7 أبريل، 2024 2:34 م
Search
Close this search box.

تهجير “رفح” .. ذكرى مدينة الأشباح !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتب – عمر رياض :

تصدر خبر اقتطاع “حركة حماس” لجزء من الشريط الحدودي في رفح الفلسطينية بحجة التأمين, الأخبار القادمة من غزة الأسبوع الماضي.

وكانت “حماس” قد أعلنت أنها بدأت تسوية 100 متر بالعمق داخل القطاع, وبطول الحدود مع مصر من “معبر صلاح الدين” وحتى “معبر كرم أبو سالم”, من أجل المراقبة الأمنية للحدود متضمنة الأنفاق، وجاء ذلك في إطار مفاوضات تحدث بين “حماس” وبين حكومة “مصر” منذ عامين حول تأمين الحدود من التهريب وإغلاق الأنفاق.

وكانت محادثات الحكومتين توقفت بعد إعلان الطوارئ في سيناء عقب قتل عدد كبير من الجنود والضباط المصريين في قرية “كرم القواديس” الحدودية، واختلف الطرفين على عدة نقاط تتلخص في غلق معبر رفح بين مصر وقطاع غزة إلى أجل غير مسمى، والبدء في إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع قطاع غزة.

تأجيل محادثات تعزيز وقف إطلاق النار في غزة بين حماس وإسرائيل لأجل غير مسمى.

وسبق لمصر وأعلنت حالة الطوارئ, وقتها وبدأت في تشكيل قيادة أمنية موحدة لإدارة العمليات في منطقة شرق قناة السويس ومكافحة الإرهاب بقيادة الفريق “أسامة عسكر”.

بدأت جرافات تابعة لحركة حماس منذ أيام قليلة في العمل لتجهيز هذه المساحة, وهدم ما تبقى من منازل سكان رفح الفلسطينية وسط سخط من أهالي المنطقة، حيث كانت المنطقة تشهد كثافة سكانية قبل عملية سابقة لإغراق الأنفاق بمعرفة حكومات الجانبين، مما تسبب في هدم عدد آخر من المنازل وتشريد السكان.

تاريخ رفح..

حتى وقت قريب كانت “مدينة رفح” نقطة الوصل بين مصر وفلسطين.

وتعد “مدينة رفح” الفلسطينية من أهم المدن القديمة في التاريخ، والدليل على ذلك أنها كانت معروفةً منذ القدم بنفس الأسم تقريباً، كما أنّ أراضيها شَهدت العديد من الأحداث المهمة، وخاصةً الأحداث الحربية، من هنا جاءت أهميتها التاريخية، وتعتبر “مدينة رفح” نقطة الوصل البرية بين القارتين: آسيا، وإفريقيا، لذلك استُغلت عبر التاريخ، ومن أمثلة استغلالها الطريق الطويل والمهم الذي أقامه العثمانيون، والذي يصل بين بلاد الشام ومصر.

خضعت “رفح” للإنتداب البريطاني، وفي عام 1948، تمكن الجيش المصري أن يسيطر عليها، وفي عام 1956 احتلها الصهاينة، حتى تعود مرةً أخرى إلى المصريين, حيث بقيت تحت حكمهم حتى جاء عام النكسة في عام 1967، حيث خضعت مرةً أخرى لحكم الصهاينة، وبعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”، عادت صحراء سيناء إلى مصر، فوضعت الحدود بين رفح سيناء، وبين باقي مناطق المدينة.

حتى وقت قريب لا يتعدى العشر سنوات – قبل الإنسحاب الإسرائيلي من غزة – كان سكان رفح  في فلسطين يمكنهم التحدث لأصدقاء وأقرباء من سكان رفح المصرية، بلا هاتف، لأن الأمر كان لا يتعدى حديث لجارين يحملون ثقافة ولهجة منطقة واحدة, وضع بينهم “السلك الشائك”، فلم يكن التقسيم أكثر من “سلك شائك” لا يحجز صوت أو إشارات السكان لبعضهم البعض من الجانبين، حتى نقاط المراقبة الإسرائيلية على الحدود وقتها – قبل انسحاب إسرائيل من غزة – لم تكن تستطيع وقف القادمين إلى السلك الحدودي في إنتظار اصدقاء الجانب الآخر.

تم تهجير سكان “رفح المصرية” بقرار مفاجئ على عدة مراحل, حتى وصلت إلى ذروتها في منتصف تموز/يوليو 2015, لتخلوا المنطقة من سكانها لأول مرة, ربما عبر التاريخ والحروب التي مرت.

صورة مزارع الزيتون الشهيرة المجرفة، وصورة المنازل المهدومة بالتفجير بعد الإخلاء ستظل من أكثر الصور الحزينة في الذاكرة.

أيضاً مشهد المهجرين في عام 2015, هو الأقسى على مدار سنوات عادت فيها سيناء من إحتلال إسرائيل العسكري.

سكان بسطاء من مدينة رفح يسيرون يملؤون شوارع مدينة العريش “العاصمة” – وهي أخر مدينة تواجه الحرب اليوم في المنطقة المنكوبة – يوم بدأت عملية التهجير, بعد أن حمل بعضهم أغراضه البسيطة, واضطر الكثير منهم إلى ترك كل ما يمتلك من أثاث واغراض لأنه لا يمتلك ثمن نقلها أو ليهرب من مصير البقاء في العراء بعد انتزاع بيته أو أرضه.

أسر صغيرة بعضها ينتمي إلى قبائل هم معظم سكان رفح, والبعض الآخر هم سكان جاءوا لرفح من بعد “التحرير عام 1973” للعمل واصبحوا من ضمن أهلها أيضاً.

كان عدد من الشباب المتطوعين لمساعدة المهجرين يطالبون السكان في العاصمة بفتح منازلهم أو غرف المعيشة, التي لا يحتاجون إليها, ليقضي فيها أهل رفح ليلتهم الأولى، بعد أن اهملت المحافظة حتى ترتيب إجراءات تسكينهم.

التهجير ومبرراته..

واجه قرار تهجير سكان رفح المصرية إنتقادات واسعة في مصر، كما واجه قرار إخلاء جزء من رفح الفلسطينية, مؤخراً, إنتقادات لحماس كالعمل لمصلحتها فقط.

وكانت المبررات التي تستند إليها تلك القرارات هي “الإرهاب” وضبط الحدود وإغلاق الأنفاق.

إلا أن جميع المبررات التي كانت تسوقها الحكومات, في الجانبين, كانت مبررات ضعيفة واهية, والدليل هو استمرار الحرب وتطورها دون جدوى منذ عامين، رغم التصريحات المتكررة من القيادات العسكرية التي تفيد بأنها لن تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر.

شهدت المنطقة تاريخاً من التهميش والإقصاء والقمع لأربعين عام على الأقل, منذ الإتفاق مع إسرائيل على التقسيم.

ربما كان ذلك سبباً في إستغلال مجموعات مسلحة للمنطقة, ظلت تكبر تحت الرقابة الأمنية حتى خرجت عن السيطرة، لدرجة أصبحت فيها أسواق التجارة والتهريب مكشوفة للجميع.

وصارت أسامى تلك الأسواق, مثل سوق “المصب”, تخضع لنفوذ تلك المجموعات.

جاءت الحكومات لتغذي فكرة التشويه لسكان القرى والمدن الحدودية بالأخص.

واستخدمت “البروباغندا” لتدعم فكرة أن المنطقة منبع الإرهاب “البدوي الصحرواي”، لتغطي على فشل كل خطط التنمية التي كانت تقترحها شفهياً منذ التقسيم.

لم يكتمل مشروع تنموي في سيناء, وفي رفح على الأخص, طوال عقود مضت.

وخرجت بعد ثورة (كانون أول) يناير في مصر أصوات ومسيرات تطالب بإعاده النظر في المنطقة, ولكن لم يكن حياة لمن تنادي.

كُشفت المنطقة الشرقية من غطائها السكاني, ومازالت المدن تلو الأخرى تدفع ثمن مثل تلك القرارات, وربما تصبح مدينة “العريش” هي المدينة القادمة بعد هجرة عدد كبير من سكانها أيضاً, بسبب إخلاء المساحات المحيطة واعلانها ميادين لعمليات عسكرية.

ويدفع السكان هناك الثمن مرتين، ثمن الإهمال والتهميش وثمن الزج بالمدنين في الحرب, يحدث هذا أيضاً وسط إشتغال الإعلام بصب الإتهامات بالخيانة والعمالة لهم.

في العام الماضي اعلنت الحكومة المصرية عن عودة عدد قليل من السكان لمناطق قليلة في “رفح”, إلا انها مناطق مازالت تحت وطأة الحرب والحصار، مناطق بلا مياه أو كهرباء كأنها مناطق في مدينة أشباح.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب