12 مارس، 2024 6:06 ص
Search
Close this search box.

بعد خطابه الناري .. الكاسب والخاسر في مغامرة “ترامب” مع إيران !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتب – سعد عبد العزيز :

بخطاب الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، الذي ألقاه من البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي ضد الاتفاق النووي مع إيران, دخلت العلاقات بين البلدين منعطفاً خطيراً يتسم بالتوتر ويُنذر بالتصعيد. حيث ساق “ترامب” في خطابه حيثيات عديدة تدين إيران بالإرهاب، وبالسعي لضرب الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط. وصاغ “ترامب” استراتيجيته الجديدة للتعامل مع إيران وبرنامجها النووي, ولم يصدق على الاتفاق النووي، وبذلك فقد ألغى أي أمل بأن يكون هذا الاتفاق أساساً لعلاقة أميركية – إيرانية.

ولقد وجه “ترامب” كلمات نارية وكأنه أعلن الحرب على إيران معتبراً أن الشيطان يقطن في طهران، وأكد خلافاً لمواقف مستشاريه على أنه إذا لم يفرض الكونغرس عقوبات جديدة فإن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي دون تردد، وأوضح أن من صلاحياته أن يفعل ذلك في أي وقت.

وحتى يُقنع الأميركيين بمزاعمه أخذ “ترامب” يُعدد مساوئ النظام الإيراني وجرائمه. وبالطبع فإن النظام الإيراني ليس مثالياً؛ بل إنه نظام يقوم على البطش والقسوة, وهذا هو السبب تحديداً في أن “أوباما” وخمسة من القوى العظمى الأخرى أدركوا أنه من الأفضل التحاور مع “الشيطان” لمنعه من امتلاك أسلحة نووية، وعدم السماح له بتصنيع أسلحة دمار شامل، مثل “كوريا الشمالية”.

استراتيجية “ترامب” بين مؤيد ومُعارض..

كثير من الأطراف تعارض سياسة “ترامب” المتشددة تجاه إيران وأبرزهم: “روسيا والصين والاتحاد الأوروبي” وبعض الأميركيين. فرد طهران الرسمي يؤكد على إن الاتفاق النووي هو وثيقة دولية صادق عليها مجلس الأمن والأمم المتحدة بقرار رقم 2231، ولذا لا يمكن إلغاء الاتفاق أو تعديله. وهددت طهران بالعودة لتطوير برنامجها النووي إذا لم تحترم واشنطن ذلك الاتفاق.

ولقد أصدر السيناتور الأميركي “بن كاردين” – عضو لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس – بياناً للصحافيين قال فيه، إن سياسة “ترامب” تمثل خطراً على الأمن القومي الأميركي، مضيفاً أنه ينبغي على واشنطن أن تدعم الاتفاق النووي مع إيران وأن تلتزم بكل بنوده. كما طالب الكونغرس, بحزبيه “الجمهوري” و”الديمقراطي”, بأن يُظهر للعالم أن الحزبين يؤيدان وفاء الولايات المتحدة بجميع تعهداتها وإلتزاماتها بما في ذلك الاتفاق النووي. كما أن الديمقراطيين الذين يخشون على تراث الرئيس “أوباما” يعارضون، كما هو متوقع، تلك الاستراتيجية التي وضعها “ترامب”. كما يعارضها كذلك كل من روسيا والاتحاد الأوروبي الذين رعوا الاتفاق. حيث تخشى روسيا ومعها الاتحاد الاوروبي من أن يتهور الإيرانيون وينسحبوا من الاتفاق النووي بسبب الاستراتيجية التي تبناها “ترامب”.

أما المؤيدون لموقف “ترامب”، فهم المسؤولون في إسرائيل والدول العربية. حيث أعلن “بنيامين نتنياهو” تأييدة لخطاب “ترامب” المتشدد ضد إيران، وقال إنه إذا لم يتم مراجعة الاتفاق النووي فإن إيران التي تُعد أكبر داعمة للإرهاب ستمتلك سلاحاً نووياً خلال بضعة سنوات. وأكد على أن “ترامب” أوجد فرصة مواتية لتعديل الاتفاق وإضعاف إيران, ولذا فإن إسرائيل ترحب بموقف “ترامب” وتدعو جميع الدول التي تهتم بالأمن والسلم العالميين للترحيب بالموقف الأميركي. ومن الطبيعي أن تلك الاستراتيجية الجديدة تلقى قبولاً شديداً من الجمهوريين بما فيهم السيناتور “جون ماكين”، الذي يوصف بأنه “الرجل الرزين” في الحزب الجمهوري.

ويرى المحللون أن “المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات المتحدة” تدعم خطاب “ترامب” واستراتيجيته المتشددة ضد طهران, ويرجع ذلك في الأساس للصراع المذهبي بين السنة والشيعة.

الإسرائيليون مُجبرون على دعم “ترامب”..

يقول المحلل الإسرائيلي “أودي سيغل”، إن الشعب الإسرائيلي مُجبر على دعم نزوات الرئيس “ترامب” من أجل تحقيق أهداف إسرائيل الإقليمية, والرد الإيراني الغاضب يعني أن الأمر ليس سهلاً على طهران. ويضيف “سيغل” بأن الإسرائيليين مُجبرون على دعم “ترامب” شاءوا أم أبوا, لأنه ليس هناك صديق أفضل لإسرائيل من الرئيس الأميركي. فهو “يمنع إدانة إسرائيل في الأمم المتحدة، ويُحبط المقاطعة والعقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي، ويخفف من حدة التصريحات العربية المتشددة تجاه إسرائيل، ويتعهد بتقديم المساعدات المستمرة للدولة العبرية”. لذا لا يجرؤ الإسرائيليون على انتقاد “ترامب” علانية لأنه كُتب عليهم أن يدعموا جميع أهدافه الاستراتيجية.

ولكن الذي شذ عن القاعدة هو الوزير الإسرائيلي “زئيف ألكين”، الذي قال إن “ترامب” لا يختلف كثيراً عن سابقه “باراك أوباما”، الذي يبغضه كل اليمينيين في إسرائيل. بخلاف ذلك فجميع السياسيين الإسرائيليين لا يوجهون أي نقد للرئيس “ترامب”, بل يرون وجوب إلغاء الاتفاق النووي أو تعديله زاعمين أنه مليء بالثغرات وسيؤدي لعواقب وخيمة. لكن في المقابل هناك مشكلة حقيقية، وهي أن الوقت غير مناسب لإلغاء الاتفاق. حيث أكد على ذلك مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية السابق، “عاموس يادلين”، حين قال: إنه “لا ينبغي إلغاء الاتفاق النووي حالياً لأنه على المدى القريب (ما بين 5 إلى 8 سنوات) سيخلق واقعاً استراتيجياً أفضل من بدائل أخرى مثل امتلاك إيران لقنبلة نووية أو اللجوء لشن هجوم جوي لقصف المنشآت الإيرانية. لكن بعد ذلك سيؤدي الاتفاق تدريجياً إلى خلق واقع أكثر خطورة حيث ستصبح إيران على مشارف امتلاك القدرة النووية. حينئذ سيكون من الصعب جداً بل ربما من المستحيل منع إيران من انتاج السلاح النووي. لذا فإن التوقيت المناسب لإلغاء الاتفاق أو تعديله ليس الآن، ولكن قبل فترة وجيزة من رفع القيود على البرنامج النووي الإيراني، أي بين عامي: (2023 – 2025). وعلى أية حال فالاتفاق أفضل من كل البدائل الأخرى طالما أن إيران ملتزمة به”.

ولن يتحقق الإلتزام إلا من خلال الرقابة التامة على المنشآت الإيرانية, لذا ينبغي على إسرائيل مُطالبة جميع الأطراف المعنية بتحقيق ذلك, وإقناع الدول العظمى بأن الرقابة هي التي ربما تجعل الرئيس “ترامب” يتراجع عن الانسحاب من الاتفاق. كما ينبغي في المرحلة اللاحقة فرض عقوبات على “الحرس الثوري” ووضع قيود على برنامج الصواريخ “الباليستية” وإنهاء التدخل الإيراني في سوريا.

لكن إلغاء الاتفاق أو مراجعته بشكل غير مدروس، أو في توقيت غير مناسب قد يدفع إيران للتنصل من بنود الاتفاق وحينئذ سيصبح الطريق ممهداً أمامها لتصنيع القنبلة النووية, في الوقت الذي ستكون فيه واشنطن منعزلة ولن يكون لها الحق في إيقاف طهران. وهذا السيناريو خطير بالفعل لأنه سيجعل إسرائيل بين خيارين كلاهما مر: “فإما شن هجوم جوي لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وإما قبول امتلاك إيران للقنبلة النووية”.

دور “نتنياهو” في تشدد الموقف الأميركي..

كثيراً ما زعم “نتنياهو” أن إيران على وشك امتلاك أسلحة نووية، والكل يتذكر خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، حيث قام يومها بعرض رسم لقنبلة على وشك الانفجار ليؤكد على تقدم إيران في برنامجها النووي. كما ألقى خطاباً مشابهاً أمام الكونغرس الأميركي خصصه للحديث عن خطورة الملف النووي الإيراني. ولقد ظلت كثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية، عبر السنوات الماضية، تتصدى للحملة الشعواء التي كان يشنها “بنيامين نتنياهو” ضد البرنامج النووي الإيراني, حتى أن كثيراً من المحللين الإسرائيليين لم يُفوتوا أي فرصة لتوبيخ “نتنياهو” بسبب المواجهة الشديدة التي خاضها ضد الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما”. وطيلة تلك السنوات تم اتهام “نتنياهو” بأنه يعرض العلاقات الأميركية الإسرائيلية للخطر، وأن تصرفاته غير مسؤولة. وفيما يخص الاتفاق النووي مع إيران أيد هؤلاء موقف إدارة “أوباما” مؤكدين على أن الاتفاق ليس مثالياً ولكنه ليس سيئاً.

خيبة أمل “نتنياهو”..

يرى المحللون أن الولايات المتحدة الأميركية لم تقم بإلغاء الاتفاق النووي المُبرم مع طهران كما كان يتمنى “نتنياهو”. وفي الحقيقة فإن “ترامب” لم يُقره من جديد، لكن الاستراتيجية التي أعلنها عقيمة وهدفها الوحيد هو حفظ ماء وجهه.

وحقيقة ما حدث هو أن الرئيس “ترامب” وجه ضربة قاصمة لكل المساعي التي بذلها “نتنياهو” بهدف إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. حيث أدرك “ترامب” أن إية محاولة لإلغاء الاتفاق ستُقابل باستهجان شديد وبعدم إذعان من جانب الدول العظمى, بما فيها “بريطانيا وفرنسا وألمانيا”. وحتى يحفظ الرئيس “ترامب” ماء وجهه أعلن أنه سيسعى لتمرير قرار في الكونغرس بشأن فرض عقوبات مستقبلية على إيران إذا أخلت بإلتزاماتها.

يُذكر أن هناك مسؤولون إسرائيليون – منهم كثير من القيادات الأمنية – يعارضون بشدة إلغاء الاتفاق النووي ويرى بعضهم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تعنت شخصي من جانب “نتنياهو” بلا أي مبرر.

ما هي نوايا “ترامب” ؟

إن الرئيس الأميركي يعلم جيداً أنه من الصعب الآن الانسحاب من الاتفاق النووي، لأنه ليس اتفاقاً ثنائياً, بل هو اتفاق دولي وقعت عليه الدول العظمى وبإقرار من مجلس الأمن الدولي. وبينما ينصب الاهتمام على الاتفاق النووي فإن الخطوة العملية الوحيدة التي اتخذها “ترامب”؛ هي تفويض وزارة المالية الأميركية لفرض عقوبات ضد “الحرس الثوري” الإيراني، وهذا ما لا يقل إزعاجاً للنظام الإيراني.

ولقد نشبت ضجة كبيرة بسبب بيان وزارة المالية الأميركية بإجراء تعديل في قائمة الأشخاص والجهات التي تتعرض للمقاطعة الأميركية. وصحيح أنه لم يتم اعتبار “الحرس الثوري” منظمة إرهابية، لكن الوزارة أدرجت عدة شركات لها علاقة بتلك المنظمة لقائمة الإرهاب. وهذه مجرد خطوة ضئيلة لأن “الحرس الثوري” ليس مجرد تنظيم عسكري؛ وإنما هو جهاز متشعب يضم أجنحة عسكرية ومدنية وبه مؤسسات اقتصادية تهيمن على ما يقرب من ثُلث الاقتصاد الإيراني. وبعدما قامت الولايات المتحدة بتصنيف “فيلق القدس” – التي هي جزء من “الحرس الثوري” – كتنظيم إرهابي فالآن تضم إليهم عناصر أخرى تابعة للحرس الثوري، وهذا ما يُزعج النظام الإيراني لأن “الحرس الثوري” يمثل عموده الفقري.

ولعل “ترامب” يريد من ذلك مساومة إيران؛ ولا يريد الدخول في مواجهة شاملة معها، كما لا يريد إلغاء الاتفاق النووي وإنما يحاول إلحاق الضرر بإيران بطرق أخرى.

“ترامب”.. نمر من ورق..

إن الرئيس الأميركي واجه قبل خطابه الأخير عدة إخفاقات سياسية، عندما تدخلت المحاكم وعرقلت الإجراءات التي كان يعتزم اتخاذها ضد دخول المسلمين للولايات المتحدة, كما أن الكونغرس ومجلس الشيوخ لم يوافقا، حتى اليوم، على أية صيغة لخطة التأمين الصحي بدلاً عن خطة الرعاية الصحية للرئيس السابق “باراك أوباما” المعروفة باسم: “أوباما كير”, بل إن الكونغرس أجبر “ترامب” على استئناف العقوبات ضد روسيا، وهي التي كان يعارضها بنفسه.

لذا فإنه في حال واجه “ترامب” معارضة قوية من الداخل، إلى جانب معارضة الاتحاد الأوروبي، فإنه لن يمكنه الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وربما أنه ربط في خطابه بين فرض عقوبات جديدة على قوات “الحرس الثوري”، وبين ذكر حالات العدوان الكثيرة للنظام الإيراني بهدف إفساح المجال لممارسة الضغوط على إيران دون الحاجة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. ولقد فوض وزارة المالية بمهمة فرض العقوبات على “الحرس الثوري”، لكنه لم يوضح الغاية من تلك العقوبات. ولقد تهرب من اتخاذ موقف عملي وأحال المشكلة إلى الكونغرس ليقرر ما ينبغي اتخاذه فعلياً.

ورغم تبني “ترامب” سياسة متشدد تجاه إيران إلا أنه لم يطرح حتى الآن خطوات عملية من أجل وقف التمدد الإيراني. ولا يخشى الإيرانيون من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي, لكنهم يُطلقون تصريحات أكثر تشدداً حينما يتعلق الأمر بإمكانية صدور بيان أميركي لصنيف “الحرس الثوري” كتنظيم إرهابي ووضعه ضمن قائمة الجهات المحظورة.

في خطاب قصير من البيت الابيض استطاع “ترامب” أن يُحفز إيران من جديد ضد الغرب, وأن يعزل أميركا عن باقي الدول العظمى التي تعارض موقفه بل وتستاء منه, وهو بذلك أدى إلى إضعاف موقف الولايات المتحدة كقوة عظمى على الساحة الدولية.

الموقف الإيراني..

بعد الخطاب الناري الذي ألقاه “ترامب” لم يعد للأمة الإيرانية سبب يدعوها لاحترام ما كان في غاية الأهمية للغرب من الشفافية التامة للبرنامج النووي الإيراني, والرقابة المكثفة على كل منشآته للتأكد من أن طهران لا تسعى لإنتاج سلاح نووي. فالآن أصبح في إمكان إيران أن تضرب ستاراً من السرية على منشآتها, وبدون رقابه سيمكنها أن تفعل ما تشاء، وإذا كانت أهم دولة عظمى لا تحترم الاتفاق معها فهذا يعني أنها أيضاً في حلٍ من إلتزاماتها.

لكن الاستراتيجية الجديدة للرئيس “ترامب” لن تجعل الإيرانيين يفقدون صوابهم وينسحبون من الاتفاق، لأن القيادة الإيرانية تدرك تماماً أنها لو انسحبت دون أن تنسحب واشنطن فإنها ستثير ضدها باقي الأطراف المؤيدة لها حالياً مثل روسيا والاتحاد الأوروبي والصين, ولو انسحبت إيران فإن تلك الدول ستؤيد فرض عقوبات جديدة عليها. لذا فإن ما سنراه قريباً هو مجرد تصريحات إيرانية غاضبة ومستفزة ولكن على أرض الواقع سيظل الإيرانيون ملتزمون بالاتفاق النووي. ولأن الرئيس “ترامب” قد يتخذ خطوات غير مُتوقعة وربما ينفذ الاستراتيجية التي أعلنها – فإن إيران من الآن فصاعداً ستكون أكثر حذراً وستمتنع عن اتخاذ أي إجراء يتذرع به “ترامب” لفرض عقوبات جديدة عليها.

غير أن المعتدلين في إيران، الذين أيدوا الاتفاق النووي عام 2015, سينضموا الآن للمتشددين. وبالتأكيد لن يكون مُفاجئاً على الإطلاق أن تمنع إيران دخول المراقبين, لأن إيران لن تلتزم بالاتفاق طالما لم تلتزم به واشنطن. وحينئذ ماذا سيفعل “ترامب” ؟.. هل سيُطلق الصواريخ النووية لاستهداف موقع “ناتانز” ؟.. وهل وقعت الدول العظمى على الاتفاق النووي إلا من أجل عدم اللجوء للخيار العسكري, الذي هو في جميع الأحوال ليس أفضل من الخيار الدبلوماسي ؟.. وحتى لو لم يكن الاتفاق مثالياً, فإنه أيضاً لم يكن سيئاً كما وصفه “ترامب” في خطابه زاعماً أنه “أسوأ اتفاق شاركت فيه الولايات المتحدة”.

ومع ذلك فإن إيران قد إلتزمت بكل بنوده, بشهادة قادة المؤسسات الأمنية، ليس فقط الأميركية بل الإسرائيلية أيضاً، حيث جمدت طهران جميع نشاطها النووي غير السلمي وسمحت بدخول المراقبين الدوليين لكل منشآتها. وكل ذلك سيضيع الآن دون سبب موضوعي, لأن “ترامب” يعلم ما تعلمه أجهزة الاستخبارات, من أن إيران مُلتزمة ببنود الاتفاق. لكن “ترامب” مرهون بوعده الانتخابي حينما قال: “سأمزق الاتفاق إرباً إرباً”.

وبالنسبة للخيارات الإيرانية, يرى بعض المراقبين أن القيادة الإيرانية لن تقف مكتوفة الأيدي, فإلى جانب إطلاق التصريحات النارية ستعمل القيادة الإيرانية على ثلاث مستويات:

أولاً: اتخاذ خطوات سياسية ضد الولايات المتحدة, مثل مناشدة إيران لكل من “روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي”، الموقعة على الاتفاق للتنديد بسياسة “ترامب”.

ثانياً: اتخاذ مجموعة من الإجراءات العسكرية ضد أهداف مدنية وعسكرية أميركية في منطقة الخليج والشرق الأوسط, وسيُعهد بذلك لجهتين عسكريتين: الأولى “الحرس الثوري”، تحديداً ولاسيما في منطقة الخليج. والثانية قوات موالية لإيران مثل “حزب الله” و”الحوثيين” في اليمن.

ثالثاً: تزويد القوات والتنظيمات الإرهابية، الموالية لطهران، بالأسلحة الاستراتيجية مثل الصواريخ بعيدة المدى.

البرنامج النووي الإيراني يحظى بدعم شعبي..

لقد بدأ البرنامج النووي الإيراني منذ ما قبل الثورة الخمينية، حيث كان النظام وقتها تربطه علاقات صداقة بالولايات المتحدة وإسرائيل. وفي حقيقة الأمر فإن الثورة الإسلامية في إيران أدت في البداية إلى تجميد البرنامج. وبعدما استتب الأمر للنظام الإسلامي بدأ يهتم من جديد بتطوير البرنامج النووي؛ مع التأكيد على أنه مُخصص للاغراض السلمية والتستر على الجانب العسكري وتحصين المنشآت النووية، بحيث لا يمكن للهجمات الجوية التقليدية تدميرها، مثلما فعلت إسرائيل بالمفاعل النووي العراقي عام 1981. ويحظى البرنامج النووي الإيراني بدعم شعبي كبير. وبحسب التقديرات فإن خُمس الإيرانيين هم فقط الذين يعتبرون أن البرنامج يهدف لخدمة الاغراض العسكرية, والغالبية العظمى ترى ضرورة أن تمتلك إيران برنامجاً نووياً.

كما يحظى البرنامج النووي الإيراني بدعم دولي، لاسيما من جانب “الصين وروسيا والاتحاد والأوروبي”، بفضل الاتفاق النووي.

واشنطن تحتاج للتواجد الإيراني في العراق وسوريا..

على الرغم من أن سياسة “أوباما” حولت الولايات المتحدة من مستورد للطاقة إلى مُصدر لها, وقللت من اعتماد واشنطن على نفط الشرق الأوسط, إلا أن واشنطن لازالت لها مصالح حيوية في المنطقة لكنها مرهونة بإيران. ففي العراق هناك نظام مركزي هش يريد الأميركيون دعمه، لذا فإنهم مستعدون لتحمل بقاء النفوذ الإيراني القوي في العراق حالياً من أجل استكمال الحرب على تنظيم “داعش” في جبهات متعددة. أما التدخل الإيراني القوي في سوريا، الذي يمثل تهديداً خطيراً لإسرائيل, فإن الأميركيين يتقبلونه أيضاً بسبب الحرب على تنظيم “داعش”. وربما أن إلغاء الاتفاق النووي حالياً – رغم أن لإيران قوات عسكرية ونفوذ كبير في العراق وسوريا، يفوق النفوذ الأميركي – لن يجعل طهران تتراجع لاسيما أن فُرص استئناف العقوبات على طهران تُعد ضئيلة جداً طالما أنها تتبنى سياسة مُنضبطة.

ماذا بعد الخطاب ؟

خلاصة القول إن الاتفاق النووي لم يتم إلغاؤه. ولا يمكن أن يُلغى حتى لو انسحبت منه الولايات المتحدة لأنه ليس اتفاق أميركي بل اتفاق دولي تم إقراره في مجلس الأمن الدولي, كما أن باقي الأطراف الموقعة عليه ولاسيما الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا لا يعتزمون إلغاءه.

وحتى الولايات المتحدة ليس لديها سبب حقيقي يدعو لإلغاء الاتفاق سوى زعمها بأنه اتفاق سيء. وحتى هذا القول ربما لا يحظى في مجلس الشيوخ بالأصوات الكافية اللازمة لإلغاء الاتفاق. إذاً فالاتفاق مازال سارياً حتى الآن. لكن “ترامب” أطلق تهديداً آخر، وهو أنه إذا لم يحدث توافق مع حلفاء الولايات المتحدة ومع الكونغرس – وهو بالفعل لن يجد كثيراً من المؤيدين له في الجانبين – فإنه سيلغي الاتفاق من طرف واحد, وهذا في استطاعته.

ومهما يكون الموقف الأميركي؛ فإن إيران ستكون مستفيدة, فهي ستظل تحصد ثمار الاتفاق لأن أوروبا وروسيا والصين وباقي المجتمع الدولي، لن يسيروا في ركاب الولايات المتحدة, وسيتراجع النفوذ الأميركي، وستجد إيران أنها لم تعد ملتزمة بالاتفاق. ولكن ذلك سيكون ضمن السيناريوهات المستقبلية. ولكن حتى هذه اللحظة فإن الاتفاق النووي سارياً حتى إشعار آخر.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب