداية الإنطلاق للقادمين من الداخل الفلسطيني..

من “محطة سيارات العبور” في رفح المصرية, كانت الأسر الفلسطينية تبدأ رحلتها.. فتتخذ الطريق الدولي الساحلي حتى محافظة الإسماعيلية ماريين بالعريش, وهو الطريق الذي كان يسلكه “ياسر عرفات” وعدد من رفاقه بسبب الحصار أيضاً.

العابرون الفقراء كانو يسلكون نفس طرق “الزعماء”.. لكن نظام الحكم المصري, وقتها، فضل إصدار قرار ببناء استراحة للزعيم الفلسطيني “ياسر عرفات” في العريش، ليترك العابرين لمصير آخر على الطريق يشاركهم فيه أبناء سيناء أيضاً وخاصة سكان “مدينة رفح” المصرية, الذين يسلكون نفس الطريق بنفس النقاط والإستراحات.. لم يكن هناك فرق وقتها فالجميع يتشارك في تحمل أعباء السفر, كما تشارك في سنوات الإحتلال.

ما كان يحدث مع سكان “قطاع غزة”, بداية من صعوبة التأشيرة والانتظار لأيام في ساحة “معبر صلاح الدين” في رفح وصعوبة الطريق والتوصيل والتفتيش الدقيق في النقاط الأمنية والتوقيف، هو ما يحدث مع سكان رفح المصرية، عند “بوابة الشيخ زويد” مؤخراً مع احتدام المعارك والتهجير لآخر مرحلة في المدينة الحدودية.

فلاش باك” التهجير..

مازال الجزء الشرقي من مصر يزداد توتراً بسبب الحرب الدائرة بين الجيش والمسلحين بحجة القضاء على الإرهاب، وجاء القرار الخاص بتهجير أهالي “مدينة رفح” في المرحلتين الأولى والثانية, ليرفع من درجه التوتر الأمني والمعاناة المدنية منذ تشرين أول/أكتوبر 2014.

فبالتزامن مع إعلان الحرب على “التنظيمات المسلحة”, بعد حادث “كرم القواديس”، وهو الحادث الأكبر من حيث عدد الضحايا العسكريين, جاء قرار إخلاء 500 متر بطول الشريط الحدودي المصري الفلسطيني.

كان الهدف من قرار المجلس العسكري, إنشاء منطقة عازلة, مستنداً إلى الإجراءات التي قد يتخذها رئيس الجمهورية عند إعلان حالة الطوارئ في منطقة ما، وذلك بموجب قانون الطوارئ لعام 1958.

وتضمن متن القرار عزل الشريط الحدودي في رفح، حسبما صرحت المصادر في ذلك الوقت، لكي تتحول تلك المنطقة إلى مكان مفتوح خالي من المنازل بما يسمح لقوات الأمن برصد واكتشاف أي أفراد متسللين عبر الحدود والسيطرة على الأنفاق.

أعتبر القرار نكسة جديده لأهالي سيناء المهجرين من قبل إسرائيل في تاريخ سابق، وقال قانونيون “أنها جريمة لا تسقط بالتقادم” بحسب المادة 63 من دستور 2014, التي تقول: “يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله”.

طالت المرحلة الأولى 10 آلاف مواطن, حصل بعضهم على تعويضات غير مناسبة مرغمين على ذلك، مما دفع البعض لافتراش العراء في أقرب المدن التي وصلوا إليها بدون أغراضهم، حيث لم يجد الكثير منهم المسكن المناسب في مقابل الأموال التي حصلوا عليها.

في 7 كانون ثان/يناير من العام التالي (2015)، بدأ تنفيذ المرحلة الثانية من خطة تهجير الآلاف من أهالي “مدينة رفح” الحدودية، ضمن خطة إنشاء المنطقة العازلة مع “قطاع غزة”.

ضمت المرحلة الثانية من خطة الإنشاء تلك, إخلاء وهدم 1200 منزل في “مدينة رفح”, تقع في نطاق مساحة 500 متر جديدة وتمتد على طول 13.7 كيلومتراً، وذلك بعد أن تم إخلاء 837 منزلاً تقطنها 1156 عائلة في المرحلة الأولى التي انتهت في كانون أول/ديسمبر.. ولحقت عمليات الهدم, بالتفجير, وإخلاء سكان في أحياء (البراهمة، النور، الصرصورية)، قد تم إبلاغ أصحاب المنازل بأن تفجير المنازل سيبدأ بعد أيام قليلة.

وقد تضاربت الأقوال, وقتها, عما إذا كانت هناك قرارات ستتبعه بعزل وتهجير مناطق أخرى أم لا ؟.

إعلان عن مرحلة ثالثة لتهجير آخر سكان رفح..

خلال الشهرين الماضيين أعلن الجيش المصري عن تنفيذ المرحلتين الرابعة والخامسة من عمليات “حق الشهيد” العسكرية، وهي العمليات الجوية والأرضية في الحرب ضد المسلحين داخل سيناء.

وأتخذت بالتزامن مع مجموعة من الإجراءات التعسفية ضد سكان سيناء، وصفت بالعزل الكامل لكافة الطرق والشبكات والمرافق الحيوية لمدة عشرة أيام مع كل عمليه يقوم بها الجيش، أثار الأمر سخطاً شديداً ، واعتبره السكان في مدن سيناء كافة أنه عملية قتل بطئ، بل قال البعض أنه بقصد التهجير الإجباري، بحجة الحرب، أو إخلاء السكان من المدن دون إلتزامات.

وكانت طلعات جوية وقصف قد إستهدف عدد من القرى الحدودية في “مدينة رفح” و”الشيخ زويد” و”العريش” خلال عملية عزل كاملة للنصف الشمالي من سيناء, بطول الحدود مع فلسطين وإسرائيل, لعشرة أيام تبعتها عشرة أيام أخرى مع قطع للكهرباء والمياه وجميع الخدمات عن المدن المستهدفة, والتي أعلن عنها في بيانات رسمية.

بعد الإنتهاء من المرحلة الخامسة لعملية “حق الشهيد” العسكرية، عادت الخدمات جزئياً في “مدينة العريش” – العاصمة – فقط, وظلت باقي المدن الأخرى معزولة.

ساد هدوء نسبي في الأيام القليلة الماضية، عقب العملية العسكرية الأخيرة، قبل أن تفاجئ الجهات التنفيذية المحلية آخر السكان الباقين في “مدينة رفح” بقرار تنفيذ المرحلة الثالثة من التهجير.

وقال سكان من رفح: “إن تهجير المرحلة الثالثة من المدينة, يعني فتح الباب أمام طرد المزيد من سكان المنطقة”. ليصبح إجمالي المساحة المهجرة, حتى هذا القرار, 1500 متر بعمق “رفح” وبطول 14 كيلومتر، وهو ضعفي المساحة المعلنة في الأصل. وقال آخرون: “تم فرض حصار على أهالي رفح, من تسبب في منع دخول الطعام والمواد الغذائية والغاز, حتى الأدوية لا تمر. في حين لا تسمع الدولة استغاثة المواطنين”.

لم يقف القرار عند هذا الحد, بل أصدرت القوات العسكرية تعليمات بعدم عبور سكان المدن الشرقية – رفح والشيخ زويد – الحدودية إلى المدن الغربية والمحافظات, دون الحصول على تصريح من السلطات, بما في ذلك الذهاب إلى “مدينة العريش”, وإن الجميع يجب عليه التوجه إلى كتيبة الجيش في ساحة رفح لأخذ تصريح.

شبه السكان, تعليمات تحركاتهم اليومية داخل محافظاتهم ومدنهم القديمة, “بتأشيرة السفر” لدخول دولة أخرى، وهو الأمر الذي كانوا يرونه يحدث مع الفلسطينين الذين يصلون إلى “مدينة العريش” عبر “معبر رفح”  في وقت سابق.

وأشاروا إلى أنهم أصبحوا يعاملون كأجانب مقيمين, يحملون نفس العبئ والمعاناة التي يتحملها الفلسطينيين، أو حراس تم الإستغناء عن حمايتهم للأرض من الأعداء.

تهجير مستمر دون معلومات..

ليست “رفح” وحدها هي ما تتحمل عبئ الحرب والتهجير، إلا أنها المدينة الأكبر نصيباً في المعاناة.

فلا يشعر بنية التهجير الكاملة للمدن فقط, القليل من السكان الباقين في “رفح”، فسكان – “العريش” – العاصمة أيضاً هاجر منهم الكثير, بعد إن بدأت الحياة في التوقف تدريجياً.

ومع غياب المعلومات, عن حجم مساحة التهجير التي يمكن أن يتخذ بها قرارات أخرى.. قدر البعض, وفق مصادر, أنها قد تبلغ 5 كيلومترات في “رفح” فقط، الأمر الذي سيتبعه بالضرورة حرب وعمليات عسكرية جديدة، بحجة تدمير الأنفاق أو تأمين المنطقة العازلة من الإرهاب والمتسللين.

سيدفع جميع سكان مدن سيناء ثمن هذا التهجير أضعاف ما دفعوه من حصار وإفقار في الثلاث سنوات الماضية، لذلك طالبوا أن تتخذ إجراءات لكسر الحصار المفروض على سيناء، خاصة مع الإقصاء الإعلامي المتعمد لتدهور الحال هناك.

يعبرٌ اليوم سكان سيناء, من “رفح” إلى “القاهرة”, كما كان يعبرُ الفلسطينيون طوال تاريخ معاناتهم وحصارهم.. يلتقون في نفس النقاط والإستراحات في “رفح”, وينتظرون إجراءات مشابهة، فقد كانوا دائماً ما يلتقون بعد العبور الفلسطيني لمصر, لكن أصبح هناك أيضاً عبور من “رفح” إلى “مصر”.. أو تهجير ربما.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب