4 مارس، 2024 7:53 م
Search
Close this search box.

“فؤاد التكرلي” .. جسد تاريخ العراق في كتابة أدبية عميقة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – سماح عادل :

هو “فؤاد عبد الرحمن محمد سعيد التكرلي”، ولد في بغداد 1927.. وكان جده “محمد سعيد التكرلي” نقيباً لأشراف بغداد.. تخرج في كلية الحقوق عام 1949, وعمل بعد تخرجه كاتب تحقيق في محكمة “بداءة” بعقوبة، وبعدها محامياً، ثم قاضياً في محكمة “بداءة” عام 1964، ثم سافر إلى فرنسا للدراسة وبعد عودته عين خبيراً قانونياً في وزارة العدل العراقية, وتقاعد في 1985 وتفرغ للكتابة، وعاش في تونس لسنوات بعد تقاعده، وعمل في سفارة العراق بعد حرب الخليج في 1991.

الكتابة..

“فؤاد التكرلي” هو كاتب من جيل الخمسينيات في العراق, ذلك الجيل الذي يعد رائداً في كتابة القصة والرواية العراقية، اهتم بالأدب رغم أنه درس القانون ونشر أول قصة له عام 1951 في مجلة (الأديب) البيروتية بعنوان (همس مبهم)، وفي 1948 بدأ بكتابة روايته (بصقة في وجه الحياة), وكان وقتها لا يزال طالباً وأتمها في 1949، لكنه لم ينشرها لأنها تتناول موضوع شائك.. وقد نشر الرواية في بيروت عام 1980، وكتب لها مقدمة برر فيها سبب كتابتها.

وأصدر ثلاث مجموعات قصصية, هي: “الوجه الآخر”، 1960، و”موعد النار”، 1991، و”خزين اللامرئيات”، 2004.

وكانت روايته الثانية باسم “الرجع البعيد”، 1980، واستغرق في كتابتها أكثر من عشر سنوات، ثم أصدر ثلاث روايات, هي: “خاتم الرمل” 1995، و”المسرات والأوجاع”، 1998، و”اللاسؤال واللاجواب”، 2007.. كما كتب مسرحيات أسماها حواريات “الصخرة”، 1986، وحواريات “الكف”، 1995، وكتاب “حديث الأشجار”، 2007، وهو كتابه الأخير ويحوي ست قصص قصيرة وست حواريات ذات فصل واحد كتبها في السنوات الأخيرة من حياته.

يقول “التكرلي” عن أدبه في مقابلة نشرتها مجلة (المدى), 2004, “كل أعمالي هي ضد السلطة، ومع ذلك كتبت وأنا في العراق وبقيت فيه …، كنت أعيش في العراق بشكل طبيعي… ركزت في كتاباتي على المشاكل الحقيقية لدى الشعب العراقي، ولم أكن أشتم أو احتج بطريقة فجة، بل اخترت الكتابة العميقة”.

رأي النقاد..

صنف النقاد أدب “فؤاد التكرلي” بأنه يمثل التيار الواقعي التجديدي أو التحديثي في الأدب العراقي، وأنه حرص على عمل استقراء لتاريخ العراق المعاصر، وبشكل خاص في العقود الخمسة الأخيرة، وأن شخصيات أدبه كانت كلها من الواقع وكانت شخصيات تسعى إلى التحرر، لكن “التكرلي” لم يتقبل وصف أدبه بالواقعي لأن ذلك يحد من حرية الكتابة لديه، وكانت الواقعية بالنسبة له ليست قانوناً أو مذهباً ملزماً، بل هي عملية تزوّده بالمادة الخام لأعماله القصصية والروائية، وبذلك تبقى له حريته كمبدع لتشكيل الانسجام بين أفكاره وبين المادة التي يعثر عليها، أما بالنسبة لصفة الحداثة والتجديد فكان متحمساً لها ونسبها إلى القصة القصيرة فقط دون الشعر، خاصة في العراق، مؤكداً على أن القصص كانت تؤسس، في فترة الخمسينيات، موجة حداثة غير مسبوقة في العالم العربي، وكان يشكو من أن قليل من النقاد التفتوا إليها لأن الثقافة العربية كانت تحتفي بالشعر.

يقول “د.ابراهيم خليل العلاف” عن أدب “التكرلي”, في دراسة قصيرة بجامعة الموصل, “تدور أحداث رواية (الرجع البعيد) في الأشهر الستة التي سبقت انقلاب 8 شباط (فبراير) 1963 في العراق، متوزعة بين مدينة بعقوبة وبغداد، وهي فترة حساسة أنتجها المخاض السياسي والتناقضات الاجتماعية والصراع الأيديولوجي، الذي لم يخل من العنف الدموي. ورغم أن الرواية تغوص في العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة وامتداداتها في القرابة والتزاوج، فإن شخصياتها، وهي كلها من الطبقة الوسطى (البغدادية) المتعلمة الفقيرة، والجاهلة الميسورة، ترمز إلى انتماءات أيديولوجية كانت سائدة في تلك المرحلة”.

مضيفاً: “لقد دُرست هذه الرواية من منظورات مختلفة، وعدّها أحد النقاد “واحدة من أنجح الأمثلة العربية لما يسمى بالرواية متعددة الأصوات (البوليفونية)، مؤكداً على أن مهارة التكرلي في السرد رفيع المستوى تستوعب الموضوعات الكبيرة (مثل: التغيرات الاجتماعية، ووضع المرأة في المجتمع التوليدي الذي يهيمن عليه الرجل) لتوليد تأويلات واقتراح استنتاجات مباشرة”.

وقال عنه الناقد الدكتور “علي جواد الطاهر”: “إن التكرلي ليس قصاصاً فحسب، إنه مثقف في فن القصة، وفي علمها: قواعدها، قوانينها، سماتها”.

وفي مقال له على موقع كتابات (الالكتروني) في 2007, يقول الناقد “فاروق سلوم”: “إن فؤاد التكرلي أصرعلى النزعة البغدادية المدينية.. مقابل أي اتجاه آخر، كان رهانه العالمي على هويته, فشخصياته كلها من الواقع العراقي المعاصر الرافض لكل قيد.. فتوفيق بطل رواية “المسرات والأوجاع”, فاسد لكنه نتيجة حياة مرة ومجتمع صعب، أما عدنان ومدحت بطلا روايته “الرجع البعيد”, فهما علامة فارقة لمجتمع متنوع ومتوافق يقبل الفساد.. ويقبل العفة. لقد عاصر التكرلي أجيالاً من السياسيين، وشهد تقلبات العراق السياسية، لحقب ثكلى ومحملة بالأسى.. وكان مسؤولاً في قاعة المحكمة عن الظلم والمظلومين، لكنه ظل، يريد كشف جوهر الصراع ، وخباياه النفسية والاجتماعية والتربوية”.

رواية “بصقة في وجه الحياة”..

رواية (بصقة في وجه الحياة), وهي أولى الروايات التي كتبها وكان في ذلك الوقت طالباً في كلية الحقوق ويعمل لدى إحدى المحاكم، نشرها عام 1980 في بيروت, وبدأها بمقدمة اسماها “مقدمة لنص ملعون”, شرح فيها حالته وقت كتابة الرواية.. فقد كان طالباً وموظفاً في نفس الوقت وكان يمر بظروف نفسية سيئة ويعاني من العوز المادي والاغتراب عن أهله، كما كان يعاني كأي شاب في ذلك الوقت من افتقاد وجود المرأة، وتتناول الرواية قضية زنا المحارم، وكيف أن البطل يشتهي ابنة لديه، ويظل يعاني بسبب ذلك ويبرر الكاتب تلك الرغبة بأنها إحدى معالم حرية الإنسان وتمرده على أجداده وعلى القيود، وقد قال في المقدمة: “أنه نص نادر واستثنائي في مسيرتي الكتابية، وهو الوحيد الذي عنيت بتقديمه لأنه برغم فجاجته الفنية وسوقيته أحياناً وركاكة لغته لا يزال يذكرني ليس بعالمي الذي اندثر بالكامل، بل بوضعي النفسي المتأزم آنذاك وبالطريقة الصحية الفذة التي اتبعتها للخروج دون أذى كبير جداً من هذه الأزمة ذات الجوانب المتعددة التعقيد”, مشيراً إلى أن الكتابة هي التي أخرجته من أزمته.

بعض أقواله..

يقول “التكرلي”, في إحدى الحوارات, عن جيل الخمسينيات: “قصصنا القصيرة تبدو أحياناً كأن قلماً واحداً سطرها، كنا نشترك في رسم لوحة بانورامية واسعة لمجتمع تلك الفترة. ما أنجزه الخمسينيون في القصة يفوق ما أنجزه زملاؤهم الشعراء.. لكن للشعر سطوة أكبر عند العرب”.

وعن رواية (اللاسؤال واللاجواب) يعلق: “أردت التعبير عن فترة زمنية يحاول العالم محوها من تاريخ العراق، هي فترة الحصار الاقتصادي. جاءت الرواية موجزة وقصيرة. عندما بدأت الكتابة لم أكن أعرف كم سيكون طولها، أنا حذر في إطالة أي موقف لأي سبب كان. أفادتني كتابة القصة القصيرة في هذا المجال. في الرواية أشعر بأنّ الجمل محسوبة عليّ. إذ يكفي أحياناً رسم صورة ذات تفاصيل واقعية في الرواية لنجعلها حية حتى النهاية”.

وعن طريقة كتابته يقول: “عندما أتوصّل إلى الشكل، أبدأ الكتابة فوراً. فكرة (الرجع البعيد)، 1980 جاءتني عام 1963, وبقيت أفكر حتى عام 1969 في كيفية إخراجها فنياً. أنا نادم على الوقت الطويل الذي استغرقته في كتابتها. كان يمكن اختصار الوقت لو بذلت جهداً أكبر. لا طقوس استثنائية لدي أثناء الكتابة، بضع أوراق وقلم حبر أخضر سيّال، وشيء من الموسيقى الكلاسيكية. أمّا القراءة فمسألة أخرى، قضية حياة… لا يمنعني عنها إلا المرض”.

وفاته..

توفي الكاتب “فؤاد التكرلي” في شباط/فبراير 2008 في الأردن, عن عمر 81 عاماً بعد معاناة مع مرض السرطان.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب