7 أبريل، 2024 2:35 م
Search
Close this search box.

في رواية “سارق العمامة” الله جميل ورحيم

Facebook
Twitter
LinkedIn

قراءة: سماح عادل

في رواية ” سارق العمامة” للروائي العراقي “شهيد الحلفي”، إصدار دار سطور 2017، يطرح الكاتب موضوعا خطيرا على طاولة البحث، “الإلوهية”، كيف نرى الله؟، يفند تلك الفكرة من كل الجوانب مقدما مفهوما مغايرا عن فكرة “الإلوهية”، ليس جديدا في الواقع لكنه لم يكن مقبولا طوال التاريخ الديني للمجتمعات الشرقية، كان يعد تصورا مخالفا للسائد، ذلك التصور الصوفي عن الله الذي لابد أن يكون محبوبا وجميلا، وكم من متصوف تم قتله بتهمة التجديف أو نبذه.

يبدأ البطل في إدماج القارئ في فكرته منذ بدء الرواية، حين يحكي أنه قابل “الله”، وأنه كان على خلاف ما يمكن تصوره، كان متفهما يستمع باهتمام، كما أنه لم يرفض طلب البطل في أن يصبح نبيا، لكنه وضع شرطا لذلك، لنكتشف أنه قابل الله في حلمه، وأن هذا الحلم سيعد بمثابة محرك للأحداث فيما بعد.

الشخصيات..

البطل هو الشخصية الرئيسية، لا نعرف عنه شيء قبل حلمه الخطير والملهم، يصبح تحقيق حلم النبوة هاجسه الكبير داخل الرواية، وتظهر شخصيات أخرى شخصية “طاهر” و”أبو نواس” المتسولين، والطفل الرضيع الذي يجده البطل أمام الجامع، وشخصيات أخرى ثانوية مثل “قارئة الأقدار” و”أبو الحارث” الذي نكتشف فيما بعد أنه الشيطان، وشخصيات تظهر في مستشفى المجانين مثل “قسيم” الذي يوزع الناس ما بين جهنم والجنة، وذلك الرجل الذي هرب من القبر، والشخصيات في الرواية لا تتصف بالعمق فهي أقرب إلى النماذج منها إلى شخصيات حقيقية، رموز لأفكار معينة تخدم فكرة الرواية الأساسية.

الراوي..

الراوي هو البطل يحكي عن الأحداث بمنظوره، ويصف الشخصيات من خلال تعامله معها، ويظل يتناقش مع نفسه طوال الرواية بشكل فلسفي لكنه يسمح ل”طاهر” بأن يحكي عن بعض الشخصيات في “فندق المهملين” الذي يعيش فيه.

السرد..

السرد له إيقاع هادئ لا يسرع حتى عند النهاية، لا يحكي أحداثا بقدر ما يدور بشكل “فانتازيا” بين أحلام واستيهامات البطل، الذي تحول إلى نصف مجنون نتيجة لإيداعه “مستشفى المجانين” بعد تنفيذه للشرط الإلهي، ونتيجة لتعرضه للصدمات الكهربائية فقدت ذاكرته الكثير من الأحداث لذا فهو يحكي في حدود سبعة أيام تبقت له في الحياة، بعد أن حقن في المستشفى بحقنة مميتة، تدور هذه الأيام السبع في فندق للمهملين والمهمشين الذي اضطر البطل للعيش فيه في غرفة مع “طاهر” و”أبو نواس” ووجد طفلا أثناء ذلك وظل يعتني به.

 العمامة..

الرواية فيها إسقاط مباشر على المجتمع العراقي وكل ما يدور به، فقد كان الشرط الإلهي للبطل ليصبح نبيا كما دار في حلمه أن يسرق عمامة، ويتضح من الرمز أن الكاتب يهاجم العمامة تلك التي أصبحت أحد مكونات زي رجال الدين في الوقت الحالي، فهو يسخر منها ومن قدسيتها المزعومة، ويسخر من قدسية زي رجال الدين، الذين يضخمون منها ليمنحوا لأنفسهم مكانة أعلي من الناس، وهذه جرأة منه يحسد عليها، لذا حين ذهب لسرقة العمامة من رجل يدعى”ظهر الدين” وقع في مشاكل كبيرة، فقد أودى به ذلك إلى مستشفى المجانين ثم إلى الموت الذي انتظره برهبة مخلوطة بالترقب.

 السخرية..

الرواية تعتمد بشكل أساسي على السخرية، لكنها ليست سخرية واضحة وإنما ضمنية، يسخر الكاتب- البطل من التصور الديني السائد للإلوهية، ذلك التصور الذي استمر قرونا عديدة معتمدا على الترهيب والتخويف، وتصوير الله بصورة المنتقم، الجبار، السيد الذي يعذب عبيده وينكل بهم إن توقفوا عن طاعته، ويسخر من سدنته، رجال الدين الذين نصبوا من أنفسهم كهنة لذلك الدين،  يصورون الله بتلك الصورة حتى يستطيعوا تثبيت دعائم مكانتهم العليا، ويقيمون منظومة من الفتاوى، والأحكام، والشرائع، والطقوس، التي تسمح لهم بالتسيد وحكم الناس بالترهيب، ومن ثم التمتع بكل المميزات المادية والمعنوية في حياتهم الدنيا، ملوحين للناس بالحياة الآخرة التي هم فقط من يقفون على أبوابها، لتحديد من سيكون من أهل الجنة ومن سيكون من أهل الجحيم.

الحب والجمال..

يؤكد الكاتب- البطل طوال الرواية على رفض صورة الله، تلك التي رسمها له رجال الدين عبر القرون، لكنه لا يرفض وجوده، وإنما يتخيل وجوده على نحو مغاير، يتخيل أنه إله رحيم، عطوف، محب للإنسان، يستمع إليه ويفهمه، يحدد الكاتب العلاقة بين الإنسان والله بأنها علاقة غير تلك التي تربينا عليها، إنها علاقة تقوم على الحب لا على العبودية، فالله جميل والعلاقة معه يسودها الجمال والسلام وكل المعاني الطيبة، قد يعتقد بعض القراء بأن الرواية تتجرأ على الله، وعلى الطقوس الدينية، لكن عند القراءة المتعمقة لابد وأن يكتشف القارئ أنه يعزز صورة الله الجميلة، تلك التي تسمح للإنسان بأن يؤمن به دون خوف، وإنما عن رغبة قوية للتواصل معه من خلال حب عميق له لا تشوبه شائبة.

الطقوس المزيفة..

يضع الكاتب الطقوس الدينية موضع المساءلة، فإذا كانت الصلاة دافعها الوحيد الخوف من معاقبة الله فلا معنى لها، كما في أثناء استيهاماته يضع تصورات رجال الدين عن الجحيم موضع المسائلة، حين يقارن التعذيب الوحشي الذي يصفه لنا الشيوخ في الجحيم، ويتفننون في تضخيم تفاصيله،  بأنه يشبه ما يدور في “مديرية الأمن”، في سخرية لا تخفى على أحد، الحرق بالنار، وأكل لحوم البشر المتعفنة، وتعليق النساء من أثدائهن ومن شعورهن، كما يسخر من حكايات التراث عن بعض الأنبياء مثل ذلك النبي الذي يدعو على أبنائه وشعبه بالفناء، والنبي الذي عاش طويلا وحين جاءه ملك الموت ظل يرفض قبض روحه، ويسخر من التصورات المخيفة عن عذاب القبر، والتي لا يستطيع أي عقل استيعابها.

المهمشين..

رغم أن الرواية كُرست لتفنيد فكرة الأديان الترهيبية وتفنيد كل ما يدور حولها من حكايات وأساطير، هي من صنع البشر، إلا أنه تتناول أيضا المهمشين، هؤلاء البشر الذين يعيشون في مجتمع البطل على الهامش، الذين طحنتهم الحروب المتوالية وأفسدت حياتهم، ف”أبو نواس” فقد عائلته نتيجة تهدم البيت جراء سقوط صاروخ لإحدى الدول المعادية، وأصابه ذلك بالجنون حين رأى جثث ابنه  وزوجته وابنته، حتى أنه اختلق حكاية أخرى يستطيع التعايش معها ما تبقى من حياته، تصور أنه جندي محارب إعتقد أهله أنه مات ومن ثم عاشوا سنوات طويلة من دونه، وحين عاد اختار ألا يُربك حياتهم بعودته، وظل يتحين فرصة رؤية ابنه في الجامع، وباقي سكان الفندق، الذي عاش فيه البطل أياما معدودة، هم أيضا مهمشين ومهملين يلجئون إلى التسول أو الأعمال الهامشية ويعيشون بالكاد غارقين في حياة بائسة، لأن المجتمع الذي يقدس”ظهر الدين” هو نفسه الذي يقسم الناس درجات.

مفارقة النهاية..

حين يجد البطل طفلا تركته أمه أمام بيت الله، لأنه طفل غير شرعي، خوفا من محاسبة المجتمع لها، يأخذ الطفل ويرعاه ويقرر أن يجعله خليفته، وأن يكون هذا الطفل هو النبي بدلا منه لأنه سيموت قريبا، ويظل يحدث الطفل عن ذلك طالبا منه أن يكون نبيا مختلفا، نبي يتمرد على التقاليد والعادات البالية، ويؤكد على العلاقة السامية مع الله، وحين يأتي يوم موته، الذي حدده له موظف بمستشفى المجانين، الذي ساعده في الهرب، وأبلغه أنه سيموت بعد سبعة أيام، يظل البطل يلاحق ملك الموت، حتى يسهل له مهمة قبض روحه، ويظل يدور في الشوارع منهك الجسد ضعيف البصر مزدحم ذهنه بالخيالات، ليجد أن ملك الموت قد أخطأ في عمله، وقبض روح الطفل بدلا من روحه، في مفارقة كبيرة تجلب الضحك أو البكاء.

الكاتب يقرر زعزعة الثوابت الدينية التي يتمسك بها ملايين من البشر، مؤكدا على أن التصور الصوفي لله هو التصور الأمثل والأقرب إلى المعاني الإنسانية النبيلة، وهذه الجرأة تحسب له.

الكاتب..

هو “شهيد الحلفي” ولد في البصرة عام 1976 قبل أن ينتقل للعيش في مدينة النجف، كتب الشعر وفاز بجائزة الأولى في مسابقة للشعر نظمتها إذاعة العراق الحرة، وصدر له في 2015 رواية “كش وطن” والتي أثارت جدلا واسعا في أوساط المثقفين والأدباء العراقيين، كما أثارت روايته هذه “سارق العمامة” ضجة وترحاب في الوسط الثقافي العراقي.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب