4 مارس، 2024 7:07 م
Search
Close this search box.

ترصده عيون إسرائيلية .. صراع الفصحى واللغات الأجنبية في دول المغرب العربي

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – سعد عبد العزيز :

تمثل اللغة في الدول المغاربية قضية اجتماعية – سياسية شائكة للغاية. حيث تُفضل النخب الحفاظ على الفرنسية كلغة أساسية, كما تتعاون النُخب مع الأقليات كي تدعم استخدام اللهجات العامية، وفي المقابل فإن الإسلاميين يفضلون استخدام العربية الفصحى. وفي إطار هذا الصراع الثقافي نشر موقع “منتدى التفكير الإقليمي” العبري مقالاً للكاتبة الإسرائيلية “أيليت ليفي” تطرقت فيه إلى تلك القضية.

توتر بين العامية والفصحى يؤدي إلى توتر مجتمعي..

توضح الكاتبة الإسرائيلية في بداية مقالها التحليلي انه “في بداية العام الدراسي الأخير ثارت هناك ضجة شعبية كبرى في الجزائر, بعدما قامت إحدى المعلمات في مدرسة للتعليم الأساسي, بنشر فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي. ووعدت تلك المدرسة التي ترتدي الحجاب، ألا تتحدث مع تلاميذها إلا باللغة العربية باعتبارها “أغنى لغة في العالم” ولأنها على حد زعمها  هي “لغة أهل الجنة”. ولقد انتشر ذلك الفيديو بسرعة فائقة وحاز نسبة إعجاب عالية. وصادف ذلك نشر تقارير إعلامية حول سعي وزيرة التربية والتعليم الجزائرية، التي تنتمي للمؤسسة العلمانية، لتقليص مناهج التربية الإسلامية والحد من التدريس باللغة العربية الفصحى وتشجيع التدريس باللهجات العامية, إلى جانب تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية”.

ويُعد هذا الحدث – بحسب قول الكاتبة – مثالاً على أن اللغة باتت تمثل قضية سياسية – اجتماعية شائكة في بلدان المغرب العربي. فهناك صعوبة في تكييف اللغة العربية مع احتياجات المؤسسات التعليمية والحكومية في العصر الحديث، إضافة إلى وجود توتر دائم بين اللغة العربية الفصحى واللهجات العامية المختلفة. وفضلاً عن هذا, هناك أيضاً توتر بين الأغلبية الناطقة باللغة العربية وطبقة النخبة التي تتحدث اللغة الفرنسية وتحافظ على مكانتها بين الدوائر السياسية والاقتصادية والأكاديمية طيلة عقود بعد سقوط الاستعمار. وهناك مشكلة أخرى بين الغالبية العربية والأقليات التي تتحدث لهجات بربرية/أمازيغية وتطالب دول المنطقة بالاعتراف بلغاتها وثقافاتها الخاصة.

حركات التعريب التحررية وأسلمة المجتمعات..

تضيف الكاتبة “أيليت ليفي” أن بلدان المغرب العربي، التي حصلت على استقلالها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي قد انتهجت في بداية الأمر سياسة “التعريب” لدعم العربية كلغة الدولة الأساسية ولتحقيق التقارب مع الدول العربية بهدف الانفصال عن التراث الاستعماري. وكان هذا التوجه واضحاً بشكل خاص في الجزائر، التي استعارت المعلمين من “مصر والعراق” بسبب نقص الكوادر المحلية المؤهلة. لكن ذلك التوجه قد ثبت فشله في نهاية الأمر. لأن الفرنسية لم تندثر بل ظلت قائمة كلغة رئيسة. فيما أدت عملية التعريب إلى أسلمة الطبقة المتوسطة والدنيا, نظراً لأن كثيراً من المدرسين القادمين من الدول العربية كانوا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، فتسببوا في ظهور حركات إسلامية محلية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وخلقوا موجة التطرف الديني التي أشعلت الحرب الأهلية في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي.

وترى الكاتبة الإسرائيلية أن العربية تُعتبر اليوم هي اللغة الرسمية الأولى بنص دساتير دول المغرب العربي، لكن المؤسسة الرسمية والنخب هناك تحاول الحد من تأثيرها, أو على الأقل تفضيل اللغات العامية عليها، إلى جانب استخدام اللغة الفرنسية باعتبارها “لغة التقدم والرقي”. وكما هو الحال مع وزيرة التعليم الجزائرية، فقد أعرب أيضاً وزير التعليم المغربي في قت سابق عن دعمه لتدريس التخصصات العلمية باللغة الفرنسية، بل إنه في أحد تصريحاته إلى وسائل الإعلام رفض التعليق باللغة العربية على أساس أنه لا يتكلم بتلك اللغة. وهناك رجل إعلانات معروفة في المملكة، والذي يتفق مع الوزير في الرأي، قد أصدر مؤخراً قاموس هو الأول من نوعه بـ”الدارجة”: وهي إحدى اللَّهجات السائدة في شمال إفريقيا، للتيسير على تلاميذ المؤسسة التعليمية كي يدرسوا بلغتهم الأم، على حد قوله.

مقاومة من الحركات الإسلامية والأصولية..

تؤكد أيليت ليفي على أن تلك التحركات تلقى معارضة وانتقاداً لاسيما من قبل أعضاء الحركات الإسلامية – مثل “العدالة والتنمية” في المغرب و”حركة مجتمع السلم” في الجزائر. فهؤلاء يعتبرون أنفسهم حُماة العربية الفصحى، “لغة القرآن والشعر”، ويعتبرون العربية هي المكون الرئيس للهوية القومية وهي التي تساعد على التواصل بين شعوب المنطقة. كما يعتبرون أن تشجيع الفرنسية والـ”دارجة” امتدادا للموروث الاستعماري، أو كما وصف ذلك، “رئيس اتحاد علماء الدين الجزائريين” بقوله: “لقد طردنا المستعمر الذي حاول أن يسلب أرضنا ويمحو تاريخنا، لكننا نحافظ على لغته ونسعى لنشرها”.

وتوضح الكاتبة الإسرائيلية في النهاية أن هناك في الوقت نفسه، عديد من الجهات في الدول المغاربية تشكو من أن الاعتماد على اللغة الفرنسية تحديداً هو ما يعوق الاندماج في ربوع العالم، لأن اللغة الفرنسية أصبحت في تراجع وانحسار مقارنة بلغات دولية أخرى مثل الإنكليزية والأسبانية والصينية. وها هو وزير التربية التونسي، على سبيل المثال، قد أعلن مؤخراً أنه في ظل الإصلاحات التعليمية في بلاده ستصبح الإنكليزية هي اللغة الثانية بدلاً من الفرنسية. وأدى ذلك إلى احتجاج السفير الفرنسي في تونس، الذي قال إن احتجاجه جعل الوزير التونسي يتراجع عن رأيه بل ووعد بالحفاظ على الوضع الراهن للغة الفرنسية في تونس. ويدل ذلك على النفوذ السياسي والثقافي الكبير الذي لا زال لفرنسا في المنطقة حتى اليوم.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب