12 مارس، 2024 12:16 م
Search
Close this search box.

“طلعت حرب راجع” .. المصريون يحلمون بعودة الموتى لإنقاذ اقتصادهم !

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – رضا خليل :

من الطبيعي حنين أيً منا إلى اناس قد كان لهم آثر كبير في حياتنا، خاصة في لحظات الضعف والانكسار.

هذا الحنين لم يعد منحصراً علينا كأفراد.. فمع اشتداد الازمات علينا كأمم وشعوب عربية، أصبح البعض منا يحلم بعودة شخصيات تاريخية للحياة مرة آخرى لتخلصنا مما نحن فيه الآن.

وهذا ما يعيشه الشعب المصري حاليًا، فنتيجة لإستمرار تدهور الأحوال الإقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية، خاصة عقب قرار تعويم الجنيه في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، ونتيجة لهذه الظروف الصعبة أصبح المصريون يحلمون بمن يخلصهم من تلك المشاكل، حتى وإن كان من يحلمون به لقى منيته منذ عشرات السنين.

مفاجأة رجل الشارع بحملة دعائية “غامضة”..

تلك المفاجأة ظهرت في الحملة الإعلانية التي بدأت قبل أيام في شوارع العاصمة المصرية القاهرة تحت شعار “طلعت حرب راجع”، في إشارة إلى الإقتصادي المصري الشهير الذي  أسس “بنك مصر” في ظل الاحتلال الانكليزي لمصر عام 1920. حيث لم يكن انتشار هذه الحملة الواسعة، التي يمولها “بنك مصر” نتيجة لكثافة انتشارها في كافة ميادين وشوارع العاصمة المصرية، كون هذه الحملة سبقتها عدة حملات حكومية تهدف إلى تخفيف الغضب الشعبي من آثر القرارات الاقتصادية عبر نشر بعض الامال المزيفة، غير أن هذه الحملات لم تلقى نفس الاهتمام من الشارع المصري.

وعلى الرغم من التصميم الجيد لإعلانات الحملة، وتمتعها بعنصر التشويق، إذ انها اتسمت بالغموض في بادئ الأمر، حيث كانت دعايتها لا تحمل إلا صورة الاقتصادي المصري بجانب شعار الحملة الدعائية: “طلعت حرب راجع”.. وكل ذلك كان بمثابة عناصر فرعية لنجاح  الحملة، ولكن ليست السبب الرئيس في انتشارها وتحولها لمادة حوارية يتحدث عنها معظم فئات الشعب في نفس الوقت، بنفس الطريقة التي كانوا يتحدثون بها عن مباريات كرة القدم، فالسبب الرئيس لتحول هذه الحملة إلى حالة جدل شعبي هي أنها مست الشعور الجمعي المصري الذي بات واضحًا أن الاقتصاد والشؤون الإقتصادية أصبحت أهم أولياته في المرحلة الراهنة.

حملة ذات أهداف سياسية..

على الرغم من أن الاهداف التي أعلنت عنها هذه الحملة الدعائية تشمل المشروعات والخطط  التي يسعى “بنك مصر” إلى تنفيذها خلال الفترة المقبلة، غير أن هذه الحملة تتخفى وراء أهداف سياسية تتركز في محاولة إعطاء المصريين بعض الآمال المزيفة في انعاش اقتصادهم عبر برنامج “بنك” تمتلكه الدولة المصرية.

حيث أعلن القائمون على هذه الحملة أنها تسعى لتحقيق بعض الأهداف الرئيسة من خلال إعادة تجربة “طلعت باشا حرب” مؤسس “بنك مصر” بشكل مختلف ومفهوم جديد، وذلك اعتماداً على أهمية المصارف الوطنية في تأسيس وإقامة الشركات الجديدة التي يحتاج إليها الاقتصاد.

فيما اقتصر عدد الشركات التي يسعى البنك إلى انشاءها على شركتين فقط، الأولى متخصصة في التأجير التمويلي، والثانية للتمويل العقاري، إضافة إلى عقد بروتوكولات تقليدية لتبني الأفكار والاختراعات العلمية الجديدة في الجامعات المصرية، ليس بالتمويل فقط بل بالمساهمة في إقامتها وتحويلها إلى شركات ومشروعات حقيقية على أرض الواقع.

فيما حرصت الحملة الإعلانية على إبراز موضوعات “دعائية” كإعادة التذكير بإنجازات طلعت حرب، وشعارات دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تزعم الدولة والبنوك المصرية أنها تقدم الدعم لها منذ عشرات السنين، فيما تفيد التقارير الدولية أن مصر تحتضن أكبر عدد من الآثرياء العرب والإفريقيين، في إشارة واضحة على دعم الدولة لكبار رجال الأعمال على حساب صغار الصناع والتجار والطبقات الكادحة.

تجربة “طلعت حرب” مختلفة..

على الرغم من أن معظم شعارات الحملة مبنية على أقوال مأثورة لطلعت حرب باشا، غير أن بعض الاهداف التي تروج لها الحملة تسير عكس سياسة هذا الرجل الذي كان يسعى لتمصير  الاقتصاد المصري وتحريره من الاحتكار المصرفي والتجاري الأجنبي.

حيث يعتزم “بنك مصر” التخارج خلال الفترة المقبلة من أكثر من 160 شركة يمتلك بعضها منذ تأسيسه وشريك في بعضها الآخر، وهي السياسة التي تتعارض تماماً مع ما تروج له  الحملة، إذ أن هذه هي نفس سياسة الخصخصة التي تنتهجها الحكومات المصرية منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، والتي أدت إلى بيع مئات من المصانع والشركات المملوكة للدولة وأدت في النهاية إلى تشريد ملايين العمال.

ويأتي هذا الاتجاه تماشياً مع التوجه الحكومي وتوجه “البنك المركزي المصري”، حيث أنه  سيطرح الشركات الرابحة للبيع وذلك من خلال، طرحها في البورصة، أو عرضها على مستثمرين أجانب للحصول على عملة صعبة لدعم الاحتياطي النقدي للبلاد.

اعلانات مضللة للشعب.. 

بعد أن نجحت الحملة في جذب انتباه المصريين، قامت بعض الشركات العربية العملاقة باستغلال هذا النجاح عبر الترويج لمشروع “صندوق استثماري” ادعت ان عائده يصل إلى 26%، مستغلة “لوجو” – العلامة التجارية – “بنك مصر” صاحب الحملة في الاعلان كونه البنك الذي يتولى عملية الاكتتاب في هذا الصندوق.

وهو ما أضطر البنك إلى الإعلان عن ذلك خارج نطاق حملته، مبرزاً ان هذا العائد ليس مسؤولاً عنه وأنما المسؤولة هي “شركة النعيم” الخليجية، وانه عبارة عن عائد مستهدف وليس عائداً مضمونًا.

في النهاية.. لا شك أن حملة “طلعت حرب راجع”، لم تكن مجرد حملة إعلانية إقتصادية استطاعت ان تحقق نجاحاً غير معهود في الشارع المصري، لكنها باتت حدثًا كشف عن التغيير  الواضح في المزاج المصري، والذي انقلب على الأحداث الرياضية والدينية، وأصبح لا يهتم سوى بكل ما يتعلق بكسرة الخبز, لذا فنحن أمام منعطف جديد في الحياة السياسية المصرية والعربية، ستكشف الأيام القادمة عن مفاجآته.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب