29 مارس، 2024 12:09 م
Search
Close this search box.

الجذور التربوية لانتشار الإرهاب .. السياسات الطائفية الإيرانية في المدارس

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – محمد بناية :

“بينما كنت أستريح وسط الخضرة في أجواء ربيعية جميلة بمدينة “جوبيار” الشمالية، وصلت الأخبار بتعرض طهران إلى سلسلة من التفجيرات الإرهابية، احدها بحرم الإمام الراحل والأخرى في مبنى البرلمان. من ثم ارتبكت حساباتي وخلوتي في الطبيعة الربيعية الجميلة. والآن أنا كمواطن طهراني موجود في الشمال لكن روحي كانت قد عادت إلى طهران. وكنت أبحث بين ثنايا الألم والوجع عن علاج لمرض صعب العلاج خلال هذا السنوات. والهدوء في الطبيعة الشمالية هو أحد سبل تجاوز ألم هذا المرض، والآن تحول هذا الوجع البدني إلى ألم أكبر يشغل ذهني منذ سنوات. أفكر وأمسك بقلمي وأكتب أفكاري. أجل، للألم جذور تربوية أكثر من الوجع منها: هذا الإرهاب الذي يمتد منذ عقدين، والدراسة والتدبر في المناهج التعليمية والتربوية”.

هكذا استهل الكاتب الإيراني “علي أصغر كاكوجويباري” مقاله التحليلي تحت عنوان “الجذور التربوية لانتشار الإرهاب”، المنشور مؤخراً بصحيفة “الربيع” الإيرانية. مؤكداً على انه: “يثور ألم الجذور التربوية للإرهاب في الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، شمال إفريقيا (العراق، سوريا، أفغانستان، ليبيا، الصومال)”.

جذور الإرهاب تبدأ من نشر الكراهية في الأنظمة التعليمية..

موضحاً: “هذا الألم الذي بدأ قبل عقدين وكنت قد فكرت فيه حتى قبل اشتعال نيران وغضب الإرهاب. حين يكون نشر الكراهية في الأنظمة التعليمية لتلك الدول أمراً مصيرياً فإننا نحصد الإرهاب. والرؤية التربوية لجذور الإرهاب هي نظرة على أحد مصادر ظاهرة الإرهاب، والآن هي من العوامل التي استفحلت في إيران وأدت إلى وفاة مجموعة من الأبرياء في حرم الإمام والبرلمان”.

والحقيقة إن علينا في تربية جيل مبدع، ومتدين، وذو خلق، وبناء، ومثابر على العلم والمعرفة، أن نجعل المدرسة بيئة خصبة للتدريب على المهارات الاجتماعية، ومهارات المواطنة، ومهارة التعايش السلمي. إن تلقي المهارات إلى جانب الفروق العرقية، والدينية، واللغوية، والاجتماعية، والعقلية، والجسمانية ليس فقط أمراً ملحاً وإنما تعتبر هذه الفروق بمثابة فرصة لتنمية مهارات الفرد. إن السياسات والأساليب التي تفصل بين العرقيات، والأديان، والمذاهب، واللغات كثيرة وتتحول تدريجياً إلى أسوار عالية. وتهيئ العقول والصور النمطية المجال للسلوكيات العنيفة والإرهابية. وفي هذا الإطار يمكن الحكم على الدول سالفة الذكر في الشرق الأوسط، وآسيا الجنوبية والوسطى، وشمال إفريقيا كل على حدة. وفي المفاهيم النظرية التربوية المعروفة باسم “وثيقة اليونسكو 2030” يمكن البحث عن التعليم الشامل، والتعليم الدائم، والجودة، والفرص المتكافئة للجميع، والفهم الحقيقي لآلام الجذور التربوية الممتلئة بالأوجاع منها كارثة الإرهاب.

التعليم على ارضية وطنية هو الحل..

بحسب “أصغر کاکوجویباري”، يدرك التعليم الشامل والكيفي، وجود الأطفال (بغض النظر عن الدين، والمذهب، والعرق، واللغة) في بيئة تعليمية وداخل مدرسة مشتركة ذات جودة متساوية بغرض التعلم. والتجربة المشتركة للتعلم في بيئة متساوية وداخل مدرسة واحدة، هو بمثابة فرصة لتلقي مهارات المواطنة، والتعايش والفهم المتقابل للآخر، والتجاور رغم الفروق الدينية والمذهبية والعرقية واللغوية، ويكرس حقيقة وخلق بيئة للنمو والبناء تقوم على الفروق الفردية. بهذه الرؤية، يذهب مجموعة من الأفراد على اختلاف المذاهب أو الديانات للتعلم داخل مدرسة واحدة، والسياسات الوطنية في نظامنا التعليمي تزيد من هذه الفرص، ويبقى التعليم الخاص للفئات التعليمية المذهبية والدينية وحيداً. وسيتم حل مشكلة الحاجة إلى التعليم المذهبي الخاص على أيدي مدرسين بانتداب جزئي في المدارس، الذي تنظمه إدارة التربية والتعليم بالمناطق. في المقابل يعيش الطلاب منذ نعومة أظفارهم تجربة التعايش مع رفاقهم في الفصل على اختلاف المذاهب والديانات والثقافات واللغات عبر اللعب.

ويخلص “کاکوجویباري” إلى حقيقة أن السياسات الوطنية الحالية في النظام التعليمي تقضي على فرص التعليم الشامل للطلاب من ذوي المذاهب المختلفة، ليس هذا فقط وإنما تزيد من الانفصال وإنشاء مدارس خاصة لأتباع تلك الطائفة أو هذا المذهب وهذه الفئة الاجتماعية. إن تجاهل هذا الانفصال والولع الشديد بالانفصال هو أحد مشاكل نظامنا التعليمي وهو أيضاً من جذور نشر الإرهاب. ولقد تمت معالجة هذه المشكلة في إطار وثيقة 2030، التي تم تفضيلها على القانون الوطني لتطوير التعليم. إن التعليم الشامل والجيد يجيز على الأقل وجود فئات طلابية خاصة من الأقليات في مدارس الأغلبية. ومن الضروري أن نتبنى سياسة تعليمية واضحة وصريحة، وأن نشهد وجود أطفال شيعة في مدارس أهل السنة والعكس، ويجب الاعتراف بحق أهل السنة بتسجيل أسماء أبناءهم في مدرسة شيعية، على ان يتم تخصيص ساعة للدراسة الدينية التي تتناسب ومذهبهم، على أن تقوم إدارات التربية والتعليم في المناطق بتوفير القوى التعليمية البشرية لمثل هؤلاء الأطفال. لكن نظامنا التعليمي يتبنى سياسة الفصل على أساس المذهب والدين، ولا توجد قوانين خاصة للحالات التي يدرس فيها الطلاب في مدارس غير دينية. وعليه أعتقد أن عدم وجود لائحة كاملة وشاملة، هو من المشاكل المهمة في نظامنا التعليمي التي تسهم في إنشاء أسوار عالية بين المذاهب. وهذا الأمر هو من الجذور التربوية للإرهاب التي رأينا نتائجها في طهران.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب