6 أبريل، 2024 7:49 م
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (9) .. اي. م. فورستر : الشخصيات الروائية حقيقية لأنها مقنعة

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتبت – سماح عادل :

في هذه الحلقة سنقدم كتاب (أركان القصة) “اي. م. فورستر”، ترجمة كمال عياد محمد.. “إدوارد مورغان فورستر” هو روائي وناقد وفيلسوف.. ولد “فورستر” في 1879، وقد جاء إلى الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الأولى حيث عمل بها وألف كتاباً يجمع تاريخ المدينة ومعالمها، ويعتبره النقاد آخر أدباء مدرسة في انكلترا كانت تنادي بالتحرر الفكري، والوقوف ضد سياسات الاستعمار ومقاومة الظلم والاحترام العميق للعلاقات الإنسانية.. تعتبر رواياته رمزية إلى حد ما وهي تعالج مشكلات الطبقة الوسطى التي نشأ فيها، وأولى رواياته: “حيث لا تظهر الملائكة” التي نشرت 1905.. وهذا الكتاب الذي نعرضه نشر بعنوان: “أوجه الرواية” 1927، وترجم إلى العربية 1960.

أوجه الرواية..

يقول “فورستر” في كتابه: “اخترت كلمة أوجه للعنوان لأنها كلمة غامضة تتيح أكبر قسط من الحرية، وهي تعني الطرق المختلفة التي ننظر بها إلى الرواية، ويستطيع بها الروائي أن ينظر إلى عمله، والأوجه التي اخترتها للمناقشة هي سبعة: “الحكاية، الشخصيات، الحبكة الروائية، الإغراق في الخيال، التنبؤ، الإطار، النظم”.

الحكاية..

يقول “فورستر”: “الحكاية هي الوجه الرئيس في الرواية، هي العامل المشترك بين كل الروايات، كالعمود الفقري لا يمكن التحكم في بدايتها أو نهايتها كما أنها قديمة قدم الزمن، وقد نجت “شهرزاد” من سوء مصيرها لأنها عرفت كيف تحسن استخدام سلاح التشويق، نحن جميعاً نشبه زوج “شهرزاد” في أننا نريد أن نعرف ماذا سيحدث بعد ذلك ؟، فنحن لا نملك إلا حب استطلاع بدائي، والحكاية ليست هي الحبكة وقد تكون أساساً لها إلا أن الحبكة كائن من نوع أرقى، على الكاتب أن يجيد تقديم الشخصيات الجديدة وإدخالها بطريقة طبيعية”.

ويواصل “فورستر”: “الحكاية شئ بدائي، وهي ترجع إلى منابع الأدب قبل أن تكتشف القراءة، كما أنها تعتمد على كل ما هو بدائي فينا وهذا هو السبب في إننا نكون غير منطقيين فيما يتعلق بالحكايات التي تعجبنا، من الواضح أن الحياة في الزمن حياة دنيئة وضيعة تبعث على تساؤلنا هل استطاع الروائي أن يمحوها من عمله كما استطاع الصوفي أن يلغيها من تجاربه وأن يضع مكانها بديلاً حياً لها ؟، ورغم ذلك إذا تخلص الروائي من الزمن تماماً فلن يستطيع أن يعبر عن شئ إطلاقاً، فالتتابع الزمني لا يمكن تحطيمه دون أن يجرف في حطامه كل ما سيحل محله، وستصبح الرواية التي تعالج القيم فقط غير مفهومة ولا قيمة لها”.

الشخصيات..

يتساءل “فورستر”: “ما الفرق بين أناس الرواية والناس الآخرين ؟.. إنه الجانب الخيالي من الشخصية الذي يشمل الأحلام والأفراح والأحزان والاعترافات بينه وبين نفسه، التعبير عن هذا الجانب من الطبيعة البشرية هو أحد الأعمال الرئيسة للرواية، فالرواية كل شئ فيها يعتمد على الطبيعة البشرية، والشعور المتغلب في الرواية ينصب على أن وجود كل شئ فيها ينبع عن قصد، حتى الانفعالات، حتى الجرائم، والبؤس، الروائي يخلق والقارئ يمكنه فهم الشخصيات في الرواية فهماً تاماً إذا أراد الروائي ذلك، إذاً يمكن إظهار حياة الشخصيات الداخلية والخارجية وهذا هو السبب في أنها تبدو أكثر وضوحاً من الشخصيات في الحياة اليومية، فقد قيل عنهم كل ما يمكن قوله حتى لو كانوا غير كاملين أو غير حقيقيين، فهم لا يحتفظون بأسرار بينما أصدقاؤنا يحتفظون بالأسرار، لأن إخفاء الأسرار المتبادل شرط من شروط الحياة على هذه الأرض”.

ويستمر في شرح طبيعة الشخصيات الروائية: “الشخصيات في الرواية أكثر مراوغة فهي مخلوق في مخيلة مئات من الروائيين الذين تتباين طرق تفكيرهم، لذا يجب عدم التعميم.. من ميزة الشخصيات في الرواية أيضاً أن تبدو حقيقية.. ولأن الرواية عمل فني له قوانينه التي تختلف عن قوانين الحياة اليومية فإن الشخصية في الرواية حقيقية حينما تعيش طبقاً لتلك القوانين، وسنقول إذاً أن الشخصية الروائية لا يمكن أن توجد في الحياة لأنها تعيش في الرواية فقط، في عالمها الخاص الذي خلقه الروائي، وهي شخصيات حقيقية لا لأنها مثلنا رغم أنها تشبهنا ولكن لأنها مقنعة”.

متى تكون الشخصية الروائية حقيقية ؟

يتساءل: “متى تكون الشخصية الروائية حقيقية ؟.. تكون كذلك حين يعرف الروائي كل شئ عنها، وقد لا يخبرنا كل شئ ولكنه يجعلنا نشعر أن الشخصية يمكن شرحها، رغم أنها لم تشرح، ونخرج نحن بالحقيقة التي لا يمكن أن نخرج بها من الحياة اليومية، وبغض النظر عن ما نحصل عليه من متعة في القراءة فيمكننا أن نجد أيضاً تعويضاً عن غموض الشخصيات في الحياة اليومية، ولهذا السبب أيضاً فإن الروايات يمكن أن تخفف عنا حتى لو كانت عن أناس أشرار، فهي تخلق جنساً بشرياً يمكننا أن نفهمه أكثر، فهي توهمنا بالفطنة والقوة”.

وعن عمل الروائي يقول: “والروائي يستخدم كمية مختلطة من العناصر، الحكاية بترتيبها الزمني، وبعد ذلك تأتي العقد المختلفة التي يحكي الروائي عنها، وهو يقيس الحياة بالقيم كما يقيسها بالزمن، وتحضر الشخصيات حين دعوتها وهي تشبه من عدة نواح أناساً كثيرين مثلنا، وهي تحاول أن تعيش حياتها الخاصة ولذا غالباً ما تكون مشغولة بتدبير المكائد، أن الروائي تقابله صعوبات كافية ولديه طرق لحلها أولها استخدام أنواع مختلفة من الشخصيات، والثانية تختص بوجهة نظره”.

شخصيات مسطحة ومستديرة..

يقسم “فورستر” الشخصيات الروائية إلى: “يمكننا تقسيم الشخصيات إلى مسطحة، ومستديرة، والشخصيات المسطحة كانت تسمى أمزجة في القرن 17، وأحياناً أخرى أنماطاً أو كاركتيراً، هذه الشخصيات في أدق أشكالها تدور حول فكرة أو صفة، وهي تبدأ في الاتجاه نحو النوع المتطور إذا كان هناك أكثر من أصل لها، والشخصية السطحية حقيقة يمكن التعبير عنها بجملة واحدة، وهناك ميزة كبرى تميز الشخصيات السطحية هي أننا نعرفهم بسهولة حينما يدخلون، يعرفهم القارئ بعاطفته لا بعينه، الشخصيات المسطحة تنفع الروائي لأنها لا تحتاج إلى تقديمها مرة أخرى، ولا تخرج من يده كما أنها لا تحتاج إلى رعاية لتتطور، وهي تخلق جوها بنفسها، ولها ميزة أخرى أن القارئ يتذكر هذه الشخصيات بسهولة بعد قراءة الرواية فهي تبقى كما هي في ذاكرته، والسبب أن الظروف لم تغيرها، ويجب أن نعترف أن الشخصيات المسطحة لا تعتبر في نفسها إنتاجاً عظيماً مثل الشخصيات المستديرة، كما أنها تكون في أحسن حالاتها إذا كانت شخصيات كوميدية، فالشخصية المسطحة إذا كانت جادة أو تراجيدية فإنها تصبح مملة، فالشخصيات المستديرة فقط هي التي يناسبها الموقف التراجيدي لفترة من الوقت، وهي التي تستطيع أن توقظ فينا أية مشاعر فيما عدا الهزل، أما عن الشخصيات المستديرة فهي شخصيات ذات أبعاد، أكثر تعقيداً، وغالباً ما تكون أبطالاً للرواية، لها دور كبير في الأحداث والحبكة”.

الحبكة الروائية..

عن الحبكة يقول: “الروائي يتميز بأنه يمكنه أن يتحدث عن شخصياته أو يتحدث على لسانهم، أو أن يعمل الترتيبات لنا لكي نصغى حينما يتحدثون إلى أنفسهم، كما أنه يستطيع أن يصل إلى مناجاة النفس، ومن هنا يمكنه التعمق والنظر في اللاشعور، فهو يسيطر على الحياة الخفية ويجب ألا نسلبه هذه الميزة، وبما أن الحكاية مجموعة من الحوادث مرتبة ترتيباً زمنياً، فالحبكة عبارة عن سلسلة من الحوادث يقع التأكيد فيها على الأسباب والنتائج، وهي تلغي الترتيب الزمني، فالفرق بين الحبكة والحكاية أنه في الحكاية نسأل ماذا حدث بعد ذلك ؟.. أما في الحبكة نسأل لماذا ؟.. تحاول الحبكة الروائية شرح مميزات الخطة المثلثة “التشابك والعقدة والحل”، وتتطلب ذكاء وذاكرة من القارئ، كما أن لعنصر المفاجأة والغموض أهمية عظمى في الحبكة الروائية، فالغموض أساس الحبكة ولا يمكن إدراكه بدون الذكاء، فكل عمل أو كلمة في الحبكة لها قيمتها، كما يجب أن يقتصد الروائي فلا يستخدم إلا القليل منها حتى لو كانت الحبكة معقدة، ينبغي أن تكون مترابطة خالية من الشوائب”.

واستمراراً في توضيح الحبكة يقول: “فقد تكون الحبكة سهلة أو صعبة ولابد أن تحتوي على أسرار، ولكنها يجب ألا تجعلنا نضل الطريق الصحيح، الحبكة إذاً هي الرواية في وجهها المنطقي، إذ أنها تتطلب الغموض والأسرار التي تحل فيما بعد، وبينما يتخبط القارئ في عوالم مجهولة يسير الروائي راسخ القدم، فهو شخص ماهر يجلس أعلى من عمله يلقى شعاعاً من الضوء هنا، أو يتحرك مرتدياً طاقية الإخفاء هناك، وكصانع للخطط يتفاوض دائماً مع نفسه كخالق للشخصية عن أحسن تأثير يمكن أن يحدثه، فهو يضع الخطة لكتابه مقدماً كما أن اهتمامه بالسبب والنتيجة يضفي عليه نوعاً من التحكم في المصائر”.

الإغراق في الخيال..

يقول “فورستر”: “قد يكون الإغراق في الخيال مقبولاً عند بعض القراء، لكنه قد لا يقبل من قبل الجميع، فحكايات السحر والأشباح والصدف غير المنطقية والتي تخرج عن قوانين الطبيعة قد تفقد مصداقيتها لدى عديد من القراء”.

التنبؤ..

يقصد “فورستر” بالتنبؤ قدرة الروائي على خلق معنى عميق وراء أحداث روايته، معنى يتجاوز المواعظ الدينية والأخلاقية، ويقترب من المعاني الإنسانية الكبيرة، يقول: “يتطلب التنبؤ من القارئ التواضع واستبعاد روح الفكاهة.. قد يقال أن لدى “ديستوفسكي” القدرة على كشف الغيب، هكذا كان “جورج إليوت” أيضاً.. “ديستوفسكي” روائي عظيم أي أن شخصياته ترتبط بالحياة العادية وتعيش أيضاً في بيئتها الخاصة، كما أن له عظمة الأنبياء فشخصيات “ديستوفسكي” تطلب منا أن نتعرف على شئ أعمق من تجاربها، فهي تنقل إلينا إحساساً بعضه جسدي، إحساساً بالغوص في كرة شفافة، وبرؤية تجاربنا وهي تطفو بعيداً فوقنا على سطحها، دقيقة، بعيدة لكنها تخصنا.. فالروائي المتنبئ يتمتع بامتيازات غير طبيعية، فهو يحرك حزمة من الضوء يسلطها بمهارة على الأشياء التي يعلوها غبار المنطق، فيضفي عليها حياة لا يمكن أن تظهر لنا وهي في أماكنها هذه الواقعية المخففة، هكذا تتصف كل الأعمال العظيمة لديستوفسكي، فالروائي المتنبئ يمتد إلى أعماق النفس، فهو في حالة عاطفية أعمق وهو يؤلف وهذا الوجه غير متوفر عند كثير من الروائيين، والتواضع ليس سهلاً مع هذا الكاتب العصبي المتعب المتنبئ، لأننا كلما زدنا تواضعاً زاد هو مشاكسة ورغم هذا لا أجد طريقة أخرى لقراءته بها”.

الإطار “النموذج والوزن”..

يتناول “فورستر” جوانب من الرواية هامة ومميزة، يقول بخصوص فكرته عن النموذج الذي يجب أن تخضع له الرواية: “الرواية يجب أن تكون وحدة وليس من الضروري أن تكون هندسية، بل يجب أن تتجمع حول موضوع أو موقف واحد أو حركة واحدة، تتجمع الشخصيات وتمدنا بالحبكة، ويجب أن ترتبط الرواية أيضاً من الخارج، أي أن تجمع عناصرها المبعثرة في شبكة، وتؤلف بينها كوكباً واحداً يتحرك في سماء الذاكرة، ويجب أن يظهر النموذج شيئاً فشيئاً، وأي شئ يخرج منه يجب بتره، لأنه تشتيت عابث للانتباه ومن أكثر عبثاً من الكائنات البشرية التي تتحرك في فوضى”.

إذاً النموذج هو نظام تتبعه الرواية، يواصل “فورستر”: “والإحساس بالنموذج عند معظم قراء الروايات ليس قوياً بالدرجة التي تبرر التضحيات التي تبذل في سبيله من قبل الروائي، والحكم الذي يصدرونه القراء في الغالب على نموذج الرواية هو “جميل” ولكنه لا يستحق العناء”.

أما الوزن لدى “فورستر” فهو: “الوزن أحياناً يكون أمراً سهلاً جداً كنغمة موسيقية بسيطة، وقد يكون صعباً مثل إحدى سيمفونيات بيتهوفن، أنا أشك في أن الكتاب الذين يضعون خطط لرواياتهم قبل البدء يمكنهم أن يصلوا إلى الوزن لأنه يعتمد على دافع ذاتي، إن الموسيقى رغم أنها لا تستخدم كائنات بشرية ورغم أن القوانين التي تسيطر عليها غامضة تقدم لنا في شكلها النهائي نوعاً من الجمال، قد يصل إليه الروائي بطريقته الخاصة، وذلك عن طريق الامتداد، هذا ما يجب أن يحرص عليه الروائي، لا التكملة، لا الاستدارة، ولكن التفتح”.

ويتساءل موضحاً: “ألا يوجد شئ كهذا في رواية “الحرب والسلام” لتولستوي، الرواية غير المرتبة، ومع ذلك ألا نسمع مجموعات من الأنغام العظيمة من خلفنا حين نقرؤها وحين ننتهي منها ؟.. ألا يحيا كل جزء فيها حتى تلك القائمة بالخطط الحربية حياة أكبر مما كان مقدراً في ذلك الوقت ؟”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب