28 مارس، 2024 6:39 م
Search
Close this search box.

فحش الطبقية في المجتمع السعودي في رواية ترمي بشرر

Facebook
Twitter
LinkedIn

قراءة: سماح عادل

في رواية “ترمي بشرر” للكاتب السعودي عبده خال، إصدار دار الجمل، نتعرف على فداحة الطبقية في المجتمع السعودي، وبطش الأغنياء الذي يفوق الحدود، حيث تدور الرواية ما بين حي وقصر فخم، ما بين مجموعة من الفقراء الذين يسحقهم عبث الأغنياء، وبين ثري مريض يصل به عبثه إلى ظلم فادح.

تتميز الرواية بجرأة تحسب لها، حيث أنها تكتب عن طبقة الأغنياء المتجبرين، ففي الرواية يقوم أحد الأثرياء بالعبث بالبشر تحقيقا لمتعته ولذته، يتعامل معهم كدمى يلعب بها وفق مزاجه المتقلب، وحين يمل منهم يدمرهم كطفل شرير يدمر ألعابه مللا.

الشخصيات..

طارق فاضل: هو البطل الذي يروي جميع الأحداث، وهو رجل فقير انحرف في مراهقته نتيجة لقسوة عمته، وإهمال والده، وانحرافه أودى به إلى أن يغدو لعبة في يد صاحب القصر.

عيسى الدريني: صديق “طارق”، وهو واحد من ثلاثة شباب قادهم قدرهم إلى القصر وانتهت حياته بمأساة.

أسامة البشري: الشاب الثالث، صديق “طارق” و”عيسى” وقد هرب قبل أن يتأذى، بعد أن كان يغوي النساء ويجبلهن إلى القصر، ثم دخل في علاقة جسدية مع السيد وتركه وفر، دون أن يستطيع السيد الانتقام منه..

تهاني: فتاة طيبة أحبت “طارق” لكنه تسبب في موتها، بعد أن أفقدها عذريتها، وقتلها أبوها ودفنها دون علم أحد من أسرتها، لتكتشف أمها بعد عشرين عاما مقتل ابنتها، وتبكيها في قبر موحش دفنت به بعيدا في قرية والدها.

خيرية: عمة “طارق”، والتي ينسب لها التسبب في فساده وسقوطه، بسبب قسوتها عليه منذ أن كان طفلا، وكونها امرأة شريرة تؤذي أمه دوما.

آمنة : أم “طارق” تزوجت بعد موت أبيه، والذي كان متزوجا من ثلاث نساء غير اللاتي يضاجعهن في زواج قصير، ولقد كان زواجها سببا في مما جعل “طارق” يهجرها حتى بعد موتها، ورفض حضور طقوس دفنها.

نادر: رجل غني بنى والده قصرا في منطقة فقيرة، وبعد موته أصبح هو سيد القصر، وأخذ ينكل بالجميع، بدءا من خصومه الذين يتحدوه وحتى الفقراء الذين جلبهم لخدمته، وكان يعذب خصومه تعذيبا وحشيا، ثم يتلاعب بثرواتهم ويساهم في إفلاسهم، مما يشي بسطوته ونفوذه، ورغم ذلك كان ضعيف تجاه النساء.

مرام: إحدى الفتيات التي حولها الظلم الاجتماعي إلى البغاء، لكنها استطاعت أن تصبح امرأة قوية وتستحوذ على عقل “نادر” وتنتقم ممن أوصلها لطريق البغاء، حيث تسبب في موت “عيسى الدريني” الذي جلبها إلى القصر.

الرواية مليئة بالشخصيات الثانوية التي يعطيها الكاتب عمقا ويحكي عن حياتها باهتمام وتفصيل.

الراوي..

الراوي هو “طارق فاضل” الذي يحكي قصة حيه “حي الحفرة” في محافظة “جدة”، الذي تحول بفضل أحد الأثرياء من منطقة تجمع الصيادين الذين يكسبون رزقهم من البحر، الذي يطل عليه حيهم، إلى حي فقير ومهمش بسبب بناء قصر بجواره، استحوذ صاحب القصر ليس فقط على أراضي تخص السكان، وإنما استحوذ على البحر أيضا وأفقد السكان مصدر رزقهم ويجعلهم يتخبطون، يحكي الراوي عن حوالي أربعين عاما تغير فيهم حيه وسكانه، فتحول جزء منهم إلى خدام في القصر والباقي سعى على رزقه في أماكن أخرى، الراوي يحكي عن أفكاره ومشاعره الداخلية وعن الشخصيات التي عاش بينها، يحكي ما يعرفه فقط عن الشخصيات وماضيها.

السرد..

امتدت الرواية في 418 صفحة من القطع المتوسط، في حكي غزير وثري، حيث نتعرف على تاريخ الحي وتاريخ بعض سكانه وحياتهم، كما نتعرف على ما يدور داخل القصر وبعض الشخصيات الهامة فيه، السرد متواتر يتنقل ما بين الماضي والحاضر بحرية شديدة، يركز على المشاهد الحية لكن يعاب عليه التكرار، حيث أن الراوي يذكر نتيجة الأحداث ثم يعود ليفصل كيف وقعت هذه الأحداث، مما يفقد القارئ بعض التشويق، لكن تميز الرواية يكمن في عمقها في تناول الشخصيات، حتى أن القارئ يشعر أنها تتحرك أمامه، وأنه ملم بماضيها وحاضرها، ودوافعها وصراعاتها الحياتية.

بطش الأغنياء..

تصور الرواية بحرفية كيف يبطش “نادر” بالناس، حتى أنه يستخدم فريق من الخادمين لكي يعذبهم جسديا، حيث يأمر “طارق” وأفراد آخرين باغتصاب من يريد التنكيل به، وكأنه بذلك يفقده رجولته ويجعله عبرة، ليس هذا فقط وإنما يظل يحاصر عدوه حتى يفقده ماله وعمله، وبالنسبة للخدم يكون التعذيب أكثر وحشية، حيث يقطع جزء من جسد الخادم الذي يغضب عليه، ومع ذلك يستمر يخدمه إذا أراد السيد ذلك، أو قد ينتهي الأمر بقتله وتلفيق قصة أنه اعتدى على القصر وهاجمه، من يدخل القصر يصبح عبدا لا يحق له التصرف في أي شيء حتى جسده إلا بأمر السيد، وغالبا ما تكون نهاية مصيره مأساوية.

مصير النساء..

في ظل ذلك المجتمع المغلق والطبقي الذي تطلق فيه يد الأغنياء تكون النساء أقل حظا، بل ويقع عليها العبء المضاعف، حيث تعامل كجسد وفقط، ومكمن تميزها في غشاء البكارة سواء أكانت تنتمي لأسرة غنية أو فقيرة، فهي في كل الأحوال لا تملك أمرها، يزوجها وليها لمن يريد دون رغبتها، وقد حكت الرواية عن أخت “نادر” التي أحبت “عيسي الدريني” الفقير، وبعد طلاقها من الزوج الذي أجبرت عليه تزوجت سرا من “عيسى” فنكل أخيها بها، وقتله بعد أن أفقده ماله وأصبح “عيسى” مجنونا يمشي عاريا في الشارع.

وإذا حدث وفقدت إحدى الفتيات غشاء البكارة بسبب غدر وخداع أحد الذكور، إما تقتل، أو تساق إلى البغاء الذي يلقى سوقا رائجة في قصور الأغنياء، الطريف أن الأغنياء أنفسهم يحرضون على ازدهار البغاء، فيسيرون قوادات لهم ليجلبن الفتيات، كما يوظفون خدام ذكور، من أجمل الفتيان، لإغواء الفتيات وجلبهن، ليصبح القصر مليئا دوما بفتيات جدد يبددن ملل السيد ويشعلن لذته.

إذن البغاء، أو القتل، أو العيش في طاعة تامة تحت سلطة الذكور هو مصير النساء هناك.

فساد باقي المؤسسات..

تكشف الرواية عن فساد معظم المؤسسات التي تنصاع للرجل الثري ورغباته، مثلا حين استولى صاحب القصر على البحر والأراضي المحيطة به لم يعطوا تعويضا مناسبا لسكان الحي، ووثق الكاتب ذلك في نهاية روايته حيث استشهد بالصحف، ومن يقتل لا تهتم الشرطة أو القضاء به طالما أن القصية تم تلفيقها بشكل مناسب، حتى أنه عندما فقد “عيسى الرديني” أمواله بسبب غضب السيد عليه تواطأ البنك، وقدمت تقارير سرية عن “عيسى” لسلبه أمواله.

محزن ما يحدث في الواقع..

كقارئة كنت أعرف أن ما يحكيه الكاتب يحدث في الواقع، لكني كنت اعتقد أنه استخدم خياله أكثر، لكني صدمت حين اكتشفت أن الرواية بكل تفاصيلها حدثت في الحقيقة، وأن الأبطال بكل ماضيهم وحاضرهم ومآسيهم قد عاشوا كل تلك الأحداث بحذافيرها، الاغتصابات الوحشية، وقتل الناس، وتنكيل طارق بعمته وقطع لسانها وتهشيم أصابعها ثم تركها تموت، وتحرش الشباب المنحرف بمن يصغرهم من الغلمان واغتصابهم حيث ينتشر حب الغلمان انتشارا كبيرا، وانجرار الفتيات إلى البغاء دون رحمة.

في نهاية الرواية يضع الكاتب ملحقا يسميه “البرزخ” يذكر فيه أن البطل قابله في إحدى الأماكن، وحكي له حكايته في عدة جلسات مطولة، وطلب منه أن يكتب حكايته، وانتهى أمره بالقتل على يد السيد حين قرر الانتقام منه وقتله.

واستعان الكاتب بأرشيف الصحف للتدليل على صحة ما كتب، لكن يعاب عليه أنه قدم صورا ومعلومات عن بعض الفتيات اللاتي دخلن طريق الدعارة وذكر تفاصيل حياتهن، وكانت الصور عبارة عن عيون الفتاة أو الجزء الأسفل من وجهها، وأظن أنه لا مبرر لهذا الفضح، كما يعاب على الراوي رأيه العنصري تجاه المرأة والذي يبثه في ثنايا السرد، حيث يتهم النساء بشكل عام بالخبث والدهاء وبصفات أخرى سلبية.

الكاتب..

فازت رواية “ترمي بشرر” بالجائزة العالمية للرواية العربية” البوكر” لعام 2010.

“عبده خال” روائي سعودي ولد عام 1962، التحق بجامعة “الملك عبد العزيز” بجدة لدراسة العلوم السياسية، يقيم في السعودية ويعمل كمشرف على الملحق الأسبوعي الثقافي بجريدة “عكاظ” ، اشتغل بالصحافة منذ عام 1982.

له العديد من المؤلفات منها (لا أحد، مجموعة قصصية، القاهرة 1992- الموت يمر من هنا، رواية، بيروت 1995- مدن تأكل العشب، رواية، لندن 1998، والعديد من المؤلفات الأخرى)، وقد فازت روايته “لوعة الغاوية” بجائزة أفضل رواية في معرض الكتاب لعام 2013، وقد نال العديد من الجوائز وتم تكريمه في أكثر من ملتقى أدبي وثقافي وفى عدة بلدان منها الكويت والجزائر وأمريكا وسوريا والبحرين وقطر.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب