4 مارس، 2024 11:40 ص
Search
Close this search box.

يحى الطاهر عبد الله.. شاعر القصة الذي كشف حكايات الجنوب

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: كتبت- سماح عادل

اسمه “يحيى الطاهر محمد عبد الله” ولد في 30 أبريل عام 1938 بقرية الكرنك، الأقصر، مصر، ماتت أمه وهو طفل صغير وتولت خالته رعايته  و أصبحت فيما بعد زوجة أبيه، كان له ثمانية أشقاء كان ترتيبه الثاني بينهم، وكان أبوه شيخا يعمل بالتدريس في إحدى المدارس الابتدائية بالقرية، وعلمه أبوه اللغة العربية وجعله محبا لها، كما عرفه على كتابات العقاد و المازنى.

حياته..

حصل “يحيى” على دبلوم الزراعة المتوسطة، ثم عمل بوزارة الزراعة لفترة قصيرة، في 1959 ذهب إلى محافظة “قنا” للتعرف على الشاعرين الكبيرين “عبد الرحمن الأبنودي” و “أمل دنقل” حيث كان قد سمع عن أدبهما وانتوى التعرف عليهما، وفيما بعد قامت بينهم صداقة طويلة، وتزوج في مارس 1975، واعتقل مع مجموعة من الكتاب والفنانين وأطلق سراحه في أبريل 1967 قبل هزيمة يونيه بشهرين، وأنجب ابنتين هما أسماء وهالة.

الكتابة..

في عام 1961 كتب “يحيى الطاهر” أول قصصه القصيرة “محبوب الشمس”، ثم كتب بعدها في نفس السنة “جبل الشاى الأخضر”، وفى العام 1964 أنتقل يحيى إلى القاهرة وكان قد سبقه إليها صديقه “عبد الرحمن الأبنودى” في نهاية عام 1961 بينما أنتقل “أمل دنقل” إلى الإسكندرية، أقام “يحيى” مع “الأبنودى” في شقة بحي بولاق الدكرور وفيها كتب بقية قصص مجموعته الأولى “ثلاث شجيرات تثمر برتقالا”.

رغم أن عمره الأدبي لم  يزد عن عشرين عاما، إلا أن  “يحيى الطاهر” يعتبر واحد من كتاب الأدب العربي البارعين في جيل الستينات، وكان يرفض كل أشكال القهر والاستبداد، وسعى في عمله الإبداعي إلى تحطيم التابوهات، وقد كشف في قصصه الكثير من أسرار الحياة اليومية في عالمه الجنوبي الساحر، واستطاع أن يحفر في ذاكرة القارئ مفرداته الخاصة به، مما حدا بكثير من النقاد أن يسمون أدبه “القصة القصيدة” واعتبر “يحيى الطاهر” ظاهرة أدبية بسبب تميز أعماله وأسلوبه المغاير ولقد أطلق عليه لقب “شاعر القصة”.

كان استقراره في القاهرة البداية الفعلية لمشواره الأدبي، وكان يتردد على المقاهي الثقافية في وسط القاهرة، والمنتديات الثقافية المُتعددة، وكان معروف بأنه الكاتب الشاب الذي لا يُعطي نُسخًا من أعماله، ولكنه كان يُلقي قصصه، وكأنها قصائد نثرية، فقد كان يحفظها بذاكرة قوية أثارت دهشة من حوله، وكأنه بذلك كان يشبه الرواة الشعبيين الذين كانوا يحكون قصصهم على أنغام الربابة، وفي أحد الأيام عندما كان يُلقي إحدى قصصه في مقهي ريش، استمع له “يوسف إدريس”، وتحمس لتقديمه في مجلة الكاتب، كما قدم قصصه الكاتب “عبد الفتاح الجمل” في الملحق الأدبي لجريدة المساء، وكانت هذه هي بداية ظهوره في الوسط الثقافي والأدبي في مصر.

الكتابة انحياز..

كان “يحيي الطاهر” يرى أن الكتابة في حد ذاتها انحياز لما يؤمن به الكاتب، ووسيلة له في أن يعبر عن حياة البسطاء في مصر، وبشكل خاص في الجنوب حيث نشأ، وكان يهتم في قصصه بتصوير ارتباط الناس بالمكان وما يحويه من حياة وحكايات ومعتقدات وأساطير، وكان يرى أن  الحكي والقص ليس تسجيلا لكل تلك التفاصيل وإنما إعادة بناء لعلاقة البشر بالحياة والمكان، وكان حريص على أن تعكس كتابته تجربته الشخصية دون أن يركز على الأحداث التي يمر بها في حياته وإنما من خلال تضمينه تلك الكتابات فهمه لأحداث الحياة.

تمرد “يحيي الطاهر” على القوالب الثابتة في القصة، وخلق لغة خاصة به يمتزج فيها الحكي بلغة شاعرية وإيقاعات منتظمة منغمة، فكان جدير بلقب “شاعر القصة”، ولقد ذهب إلى مناطق غير مأهولة أدبيًا، وكشف عن مناطق مجهولة ومسكوت عنها في الحياة اليومية في قرى الجنوب، والتي يعرفها حق المعرفة، كما رصد العوالم السفلية لصعاليك المدينة التي برع في التوغل فيها منذ انتقل ليُقيم في القاهرة، ومزج بين الحكي والأسرار والتابوهات على خلفية من التراث، كما تمّيز عالمه بحضور قوي لعالم الأسطورة والخرافة، حيث كان يستخدم الرمز ببراعة في أعماله، وكان بتلك الرمزية، يتجنب قمع النظام الشمولي وآلتة الأمنية، واستطاع التعبير عن قهر المواطن البسيط وانسحاقه.

لقد امتلك “يحيى الطاهر” وعي قوي بمكونات الشخصية المصرية، وكانت لديه القدرة على صياغة هذه المكونات بشكل فني ليعيد تشكيل الواقع والشخصيات، وجعل قارئه يتعاطف مع الصعاليك المشوهين، والمتمردين على واقعهم، ومن أهم الأعمال المتميزة له “تصاوير من الماء والتراب والشمس”، وهو نص بين القصة الطويلة والرواية القصيرة، اختار فيه يحيى الطاهر شخصيات يصعب تصويرها متناولًا الواقع المسكوت عنه للمجتمع، والذي تنعدم فيه أدنى وسائل المعيشة الإنسانية.

وكان  الكاتب يندمج مع أبطاله وواقعهم حتى يستطيع رسم ملامحهم، فحكايات “يحيى الطاهر” تتناول الواقع المسكوت عنه للمجتمع، والمصير المعتم، حيث تنعدم أدنى وسائل المعيشة الإنسانية، فلا سكن، ولا وظيفة، أو حتى أسرة، راسما أنماط فريدة في شخصياته، مثل الذي بدأ حياته في القاهرة شيالًا في سوق الخضار، ثُم انخرط في حياة الصعلكة بعد وفاة ابنه وأم ابنه، وكذلك اللص الذي تخصص في سرقة الطيور من البيوت، واللص المتخصص في سرقة المنقولات الثمينة ثم يقوم ببيعها، والإسكافي الذي ترك مهنته وأسرته، وتحول إلى إدمان الخمر وأصبح لا يستطيع التوقف عنه، وكذلك لا يستطيع التوقف عن الاحتيال من أجل الإتيان بالخمر، حيث برع في تصوير شخصية المحتال الأعظم، صاحب الفلسفة في كل شيء، الصعلكة، والاحتيال، والموت، والحياة.

أهم أعماله..

ثلاث شجيرات تثمر برتقالا – 1970.

الدف والصندوق – 1974.

الطوق والأسورة – 1975.

أنا وهى وزهور العالم – 1977.

الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة – 1977.

حكايات للأمير حتى ينام – 1978.

تصاوير من التراب والماء والشمس – 1981.

حكاية على لسان كلب (قصة طويلة نُشرت في الأعمال الكاملة بعد رحيله).

الرقصة المباحة (مجموعة قصصية نُشرت في الأعمال الكاملة).

ترجمت أعماله إلى الإنجليزية، وإلى الإيطالية والألمانية والبولندية.

وفاته..

مات “يحيى الطاهر عبد الله” في 9 أبريل 1981 قبل أن يكمل الثالثة والأربعين في حادث سيارة على طريق القاهرة الواحات، ودفن في قريته الكرنك بالأقصر.

رثاه الشاعر “أمل دنقل” بقصيدة “الجنوبي”:

ليت أسماء تعرف أن أباها صعد

لم يمت

هل يموت الذي كان يحيا

كأن الحياة أبد

وكأن الشراب نفد

وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد

عاش منتصبًا

بينما ينحني القلب يبحث عما فقد”..

ورثاه “الأبنودى” في قصيدته “عدودة تحت نعش يحيى”، ورثاه  “يوسف إدريس” في الأهرام بمقالة “النجم الذي هوى” قال: “حين رأيته كان قادما لتوه من أقصى الصعيد، من قرية الكرنك بجوار الأقصر، وكان نحيلا كعود القمح، حلو الحديث والمعشر كعود القصب، فتان القامة والبنية واللمحة، وذلك الخجل الصعيدي الشهم الذي لا تخطئة عين، يا شعبنا المصري الطيب.. يؤسفني أن أنعى لكم واحداً من أنبغ كتابنا، ربما لم تعرفوه إلى الآن كثيراً، ربما لم يكن حديث الناس كنجوم السينما، ولكنى متأكد أنه سيخلد في تاريخ أدبنا.. خلود لغتنا وحياتنا”.

رحلة البحث عنه..

مات “يحي الطاهر” تاركا ابنته أسماء في عمر الخامسة، وقد ظلت تبحث عنه بعد أن كبرت، تقول أسماء في حوار لها في جريدة الوفد “في رحلة بحثي عن أبى وأنا أحاول أن أجمع حكاية جنب حكاية، وكلمة بجوار كلمة وقصة بجوار قصة، وفى كل مرة أجد نفسي أمام إنسان لم يتغير ولم يتحول، ظل كما هو بكل مكوناته ومفرداته، وأحلامه وأفكاره وإبداعه وحكاياته. أجد نفسي أمام شخصية خيالية أسطورية، تعيش الواقع وكأنه خيال. وتعيش الخيال وكأنه واقع. فقد ارتبط بى جداً، فكان يحملني معه على كتفه طوال الوقت، وهو يتنقل على مقاهي وسط البلد وفى الندوات، وعند أصدقائه وفى سفرياته وترحاله”.

اسماء يحيى الطاهر

وتواصل “كان شخصية صعبة جداً على المستوى الإنساني. وأنا حتى اليوم التقى بنوعين من البشر كانا يعرفان أبى، النوع الأول: وهم كثر، إذا ما عرفوا أنني ابنته تبكى عيونهم حزناً عليه.والنوع الثاني: تتحجر الدموع في عيونهم كرهاً فيه! فهو إن أحبك، أحبك بعنف، وإذا كرهك، كرهك بعنف. ليس عنده منطقة وسطى ما بين الحب والكراهية، البعض كان يعتقد أن سبب ذلك نشأته في الصعيد “الجوانى”، حيث قسوة الحياة، بكل مفرداتها الحياتية، لكنني لا أعتقد أن هذا هو السبب، خاصة وهناك من كان مثله في النشأة والتكوين، لكنه استطاع أن يوازى ما بين هذا أو ذاك، أعتقد أن تركيبته الشخصية هي التي كانت كذلك، ولا علاقة بالنشأة والتكوين بذلك. وترجمة هذا عندي- وأنا أبحث عن شخصيته- أنه كان صعب المراس!”

ليت “أسماء” تعرف أن أباها الذي..

حفظ الحب والأصدقاء تصاويره

وهو يضحك

وهو يفكر

وهو يفتش عما يقيم الأود

ليت “أسماء” تعرف أن البنات الجميلات

خبأنه بين أوراقهن،

وعلمنه أن يسير..

ولا يلتقي بأحد!

كأن به مسا..

يقول الشاعر عبد الرحمن الأبنودي في أحد مقالاته عن يحيى الطاهر: “ذات صباح شتائي دخل إلى مكتبي بمحكمة قنا الشرعية شاب نحيل الجسم جداً ضعيف البنية، قلق النظرات كأن به مساً وقال في عظمة: هل أنت عبد الرحمن الأبنودي؟ أنا يحيي الطاهر عبد الله من كرنك الأقصر، جئت للتعرف إليكما، أنت وأمل دنقل”.

يضيف الأبنودي “فوجئنا- أمل دنقل وأنا- أن يحيى شديد النهم للقراءة وأن إطلاعاته الأدبية تفوقنا بكثير، ولأول مرة في حياتنا نكتشف إنساناً، ينتمي حقيقة إلى الثقافة، يدافع عن آرائه حتى الموت، بحميمية وصدق، ما يدل على أنه اتخذ الثقافة أهلاً ومنهج حياة وداراً وعائلة، ويتحزب تحزباً مصيرياً لما يعتقده”.

وعن حنينه له يقول” مازلت أعود إلى قصص يحيى الطاهر عبد الله، كلما أردت الاتصال به، فقد كانت علاقتنا أكثر من حميمة، وكان بالنسبة لي أكثر من شقيق”.

الطوق والأسورة..

وعقب وفاته قرر المخرج خيري بشارة أن يصنع فيلم مأخوذ عن رواية له، وكان فيلم “الطوق والأسورة”، والذي يُعتبر واحدًا من أهم أفلام السينما المصرية المأخوذة عن عمل أدبي، وشارك في كتابة السيناريو مع خيري شلبي صديق عبد الرحمن الأبنودي، وأصبح الفيلم واحد من كلاسيكيات السينما، رغم أنه لم يجد قبولًا أو انتشارًا على المستوى الجماهيري”.

حوار نادر ليحي الطاهر عبد الله

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب