5 مارس، 2024 1:32 م
Search
Close this search box.

رواية “الفصل الأخير” .. نقد لاذع للمجتمع المغربي بعد الاستقلال !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : قراءة – سماح عادل :

في رواية (الفصل الأخير)، إصدار المركز الثقافي العربي، تقدم الكاتبة المغربية “ليلى أبو زيد” نقداً اجتماعياً لاذعاً لبلدها.. فهي تحكي عن البطلة “عائشة” منذ دراستها في “البكالوريا” خلال فترة الستينيات حتى أواخر التسعينيات، وعلى مدى الثلاث عقود هذه تتفحص حال البلاد وما آلت إليه.

الاستعمار..

أول ما تنتقده الكاتبة تعامل الذكور العنصري تجاه الفتيات القليلات اللاتي يكملن تعليمهن ويتفوقن في دراستهن في فترة الستينيات، كما تنتقد الاستعمار بضراوة وما خلفه من مساوئ أكثرها ظهوراً سوء حالة التعليم، وسيادة اللغة الفرنسية نتيجة لإهمال الاستعمار المتعمد للتعليم, مما أثر على إجادة اللغة العربية.

تبدو الكاتبة معتزة باللغة العربية, باعتبارها لغة “القرآن”, كما تستشهد بآيات منه في نص روايتها، وتشدد كثيراً على الهوية العربية الإسلامية, كما تدعو الأجانب بـ”النصراني” و”النصرانية”, وفي ذلك عنصرية أيضاً.. وهذا أحد التناقضات التي وقعت فيها، فهي ترفض العنصرية وتتبناها في نفس الوقت، كما وترفض في معرض حكيها زواج المغاربة من الأجانب سواء أكانوا إناثاً أم ذكور وتعتبر ذلك ضياع للدين.

الشخصيات.. 

البطلة الرئيسة “عائشة” طالبة متفوقة في دراستها تلتحق بالجامعة وتتخرج لتعمل في إحدى المؤسسات الحكومية، لكنها رغم ذلك لا تحصل على استقلال اجتماعي, فهي لا زالت تحت رحمة أبيها، يحدد حياتها كيفما يشاء، لا تتزوج ويتقدم بها العمر بعد عدة محاولات فاشلة تكتشف فيها أن الذكور الذين تعاملت معهم مراوغين ولا يقدرون المرأة وإنما يتعاملون معها بشكل دوني، كما أنهم خونة يحبون التعدد، ويجرون وراء الأجنبيات ويعاشروهن دون زواج.

باقي الشخصيات ثانوية تحكي عنهم البطلة “عائشة”، ثم وقرب انتهاء الرواية نجد شخصية أخرى لفتاة كانت زميلة لـ”عائشة” في فترة دراسة “البكالوريا”, تحكي بصوتها هذه المرة, وكيف أنها تزوجت من شيخ متدين، بعد أن أنهت “البكالوريا” وأنجبت له الأطفال، وعاشت معه وأمه في نفس المنزل حياة تعيسة بائسة، فقدت فيها شيئاً فشيئاً إحساسها بذاتها وتقديرها لها، كما دخلت في حالة نفسية سيئة بدأت بأعراض النسيان ثم اكتشفت أن أم زوجها ساحرة وزوجها أيضاً، وأنهم يقومون بعمل سحر لها لتعيش معهم كخادمة، وتحكي عن أنها ذهبت لطبيب نفساني ليعالجها مما هي فيه، وقد نصحها الطبيب بعد عدة محاولات للعلاج أن تلجأ للسحرة، لأن السحر مذكور في الدين الإسلامي وتأثيره معترف به، ويتضح أن أهمية هذه الشخصية الثانية الكشف عن ما لا تعرفه “عائشة”، وبالتالي لا تستطيع أن تحكيه, وهو أنها تعرضت للسحر من قبل رجلين كانا يحباها، الأول طلب أن تحبه والثاني طلب أن تحرم من الزواج، وأن من نفذ السحر هو زوج تلك السيدة التي كانت زميلة لها في المدرسة.

الراوي..

في رواية (الفصل الأخير) الراوي هو “عائشة”.. والتي تحكي مقتطفات عن حياتها غير مرتبة زمنياً، وإنما تريد بها توصيل أفكار ما خاصة بانتقادها لمجتمعها، وحين أحبت أن تحكي شيء لا تعرفه البطلة – الراوي، استعانت براوي آخر في آخر ثلاثين صفحة في الرواية التي تبلغ 174 صفحة من القطع المتوسط.

السرد..

السرد لا يحكمه تسلسل زمني كما وأنه مليء بفجوات كثيرة، فالكاتبة تغفل أشياء كثيرة عن البطلة، تركز فقط على حكي مواقف بعينها، مواقف خارجية لا نعرف مردود أثرها على ذات البطلة، وكأنها متفرج سلبي، والخط الذي يربط السرد هو الحكي عن سبب عدم زواجها.

مساوئ المجتمع بعد الاستقلال..

تنتقد الكاتبة داخل الرواية أيضاً الفساد الحكومي حيث تطلع عليه “عائشة” في عملها، حيث يعين الناس بناء على قربهم من أصحاب النفوذ، فمديرها كان موظفاً سيئاً يسرق المال العام من المؤسسة التي يعمل بها، متمثلاً في أشياء عينية يختلسها كما ويستغل تليفون العمل في أغراض شخصية، ويتحرش بالموظفات ويطلب منهن علاقات سيئة، ورغم ذلك تمت ترقيته ليصبح مديراً، وتعامل مع منطقة نفوذه الإداري كملكية خاصة، والطريف أنه استطاع أن يصبح وزيراً فيما بعد عن طريق حزبه.

تصور البطلة أن المغرب وقت الاستعمار كان منتهكاً ومستغلاً، وحين وقع الاستقلال استمر استغلاله ولكن على أيدي بعض من أبناءه الفاسدين، كما تنتقد سعي الكثير إلى الهجرة إلى فرنسا وأميركا، وكأنهم بذلك سيعيشون حياة مثالية في حين أن حياتهم تسوء، ضاربه مثلاً بأحد أصدقاءها في البكالوريا، الذي سافر للدراسة في أميركا ثم تزوج هناك وكون أسرة وعمل بالتجارة، وخسر كل أمواله نتيجة للتعصب لكونه عربي مغربي، وخسر عشرون عاماً من الكفاح.

السحر المغربي..

اهم انتقاد وجهته الكاتبة لمجتمعها انتقاد السحر والشعوذة والعرافة، ورغم انتقادها الشديد له في شخص البطلة “عائشة” نجدها مؤمنة به وبآثاره عليها، حتى أنها أرجعت سبب عدم زواجها بالسحر القوي، الذي يقدر عليه المغاربة فقط، ويتضح في نهاية الرواية, وفي كشف أقرب للمفاجأة, أنها تعرضت للسحر بطلب من رجلين يحباها، وكقارئة لا أعرف كيف أنها متعلمة وتؤمن بالسحر، حتى أنها تؤكد في أكثر من مرة وعلى لسان شخصيات أخرى ثانوية على تأثير السحر القوي والفعال، وينبع ذلك في رأيي من أن الكاتبة نفسها ممزقة بين هوية عربية إسلامية وبين تعليم أجنبي، ما بين تفكير عقلاني ومكانة مرموقة اكتسبتها من سنوات العمل الطويلة، وما بين تمسكها الشديد بما تظنه هويتها, والتي يأتي السحر كأحد مكوناتها، على اعتبار أنه من احد خصوصيات الشعب المغربي.

الكاتبة..

“ليلى أبو زيد”.. كاتبة مغربية, ولدت سنة 1950 في “القصيبة” إحدى القرى المغربية، عايشت مرحلة الاستعمار وانعكس ذلك في كتابتها, وهي مقيمة في الرباط، درست اللغة الإنكليزية بجامعة محمد الخامس بالرباط وحصلت على الإجازة، انتقلت بعد ذلك إلى أميركا للدراسة بجامعة “تكساس” في “أوستن”، واشتغلت بالترجمة والتأليف.

بدأت حياتها المهنية كصحافية في التليفزيون، وعملت في عدة دواوين وزارية، كتبت الرواية والقصة والسيرة النبوية والسيرة الذاتية وأدب الرحلة.

وترجمت من الإنكليزية إلى العربية سيرة الملك “محمد الخامس”, والسيرة الذاتية لـ”مالكوم إكس”، وترجمت أعمالها إلى عدة لغات كالإنكليزية والألمانية والهولندية والإيطالية والإسبانية والفرنسية والمالطية والأردية.

أعمالها..

في الروايات كتبت “ليلى أبو زيد”: (عام الفيل) و(الفصل الأخير) و(رجوع إلى الطفولة).. وفي القصة القصيرة لها مجموعات قصصية كـ(الغريب) و(المدير).

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب