10 أبريل، 2024 7:37 م
Search
Close this search box.

تكشف الكثير .. جولة في أسواق الصحراء “السيناوية”

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – عمر رياض :

في يوم الإثنين من كل أسبوع، كان يسهل على المارة بالطريق الدولي الساحلي في مدينة العريش المصرية تمييز القادمين من أسواق الشيخ زويد، حيث كانت سيارات نصف نقل من نوع “بيغو” و”تيوتا” السبعينيات تقطع مسافة 40 كيلو متر من أقصى شرق شمال سيناء، لتصل إلى مدينة العريش العاصمة، لتفرغ عدد قليل من الأقفاص والأجولة وربما عدد قليل من الأغنام لشخص اعتاد الذهاب من العريش العاصمة إلى “سوق السبت” في رفح للتبضع.

في معظم مدن شمال سيناء إعتاد بعض السكان على متابعة الأسواق الأسبوعية حتى تلك التي تقام خارج نطاق مدنهم، على حسب ترتيبها الزمني، وهي تبدأ بسوق السبت في رفح وتنتهي بسوق الخميس في العريش وقد يقطع بعضهم عشرات الكيلو مترات من مدينة إلى مدينة من أجل التسوق أو للمتابعة والمعرفة، ليس فقط من أجل الأسعار, لكن لتنوع المنتجات المعروضة ونقائها وندرتها واختلافها عن شبيهتها المعروضة في الأسواق اليومية في نفس المدن من حيث المذاق والوصف، وفي كل مدينة تورث الأجيال أسرار شراء وبيع تلك السلع وأماكن جلبها من الصحراء التي تمثل معظم شبه جزيرة سيناء، وفي هذه الأسواق كانت تنشأ علاقات اقتصادية بين تجار الحضر “المدينة” وتجار البادية وقد يتحول بعض الزبائن الشطار إلى باعة من حين لآخر حسب متطلبات السوق.

على حسب ما يذكر سكان من عدة مدن في شمال سيناء ان أشهر أسواق شمال سيناء هي سوق السبت في رفح، وسوق الاحد في نخل وسوق الإثنين في قرية الجورة وسوق الثلاثاء في الشيخ زويد، وسوق الأربعاء في بئر العبد، وسوق الخميس في العريش, ويقطع اسواق المدن الكبيرة اسواق تقام في قرى وتجمعات صحراوية قريبة مثل سوق الأحد في قرية أبو طويلة، وسوق قرى البرث والماسورة الحدوية ويشارك فيها التجار من التجمعات الصحراوية وهو ما يمنحها عامل الجذب لمحترفي الأسواق.

رفح “سوق السبت”..

يعود تاريخ “سوق السبت” في رفح إلى بداية 1900، حيث كان مخصصاً لتبادل البضائع ما بين سيناء في مصر وفلسطين، ولكن بعد الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1967 أصبح السوق مخصصاً لتبادل البضائع بين محافظات القطاع مع ﺗﻤﻴﺰﻫﺎ ﺑﺎﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ. ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻢ ﺟﻠﺒﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻌﺒﺮ ﺭﻓﺢ ﺍﻟﺒﺮﻱ، هذه المعلومة التى يؤكدها عدد من الباحثين وافلام قليلة وثقت لتلك المنطقة، لكن التغيرات التي وقعت مع مرور الزمن كان لها آثر في الحياة الإجتماعية عبر الأجيال.

منذ ذلك الوقت وعلى الجانب الغربي من “السلك” اتخذ سكان رفح المصرية يوم السبت يوماً للسوق، بنفس الاسم أيضاً، كامتداد للسوق القديمة.

لا يبتعد سوق رفح عن (معبر صلاح الدين) أشهر بوابات مصر الشرقية، ورغم التقسيم الأخير – منذ كامب ديفيد – لرفح إلى فلسطينية ومصرية، ظلت عادات وطريقة حياة سكان رفح في الجانبين كما هي تقريباً، لانتماء عدد من السكان في الجانبين لعائلة أو قبيلة واحدة ولطريقة عيش مشترك.

لذلك ظل عدد كبير من الباعة والتجار الصغار يعملون في نقل البضائع عبر بوابات المعابر أو مساحات لم تكن تحت الرقابة بطول “السلك” الحدودي، ويذكر أرشيف النزاعات القضائية المصرية سجن العديد من هؤلاء التجار خاصة الاطفال بتهمة خرق الحدود وانفق بعضهم سنوات في سجون اسرائيلية.

كانت التوابل والمكسرات كاللوز والبندق والزيوت والصابون بأنواعها وأشكالها المختلفة أكثر ما يميز بضائع سوق رفح، بالإضافة لذلك كانت توجد أنواع من القهوة الشامية واللبن المجفف والسجائر المستوردة، أيضاً كان السوق مازال يحتفظ  بعدد كبير من باعة الملابس المستوردة، إلا ان بعض السلع كانت تختفي بسبب التضييق على دخولها من المعابر، لذلك بدأ السوق يأخذ نمطاً تقليدياً وفق متطلبات المدن في سيناء وبقى ما نقل من خبرات فقط وطبيعة المكان ليجعله مستمر.

تسيطر المرأة السيناوية على جزء أساسي من السوق، لتحصل منه على ما ينقص من الغذاء وتأتي الخضروات كالطماطم والكوسة خاصة المزروعة على الأمطار في اول القائمة، وتختص البادية ببعض الخضروات مثل “العجر”، وهو فصيلة تشبه البطيخ لكن للطبخ، والباذنجان لعمل أكلات شهيرة ثم تأتي أعشاب الدواء والزيوت والطحين بجانب الخضار، وهي من منتجات المراعي الطبيعية التي تهبط من الجبال وتنضج مع سيل أودية صحراء شمال سيناء وغزة والنقب، وربما لحق ذلك قليل من السلع المهربة من مصانع رأس المال الاسرائيلي مثل الملابس والصابون.

يقول المثل البدوي “الرجل وتد البيت والمرأة وتكته”، ويعني أن الرجل هو عمود المنتصف في الخيمة أو “الخص” أو “بيت الشعر”، وهي أسماء للبيوت البدوية، بينما المرأة هي مجموع الأعمدة الصغيرة التي تمسك بأطراف هذا البيت.

لذلك فإن السوق يقسم سواء من حيث السلع والعمل بين الرجل والمرأة، فتأتي الأثواب والمفروشات ولوازمها ضمن الإحتياجات الأساسية للمرأة قبل الرجل، لذلك كانت مساحة هامة في السوق تعرض منتجات من الغزل “بكر الأصواف الذي يصنع منه الأثواب والمفروشات وكمالياتها التي تصنعها السيدات بأنفسهن، ايضاً “السراويل والغطرة” أو غطاء الرأس الشهير عند البدوي المصري والفلسطيني معاً.

في ركن من أركان السوق يجلس عدد من السيدات البدويات بعد أن وضعن بعض من الأثواب ولوازمها في صف معتاد، ويعتبر ركن هام من السوق ومع الغروب تأتي سيارات نقل أو عربات “الكارو” لتعود بما تبقى من البضائع بعد يوم البيع والشراء إلى الديار، ولا يخلو السوق أيضاً من لوازم الهجين أو ما يلزم الناقة وراعيها.

سوق نخل “الاحد”..

كلما ارتفعت الجبال كلما دل ذلك على نقاء وندرة المنتجات والسلالات التي تنتجها أسواقها، وفق هذه القاعدة كان يعمل تجار الأغنام والتي تزدهر تجارتها مع الأعياد واحتفالات الزواج.

ما يميز “مدينة نخل” وقراها هي الطبيعة الصخرية التي تجمع مياه الامطار، حيث توجد المياه الطبيعية للأمطار، نظراً لموقعها في منتصف شبه جزيرة سيناء تقريباً، فتبدأ التضاريس في التحول من الطبيعة السهلية – طبيعة ساحل البحر الرملية – إلى الصخرية الجبلية الجافة، وفي الحياة الجافة يعتمد الإنتاج على المصادر الطبيعية.

لوقت تجاوز 40 عام، ظلت الأسواق الصحراوية نقاط تجميع لمنتجات ربما لم تشهدها اسواق في مناطق آخرى في مصر بسبب الأنواع والسلالات التي تنتجها تلك الطبيعة.

يقول “عز عابد” أن المناطق الجبلية مراعيها التي لا تصلها أعلاف صناعية أو حتى غذاء الوادي والدلتا ويعتمد السكان فيها على المرعى الطبيعي الذي يأتي من الأمطار ومسار السيل وتجمعاته، لذلك يمكن ان ترى الكثير من سكان البادية، يعرضون أنواع من الأغنام والجمال أيضاً تختلف عن تلك التي يأتي بها تجار الوادي والدلتا.

كما أن هناك تنوع بين السلات فيوجد (الشامي) اشهر سلالات الصحراء وهو هجين سوري سيناوي، توجد مراعيه بالقرب من رفح والشيخ زويد، بالاضافة إلى الأغنام (العجمي) وهي من المرعى الطبيعي في صحراء غزة، وبجانبه يوجد ايضاً (العساف) وهو سلالة إسرائيلي أو هجين معامل (إسرائيل) لكنه اصبح لدى الراعي البدوي منذ زمن، أيضاً (الإفريقي والمارينو).

ويضيف “عابد” أن صحراء سيناء كانت ممتدة دون تقسيمات حتى وقت قريب إلا ان بعض المنتجات الصحراوية تلك اختفت بسبب التقسيم والإحتلال.

حيث كانت المراعي تمتد أيضاً من وادي الأزارق في شمال سيناء إلى وادي الترابين في غزة،  يسير الراعي معها طوال رحلته في البحث عن مصادر المياه والعشب.

السوق من التاريخ للتهجير..

“معبر الريسة” الحي الأجمل ضمن احياء العريش، والمصنف دولياً من حيث النقاء، وهو عبارة عن شاطئ في الطرف الشرقي من العريش أطلق عليه “المعبر” بعد أن أغلق بتمركزات أمنية منذ ثلاث أعوام ومنذ إعلان الحرب ضد المسلحين.

حيث كان الممر الوحيد لنقل البضائع والمرور من مدن الشرق “الشيخ زويد ورفح” إلى الغرب “العريش وبئر العبد” والعكس.

أيضاً اختفت أسواق بأكملها بعد قرار التهجير وبعد فرض الحظر على مدن شرق سيناء.

منذ أربعة أعوام ومع بدء اشتباكات بين المسلحين والامن أو الجيش، كان التجار “يشردون” من الإقتتال ويضطرون إلى الانتقال لسوق الـ(الصفا) بالشيخ زويد وأسواق أخرى لأنها الاقرب والأكثر آماناً، وفي ذات الوقت كان المسلحين يشردون إلى جبال أطلق عليها السكان “جبال الشراد” بمناطق الوسط دون تسيمة لجبل بعينة، إلا أن السوق ظل يعمل بطاقة عشرين بالمئة قبل ان يتوقف تماماً، على حسب ما يؤكد التجار.

أسواق الشيخ زويد تبدأ “بالجورة” يوم “الإثنين”..

في شهري آذار/مارس ونيسان/ابريل، تنضج ثمار الخوخ والكانتلوب يملأ (الكفوف)، الممتدة  في مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية.

يحكي “عبد الله الترابين”، مزارع، قصته: “منذ سبعين عام وتلك المساحات تزرع على الأمطار بالإضافة لأنها تنتج أعشاب ونباتات في الجبال دون زراعة أو فلاحة وتدخل في الكثير من الصناعات أهمها الادوية، وهنا 140 نبات أو عشب صحراوي مسجل في جداول الصيدلة لا ينتجه اي مكان آخر بسبب طبيعة الصحراء والجبال”.

تعد اسواق “أبو طويلة” و”الماسورة” و”الشيخ”، نقطة إلتقاء لكل القادمين ببضاعتهم، من القرى أو التجمعات الصحراوية والجبال والوديان، كما ينتقل بعضهم للمشاركة في اسواق مدن آخرى أو تجمعات أقرب للمدن مثل “سوق الجورة” جنوب الشيخ زويد الذي كان يقام يوم الإثنين من كل أسبوع، ويربط بين تجمعات صحراوية في مدينتى رفح والشيخ زويد..

بالقرب من مدينة الشيخ زويد يقع مطار الجورة، واشتهرت المنطقة بتمركزات وحدات حفظ السلام من بعد “كامب ديفيد”، لذلك كانت الجورة تضم نوعين من الأسواق أحدهم كان يبدأ يوم الإثنين خاص بتجميع منجات القرى والتجمعات الصحراوية، اما السوق الآخرى فكانت تسمى “الرابش” لبيع مخلفات وحدات حفظ السلام الدولي بعد أن يشتريها تجار كبار جملة.

وتنتج أراضي “الشيخ زويد” كل ما ينتجه المرعى من فيض السيول والأمطار، أيضاً كان السوق يلبي إحتياجات أسواق مدن الشرق من العريش وصولاً لمدينة الإسماعيلية من البذور والأعشاب.

أما الفاكهة والخضروات مثل “الخوخ والكانتلوب”، فكانت تشتهر بها أسواق المدينة في معظم محافظات مصر.

منذ الحظر انخفض انتاج تلك الأسواق بنسبة تجاوزت 75% بسبب اغلاق الطرق.

سوق “الاربعاء” كان يقام في قلعة عمرو..

أسمه الشعبي “سوق الخميس”، لانه يستمر ليومين، العطارة والاعشاب الصحراوية جزء أساسي من سوق الخميس، بالإضافة إلى التبغ العربى، والبذور، إلا ان الطبيعة المدنية للعريش كانت تفرض عليه طابع أسواق عواصم المحافظات، إلا ان ما تبقى من تلك التجارة قليل، بسبب صعوبة نقل التجار لها من أماكن انتاجها كما كان يحدث قبل سنوات، وأدى ذلك لانخفاضها كما يوكد عدد من التجار بنسبة 80%، ويذكر البعض من كبار التجار ان البذور كانت تنقل على الجمال إلى العريش قبل عشرات الأعوام من الآن.

تتقاطع الاسواق ايضاً في أيام الأسبوع، بحيث يقام سوق في شرق العريش في نفس الوقت الذي يقام فيه سوق آخر في غرب المدينة المعزولة، ورغم تخفيف عدد ساعات الحظر فإن اسواق أخرى لمنتجات الصحراء في شرق العريش كـ(سلمانة وبئر العبد) تشترك فيها الكثير من البضائع مع أسواق الغرب المفروض عليه الحظر.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب