20 أبريل، 2024 12:31 م
Search
Close this search box.

صُداع في رأس “القاهرة” .. تدويل أزمة حلايب وتقارب أميركي إثيوبي مع الخرطوم !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص – كتابات :

تصاعد النبرة الرسمية والشعبية السودانية باللجوء إلى التحكيم الدولي لاستعادة “مثلث حلايب وشلاتين” الحدودي الغني بالموارد في باطن أرضه وأمام سواحله البحرية مع مصر.. تقارب أميركي هو الأكبر مع السودان منذ العام 1983.. زيارات غاية في الودية بين قادة إثيوبيا والسودان.. كلها أمور تتابعها القاهرة بقلق وتعلم أن هناك ما يُحضر ربما لن يكون في صالحها !

على رأس الأزمات التي ظن المصريون أن سنوات الزمن كفيلة بإخفاء معالمها، دعوة سودانية للتحكيم الدولي وتوصيف للوجود المصري في “مثلث حلايب وشلاتين” بأنه احتلال.. يراها المصريون بأنها دعوة لا محل لها من الإعراب بشكل مطلق.

غاب الهدف القومي فطفت الخلافات على السطح !

إذ يصر الجيران الشماليون للسودان أن “مثلث حلايب وشلاتين”, مثلث مصري, وفقاً لاتفاقية 1899، وأن القاهرة تمارس سيادتها كاملة غير منقوصة عليه.

تعود الأزمة إذاً من جديد إلى السطح، إذ إن موقف مشابه وقع عام 1958 لمحاولة كيد – كما يصفها محللون مصريون – الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر”، لكن يبدو هذه المرة الأمر مختلف، إذ لا توجد القيادة السياسية التي كانت تعمل على توحيد الأفارقة للخروج من عباءة الاستعمار، ولا هدف قومي يتفق الجميع عليه.

هل تعتمد مصر على برقيات السفير البريطاني في الخمسينيات ؟

يتحدث المصريون عن برقيات بعث بها السفير البريطاني في الخرطوم خلال عام 1958، يقول في واحدة منها: إن “مصر تتمتع بوضع قانوني قوي طبقاً لاتفاقية 1899, ويمكن لها أن تكسب هذه القضية محل النزاع إذا عرضت على هيئة للتحكيم الدولي في محكمة العدل الدولية في لاهاي”.

الثابت أن القاهرة على طول الخط تصف الاتهامات السودانية بالإدعاءات الواهية وترفض الاعتراف بأي حق للسودان للسيادة على “مثلث حلايب”.

إذا كان الموقف المصري سليم لماذا ترفض القاهرة اللجوء إلى التحكيم الدولي ؟

يقول قائل.. إذا كان الموقف المصري سليم هكذا.. لماذا ترفض مصر إذًا التحكيم الدولي ؟!..

ويرد المصريون بأن الأمر أشبه بطلب مصر التحكيم الدولي حول أحقيتها في العاصمة السودانية الخرطوم !.. إذ لا يعقل أن تطلب دولة التحكيم في حق راسخ بحكم الجغرافيا والتاريخ.. هكذا تقول مصر.

ولأن هناك اتفاقية واضحة تحكم الحدود بين مصر والسودان, وهي خط 22 طبقاً لاتفاقية 1899، يصر إذاً المصريون على رأيهم !

بل يُبرر المصريون إدارة السودان للمثلث، بأن ما حدث مع هذه الاتفاقية أنه جرى تقسيم قبيلتي “العبابدة” و”البشرية”، فتم الاتفاق وقتها وبقرار من وزير الداخلية المصري على أن تتولى حكومة السودان, التي كانت تحت الوصاية المصرية البريطانية, تصريف الأمور في “حلايب” بشكل إداري بقرار إداري.

وأن السودان نفسه كان خاضعاً للحكم المصري.. وبالتالي يرى المصريون أنه لا حق له في طلب ضم أرض ليست أرضه !

للسودان رأي آخر !

لغة الوثائق والمستندات والتاريخ.. يتحدث بها المصريون، لكن للسودان رأي آخر !

إذ يقول السودانيون: “إذا كانت مصر تمتلك هذه الوثائق فعلاً.. فلماذا تخشى إذًا اللجوء إلى التحكيم الدولي ؟”.

“لماذا لا يحتكم الجميع إلى طرف ثالث, وهو المحكمة الدولية لتفض النزاع ؟”.

مصر ترى مؤامرة في التقارب السوداني الإثيوبي والخرطوم ترد !

يرى المصريون أن ما يفعله السودان بشأن “حلايب” ما هو إلا تغطية عن محاولة السودان الاتفاق مع إثيوبيا على حرمان مصر من حصتها المشروعة من مياه النيل !

نزاع قديم, وليس مربوطاً بأي قضايا أخرى, لا مياه ولا غيرها من الإدعاءات المصرية.. هكذا يأتي الرد السوداني !

فالمرة الأولى التي آثار فيها السودان هذا الأمر, كانت في شباط/فبراير 1958, عندما حاولت مصر إجراء انتخابات في “حلايب”، ما يعني أن الأزمة قديمة تم تأجيل حلها لعقود.. لكن لماذا الآن تخرج إلى العلن من جديد ؟!

الحُجج السودانية تقوم على مبدأ استعماري !

الحجة الأولى التي يسوقها السودان هي “مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة”، الذي أقرته منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963 ثم أقر في إعلان القاهرة عام 1964.

إذ إن المعروف أن القارة الإفريقية عندما استقلت في اواخر خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي، كانت هناك نزاعات حدودية كثيرة واتفق القادة الأفارقة جميعاً على أن الحدود التي ورثت من المستعمر على علتها ينبغي ألا تمس.

هكذا يعتمد السودان على هذا المبدأ الذي صدر من القاهرة, وليس من أي عاصمة أخرى، وبناء على هذا المبدأ فإن الحدود التي ورثت من المستعمر في إفريقيا كلها هي الحدود الموجودة اليوم، رغم احتجاج العديد من الدول على هذه الحدود !

حدود استعمارية اعترفت بها الأمم المتحدة.. فلماذا صمتت مصر إذًا طوال هذه السنوات ؟

يقول السودانيون إن الحدود التي ورثها السودان في الأول من كانون ثان/يناير عام 1956, عند استقلاله كانت تضم “حلايب” ونتوء “فرس”، وأودعت تلك الحدود لدى مضابط الأمم المتحدة واعترفت بها الأمم المتحدة.

وأن مصر كانت دولة مستقلة حينها ولم تعترض على تلك الحدود، رغم أنه كانت لدى مصر الفرصة للاعتراض، خاصة أنها كانت مشاركة في التحالف الذي كان يستعمر السودان !

وكان يمكن أن تعترض عليها عام 1963 بمنظمة الوحدة الإفريقية, وعام 1964 عندما صدر إعلان القاهرة.

مصر تتبع سياسة الأمر الواقع.. مبدأ وضع اليد الذي يمارسه تجار الأراضي !

في المقابل تتبع مصر سياسة “الأمر الواقع” على الأرض بوضع يدها على الأرض, مثلما يفعل تجار الأراضي الزراعية عندما يريدون إثبات ملكيتهم للأرض بحكم التاريخ.. فهل هناك جدوى الآن لدعوة السودان مصر للجوء إلى التحكيم الدولي، خاصة أن مصر لن توافق على ذلك ؟

لكن الرد السوداني يقول إن السودان استقل عام 1956, ومصر لم تضع يدها على “حلايب” إلا في العام 1992, وبسطت سيطرتها بالكامل على المنطقة عام 1995، ما يعني أن السودان ظل يدير “حلايب” لمدة 36 عاماً، لكن مردود على ذلك بأنه منذ 1992 إلى 2017 فمصر هي التي تدير لما يقرب من 25 عاماً !

تقارب أميركي سوداني عسكري مفاجيء !

على جانب آخر وفي أول خطوة من نوعها, منذ نحو 3 عقود, تلقت وزارة الدفاع السودانية دعوة لحضور تدريبات عسكرية مصرية أميركية تجرى في تشرين أول/أكتوبر 2017 تحت اسم مناورة “النجم الساطع”.

الدعوة جاءت عقب زيارة, قام بها في الأسبوع الثاني من آب/أغسطس 2017، إلى الخرطوم نائب قائد قوات أفريكوم “ألكسندر لاسكاريس”, حثهم فيها على انخراط الجيش السوداني مع الأميركي في مجالات التعاون على المستوى الإفريقي.

تصحيح خارطة طريق العلاقات بين الخرطوم وواشنطن

لم يفت رئيس أركان الجيش السوداني التأكيد, أثناء الزيارة, على تصحيح خارطة طريق العلاقات بين البلدين ورفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان.

عقوبات ارتأى الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” تمديدها تموز/يوليو عام 2017 لمدة 3 أشهر أخرى بذريعة حقوق إنسانية، بعد أن كان الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما” قد رفعها في آخر ولايته، مما علق حظراً على التجارة وحرر أصولاً سودانية كانت مجمدة وألغى عقوبات مالية.. فماذا إذاً تريد أميركا من السودان ؟

ماذا تريد أميركا من السودان ؟

سؤال يطرحه السودانيون بإلحاح، فجميع الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد منذ استقلاله عن الإنكليز لم تستطع أن تجد لها علاقة متوازنة مع واشنطن، فبين اللقاء أحيانًا والجفاء سنين طويلة، شهدت العلاقة أقساها وأقصاها توتراً بتصنيف الولايات المتحدة السودان بوصفه دولة راعية للإرهاب.

امتدت الأزمة قرابة 20 سنة، منذ قصف “مصنع الشفاء للأدوية” في الخرطوم العام 1998 بالصواريخ بدعوى أنه مصنع للأسلحة الكيماوية، مروراً بأزمة جنوب السودان حتى انفصاله ومعارك “دارفور”, التي تسببت في إحداث ماساة إنسانية واسعة النطاق.

عجلة التاريخ تدور.. تقارب عسكري وطلب غريب بالمشاركة في المناورات على أرض مصر !

تدور إذا عجلة التاريخ، تتحدث الدبلوماسية عن تقارب بين واشنطن والخرطوم، لتدعو أميركا جيش السودان للاشتراك في مناورة لها مع الجيش المصري.

تقارب غريب.. جيء به في وقت تشهد العلاقات بين السودان ومصر تأزماً غير مسبوق، ففي تشرين أول/أكتوبر عام 2016 وقع الرئيسان المصري “عبد الفتاح السيسي” والسوداني “عمر البشير” وثيقة شراكة استراتيجية بين البلدين.

لكن علاقة البلدين مالبثت أن تدهورت، إذ إن في الخلفية تنازع ملكية “مثلث حلايب” الحدودي, وتقييد سفر المصريين إلى السودان, وتباين مواقف البلدين من “سد النهضة” الإثيوبي – الذي ترى فيه مصر ضرراً على حصتها من مياه النيل.

العقوبات التي فُرضت على السودان جعلته ينظر لمصالحه ولتذهب مصر في طريقها !

السودان, الذي أثقلت كاهله العقوبات الاقتصادية, حريص على إنهاء التوتر على وفائه بتعهداته لمصر, ولأميركا مصلحة في كسب السودان إلى جانبها، فمسيرة التقارب قد تتجاوز الجانب العسكري إلى غيره من الملفات.

لكن ما المصلحة الأميركية التي طفت إلى السطح فجأة مع السودان.. لماذا تريد أميركا إعادة دمج الجيش السوداني في مناورات “النجم الساطع”, التي تجرى كل عامين بمشاركة 10 دول بخلاف المراقبين ؟

المشاركة في المناورات خطوة هل تتبعها خطوات أخرى ؟

بالتأكيد ستمنح المشاركة في المناورات ثقة كبيرة إلى السودان, ودفعة أكبر لتطوير علاقاته مع أميركا, بل ربما الانصياع لرغبات واشنطن في إقامة قاعدة عسكرية أميركية ضخمة على أراضيه، مقابل مساعدته على استعادة “مثلث حلايب وشلاتين” من مصر, لما فيه من موارد ضخمة داخل أراضيه تتمثل في الذهب والنفط, بحسب كثير من خبراء الجيولوجيا !

نعم على مصر أن تقلق من هذا التقارب المفاجيء بين واشنطن والخرطوم، إذ إن جميع المؤشرات ليست في صالح القاهرة، ويبدو أن هناك من قرر أن يُلاعب مصر من الجنوب ليسبب لنظامها صداعاً في الرأس بفرض مزيد من الضغوط على صناع القرار هناك !

فضلاً عن التقارب الأخير بين الخرطوم وأديس أبابا, وهو أيضاً ما يقلق مصر من اتفاق بين الإثنين يضر بمصالحها المائية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب