9 أبريل، 2024 4:06 م
Search
Close this search box.

أصحاب الرايات السوداء : من الخلويين وجيش “جلجلة” إلى “بيت المقدس” .. كيف تأسست ولاية سيناء ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتب – عمر رياض :

عقد من اللؤلوء الأبيض والفيروز الأخضر في وسط الصحراء.. هذا ما يبدو للناظر من بعيد حتى يقترب طابور طويل لسيارات مزينة بسعف النخيل تحمل أعلام بيضاء مشرعة.

كان ذلك دليل على أحد مظاهر الفرح لدى قبائل وعائلات سيناء (شمال مصر)، وتحديداً الزواج، فعادة ما توضع الأعلام البيضاء على السيارات القادمة من المدن الحدودية – رفح والشيخ زويد – إعلاناً لزواج جديد في القبيلة، ثم وضعت الأعلام البيضاء على سيارات الحجيج.

كانت السيارات ذات الأعلام البيضاء تقطع أكثر من 50 كيلومتر إلى العاصمة الشمالية لسيناء، من أجل توثيق الزيجة أو مستلزمات الفرح في موكب مبهج وبسيط ينتهي قبل غروب الشمس، حيث اعتاد البدوي على الاستيقاظ مبكراً.

في المدينة وفي البادية كانت الأعلام البيضاء توضع فوق المنازل كإعلان عن وجود فتاة لم تتزوج في الأسرة، وحتى يأتي شاب ليتزوجها، ربما من هنا كانت الأعلام تسير مع الزوجة حتى منزلها الجديد.

ومثلما ابتكرت المنطقة الشرقية أعلاماً للفرح، ابتكرت أيضاً أعلاماً للحزن.

الإعلان الأول للراية السوداء..

من نفس الجهة الشرقية، وفي نهاية صيف 2012، عبر طابور من السيارات يحمل أعلام سوداء، على حسب وصف شهود العيان في منطقة “الريسة”، تخطى الحاجز الأمني الأخير – “كمين الريسة” – في مدينة العريش، بعد أكثر من 35 محاولة إقتحام في عام واحد فقط، وحاول الرتل المسلح إحتلال مبنى “مدرية أمن العريش” و”محيط مبنى محافظة شمال سيناء”، وانتهت المواجهة برفع راية سوداء أعلى المبنى قبل الانسحاب، بسبب دعم عسكري أكبر في المقابل.

لم يكن أحد من سيناء وحتى القاهرة يعرف ماهية “الراية السوداء”.. قال المحللون وقادة التنظيمات السابقون للإعلام إنه علم تنظيم “القاعدة”.

فلم يكن أحد يعرف، حتى تلك اللحظة، الفرق بين أعلام الفصائل المسلحة، ولم تكن أعلام تنظيم “داعش” السوداء أيضاً معروفة، حتى ذلك الوقت.

اليوم هناك أكثر من 8 أعلام سوداء قريبة الشكل، تميز الفصائل الإسلامية المسلحة.

جاءت حادثة “الراية السوداء” بعد أيام من “مذبحة رفح الأولى”، وهي أول عملية قتل لعدد كبير من  الجنود، وقعت مذبحة رفح الأولى، في 17 رمضان 2012، عندما جلس جنود القوات المسلحة، في مكان خدمتهم بأحد كمائن رفح، على مائدة الإفطار، منتظرين آذان المغرب، ولم تمض إلا دقائق معدودة، حتى قتل في الهجوم 16 مجندًا، في مجزرة، عرفت إعلاميًا بمذبحة “رفح الأولى”.

كان ذلك وقت حكم الرئيس “محمد مرسي” عضو جماعة الإخوان المسلمين، الذي لم يحضر الجنازة وقتها وأكتفى بزيارة للمشرحة لتفقد الجثث.

وفي أعقاب الحادث أقيل مدير المخابرات العامة المصرية اللواء “مراد موافي” – كان يشغل منصب محافظ شمال سيناء في السابق -، بعدما اتهمه “محمد مرسي” بالتقصير وعدم التحرك لمنع الواقعة قبل حدوثها، فيما صرح “موافي” بأن الجهاز جهة جمع معلومات فقط وليس له أي سلطة تنفيذية، مشيرًا إلى أنه أرسل المعلومات التي لديه بخصوص الحادث الإرهابي الذي وقع في سيناء إلى الجهات المسؤولة، وبهذا ينتهي دور الجهاز.

وقعت “مذبحة رفح” دون رفع علم أو إعلان داعشي أو فيديو..

لم تكن للتنظيمات المسلحة في سيناء أعلام مع نهاية عام 2004، العام الذي شهد موجة من العنف داخل سيناء، استهدف فيها انتحاريون عدد من المناطق السياحية في جنوب سيناء، وظلت ممتدة حتى عام 2007، وهي الفترة التي قامت فيها وزارة الداخليه باستهداف ممنهج لأهالي شمال سيناء وأهالي المدن الحدودية مثل “رفح والشيخ زويد”.

وانتهت تلك الأيام باعتقال الآلاف، بيد وزارة داخلية “مبارك”، بين رجال وسيدات, في واحدة من أكبر موجات الإنتقام التي شهدتها سيناء منذ “حرب التحرير” تشرين أول/أكتوبر 1973، كان معظم المعتقلين لسنوات, وربما للآن، قد طعنوا على أحكام قالوا أنها جائرة، بعد أن وصلت للإعدام.

وضعت أجهزة الأمن أيضاً قوائم للمحكومين الهاربين في سيناء على خلفية الإرهاب.

زادت تلك القوائم من عزلة المنطقة والفقر والتشريد، فبحسب المؤتمر الذي عقد في منطقة “البرث” الحدودية، طالب المئات من سكان وأهالي المنطقة إسقاط الأحكام عن زويهم وتوفير بدائل للتنمية وتوصيل الخدمات إلى الصحراء.

ذلك بعد أن منعت الشركات والمصانع، التي يديرها رجال أعمال تابعين للنظام، سكان تلك المناطق من العمل أو الإلتحاق بالوظائف كنوع من العقاب أيضاً.

كانت المطاردات والحملات الأمنية تصعد من وقت لآخر إلى القرى الحدودية، في حين لا يذهب الدواء أو الطحين أو المياه، هذا ما كانت تقوله السيدات ممن فقدن أبنائهن أو ازواجهن بالقتل أو الإعتقال أو الهروب من الأحكام.

كان الحزن على لسان السيدات – بالزي البدوي الأسود الفقير – والأبناء من البادية، يكفي لصنع آلاف من الأعلام السوداء الحزينة بدلاً من أعلام الفرح البيضاء.

التطرف والاستيلاء على “الراية السوداء”..

قبل ثورة (كانون ثان) يناير، طرد عدد من شيوخ القبائل بعض أبنائهم الذين تدور حولهم الشبهات بقانون “التشميس” وفق القواعد العرفية البدوية، في محاولة أخيرة، لاستعادة قوة شيخ القبيلة، والحفاظ على التوازن بين بقاء القبيلة وبطش السلطات.

إلا أن ذلك لم يفلح بسبب الإتهامات المتكررة لشيوخ القبائل الموالين للسلطة، بعدم الحصول على حلول جزرية أو مصالحات نهائية مما وعدت بها الدولة.

مع أخر دورة انتخابية للرئيس السابق “حسني مبارك”، كان المحكومين قد أستنفذوا كل الطلبات والمناشدات بحل قضاياهم التي وصفوها بالملفقة، وذهب كل واحد منهم ليبحث عن حياة أخرى، في حين ظلت قضاياهم معلقة بلا حسم.

أصبح رموز تلك المطالبات والمؤتمرات شيوخ قبيلة، فيما بعد، يأمرون وينهون في نطاقهم الجغرافي المعلوم لجميع القبائل والجهات بما فيها الدولة التي تركتهم دون حسم لقضاياهم.

“سالم أبو لافي” – أشهر شهداء اتحاد الجيش والقبائل – اليوم، كان واحد من هؤلاء المحكومين.

أيضاً كان سبباً في قطع الطريق بين القاهرة وسيناء في حكاية عشنا تبعاتها على الطريق إلى سيناء في عام 2010:

كان “الحجاوي”، سائق السيارة الأجرة، يحكي أن “أبو لافي” توقف بالأمس أمام أحد محلات قرية “جلبانه”، الواقعه في منتصف الطريق الرابط بين “القنطرة شرق” و”مدينة العريش”، عاصمة شمال سيناء، وبينما كان يغادر صنعت سيارته غبار أصاب وجه أحد الأشخاص، كان يقف بجواره، وكان من أبناء قبيلة “الأخرس”، أكبر قبائل المنطقة الغربية من سيناء، فقام الآخير بملاحقته وتوبيخه، فأخرج “أبو لافي” مسدساً وقتل “الأخرس” وأصاب صديق له، ثم فر هارباً.

المعلومات عن أن “أبو لافي”، هو الذي فعلها، كانت تحتاج إلى تأكيد الشهود بعد أن رفضت الشرطة التدخل، حتى بعمل “محضر” بالواقعة.

وصلنا قرية “جلبانة”، في الخامسة مساءاً تقريباً، ولم يكن قد مر على حادث القتل سوى يوم واحد، وكان السائق يحكي عن عمليات توثيق تتم بالفعل لأخذ الثأر منذ يوم كامل.

استوقفنا، عند مدخل قرية “جلبانة”، أول كمين توثيق لقبيلة “الأخارسة”, حيث وقف حوالي 100 شخص من قبيلة “الأخرس”، لتوقيف جميع السيارت المارة إلى “مدينة العريش”، والقادمة من مختلف المحافظات، لاحظنا أنهم يسمحون بمرور بعض سيارات الشرطة وسيارات الترحيلات فقط، وضع أحد المسلحين – بعضهم مكشوف الوجه والبعض الآخر “ملثم” – سلاحه الآلي متعدد الطلقات في مواجهة السيارة وفتح الباب ليبحث عشوائياً عن أي شخص من أبناء قبيلة “الترابين” – القبيلة التي ينتمي إليها القاتل.

“أنتم فلاحين ؟”.. سأل مسلح مكشوف الوجه وخلفه الملثمين، أجابه السائق: “نعم جئنا من مصر”.

كنا نتوقع أن يتأكد من خلال “هوياتنا” قبل أن يسمح لنا بالعبور، لكن لم يحدث، فإنطلقنا.. بعد ربع ساعة بدأ السائق في تقليل السرعة عندما وجد مجموعة أخرى تنتمي لنفس القبيلة، لم يستوقفونا، هم فقط مجرد مجموعة تأمين للمجموعة الأولى.

كان علينا التأكد أن الحرب القبلية بين “الأخرس” و”الترابين” – والآخيرة قبيلة “أبو لافي” المتهم – لن تمتد لمئات الكيلومترات، حتى يمكننا استكمال الطريق إلى قرى مدينة “رفح والشيخ زويد” الحدودية، حيث يسكن العدد الأكبر من قبيلة “الترابين”.

حاولنا الإتصال بمن نعرفهم من “الترابين”، اتصلنا بشخص من قبيلة “الدلح” في قرية “الإرسال” الحدودية، أحد القرى التي تسكنها “الترابين”، إلا أنه لم يكن متأكداً من أن من قام بالقتل هو “سالم أبو لافي” بالفعل لأنه هارب منذ أكثر من عام.

يذكر أن “أبو لافي” ضمن المجموعة التى هربت من سيارة الترحيلات أثناء تواجدها بقسم “رمانة”، بعد قتل ضابط شرطه، وهرب مع آخر يدعى “جرمي”، قبل عام من ذلك اليوم.

أيضا رجح سكان من قرية “صلاح الدين” الحدودية، أن “أبو لافي” لم يفعلها رغم ترديد أسمه باستمرار في أكمنة التوثيق، ربما شخص آخر من القبيلة، “لأن أبو لافي ذو مكانة كبيرة وعلاقات وطيدة مع أشخاص – كبار – مصريين أو عرب”.

في المدن الحدودية كان أسم “أبو لافي” ضمن هؤلاء المحكومين المشاهير، لكن في الجانب الآخر كانت هناك مجموعات مجهولة، بعضها من الذين تم طردهم من القبيلة أو هجروها طوعاً.

كانت القبائل تطلق على هؤلاء المجهولين اسم “الخلويون”، بسبب تطرفهم الشديد وسكنهم “الخلاء” دائماً.

يعلم الجميع من أبناء القبائل الإشارات التي تدل على نزول “الخلويون” إلى القرى، فعلى سبيل المثال، تصمت ميكرفونات المساجد، لانهم يعتبرونها “بدعة”.

لم تكن “الراية السوداء”، حتى ذلك الوقت، سوى رمز لا وجود له سوى في قلوب الحزانى من الأرامل واليتامى والمهمشين من أسر المطاردين.

اتحد “الخلويون” مع مجموعة معروفة بـ”جيش جلجلة”، لا أحد يعرف الاسم الحقيقي، لكن هم مجموعة خلوية رجح البعض أنها من منطقة “صحراء النقب”، الصحراء المقسومة بين نقاط الإحتلال ومصر، كل ما يعرف عن جيش “جلجلة”، أنه فصيل تمرد على حركة “حماس”، وهو أشد تطرفاً.

وربما سهل الفراغ الحدودي، وهو ما فعلته “إتفاقية كامب ديفيد”، التي كانت ذكراها بالأمس، من تحرك المجموعات عبر الحدود والإندماج مع المطرودين من قبائل سيناء والمنضمين لهم من بلدان أخرى غير سيناء.

كانت الإختبارات الأولى لهذه المجموعات مع صعود “مرسي”، فيما عرف بعد ذلك بـ”جماعة أنصار بيت المقدس”، ربما لأن الإتفاقات الضمنية بترك سيناء لهم كإمارة إسلامية لم تنفذ.

قد يكون ذلك سبباً في الإنتقام من جيش الدولة الرسمي بقيادة “مرسي” في عملية “رفح الأولى”، والتي ظهر بعدها علم تنظيم “القاعدة” للمرة الأولى.

منذ ذلك الوقت ربما انتبه البعض لظهور القوة المجهولة، بل ذهبت الدولة لتصالح المحكومين المنسيين، مثل مجموعة “أبو لافي” و”موسى الدلح”، ودمجهم في “اتحاد القبائل” مع الجيش الذي يخوض المعركة بالشراكة في المواجهة اليوم.

لكن يبدو التأخر واضحاً مع الخسارات المتلاحقة، وغياب السيطرة.

فلم يكن ذلك هو التأخير الوحيد الذي لحق بتلك المنطقة الحزينة، لكن هناك تأخير آخر عن التنمية بلغ أربعين عاماً تقريباً.

إنتظار تحت العلم الملون ينتهي بالتهجير بحجة “العلم الأسود”..

بحجة الإرهاب والتطرف وتأمين الحدود تم تهجير مدينتين تقريباً، بعد أن ظلت كل مدينة تنظر السنة تلو الأخرى على أمل التنمية.

هذه كانت وعود تحت العلم المصري، “العلم الملون”، الذي رفع في “العريش” في آيار/مايو 1979، بعد 6 سنوات من “حرب التحرير”.

منذ ذلك الوقت ظلت سيناء تعاني من التهميش والتعامل وفق التقسيمات الأمنية، التي وضحتها “اتفاقيات السلام”.

اضطر السكان في نهاية المطاف إلى حفر أبار لمياه الشرب وزرع آلاف الأشجار والأفدنة، دون تمليك لتلك الأراضي ودون رعاية من الدولة، التي كانت تتعمد النسيان التام، حتى أنفجر “السواد” المخزون على قطع قماش مثبته على سيارات مسلحة.

مع مبايعة تنظيم “داعش” العالمية، تغير علم تنظيم “القاعدة” منذ ثلاث سنوات أو أكثر، ليأخذ شكلاً خاصاً معتمداً بأسم “ولاية سيناء”.. وهذه قصة حرب مازالت مفتوحة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب