7 أبريل، 2024 12:56 م
Search
Close this search box.

“أغاثا كريستي” .. رائدة أدب الإثارة التي ألهمتها حضارات الشرق

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – سماح عادل :

“أغاثا كريستي” اسمها الحقيقي، “أغاثا ميري كلاريسا”، هي كاتبة إنكليزية شهيرة تعد أفضل مؤلفة روايات جرائم.. وقد بيعت كتبها أكثر من مليار نسخة وترجمت لأكثر من 103 لغة، لكنها كتبت أيضاً روايات رومانسية باسم مستعار هو “ماري ويستماكوت” وكتبت المسرحيات.

حياتها..

ولدت “أغاثا كريستي” في عام 1890 من أب أميركي وأم إنكليزية.. عاشت في بلدة “توركوي” معظم طفولتها، تعلمت في البيت مثل فتيات العائلات الميسورة، وحين مات والدها وهي في 11 من عمرها سافرت إلى فرنسا، بعد زواج أمها مرة أخرى، والتحقت بمدرسة في باريس فيما بعد.

عادت “كريتسي” إلى إنكلترا وكانت في العشرينات من عمرها، وعملت في مستشفى خلال الحرب العالمية الأولى قبل زواجها، وتزوجت من “أرتشي كريستي” عام 1914، ولكنها طلقت بسبب تورط زوجها بعلاقة عاطفية مع امرأة أخرى، وكانت قد أنجبت منه ابنتها “روزلند”.‏

في عام 1930 تزوجت “أغاثا كريستي” مرة أخرى من “ماكس مالوان”، عالم الآثار الشهير، بعد أن التقت به في إحدى رحلاتها الشرق، وقد عاشت معه في سوريا والعراق، وكان عمرها 39 سنة، بينما كان عمره 26 سنة وقت الزواج، وقد أتاح لها زواجها أن تزور معظم بلاد الشرق الأدنى والأعلى.

الكتابة..

بدأت “أغاثا كريستي” الكتابة منذ أن كانت طفلة صغيرة، حيث شجعتها أمها أثناء مرضها بالأنفلونزا على كتابة قصة.. وقد نشر لها قصص قصيرة في الجرائد البريطانية المحلية وهي طفلة، ونشر لها قصائد شعر، في عام 1920 تم نشر روايتها (قضية غامضة) في صحيفة بريطانية، ومن هنا كانت انطلاقة مسيرتها.

أتاح لها هذا السفر المتكرر وزيارة البلدان المختلفة، بعد زواجها الثاني، مخزون جيد يفيدها في الكتابة، حيث كتبت أجمل رواياتها وقصصها المليئة بالأسرار والغموض، والتي اعتمدت، ليس فقط، على مواقع الحدث في بلاد الشرق الساحرة وإنما على خيال “كريستي” الواسع، ولغتها المتدفقة، وقدرتها المميزة على ابتكار الشخصيات المثيرة، وتحريكها عبر الرواية باتجاهات مختلفة تذهل القارئ، ومثلما ابتكر “السير آرثر كونان دويل” شخصية “شرلوك هولمز” وزميله “الدكتور واتسون”، كذلك ابتكرت “أغاثا كريستي” شخصيات المفتش “هركول بوارو” والكولونيل “بريس” و”مس غين ماربل”.

يقول “ماكس مالوان” في مذكراته عن طقوس الكتابة لدى زوجته: “شيدنا لأغاثا حجرة صغيرة في نهاية البيت، كانت تجلس فيها من الصباح وتكتب رواياتها بسرعة وتطبعها بالآلة الكاتبة مباشرة، وقد ألفت ما يزيد على ست روايات بتلك الطريقة موسماً بعد آخر”.

العمل في الآثار..

شاركت “كريستي” رسمياً في بعثة التنقيب البريطانية في “نينوى” شمال العراق، برئاسة “تومسن كامبل”، ثمَ بعثة “الأربجية” عام 1932 برئاسة زوجها، وكانت بالإضافة إلى هذا العمل تكتب الروايات، وحين لا يتوفر لها السكن في الموقع الأثري، تنصب لها خيمة خاصة بعيداً عن ضجيج الحفر وتكتب رواياتها وقصصها داخلها.

بلاد الشرق والروايات..

تجولت “أغاثا كريستي” في “سوريا، ومصر، والأردن، وفلسطين، وبلاد فارس”، وكان لها في كل موقع أثري رواية أو قصة.. فمثلاً قصتها (لؤلؤة الشمس) مثلت تسجيلاً لزيارة قامت بها مع زوجها إلى “البتراء” في حدود عام 1933 ـ 1934، أما في رواية (موعد مع الموت) تصف روعة بناء المسجد الأقصى وعظمة قبته المشيدة على صخرة مرتفعة وجمال نقوشه، وكذلك فعلت في قصتها (نجمة فوق بيت لحم) عام 1965.. زارت الكاتبة مصر ودرست حضارتها وتاريخها وكتبت الرواية المعروفة (موت على النيل)، التي حولت إلى مسرحية عام 1946 بعنوان (جريمة قتل على النيل)، كما كتبت الرواية الثانية (الموت يأتي في النهاية)، وذلك عام 1945، كما كانت قد كتبت مسرحية (أخناتون) الملك المصري الذي فرض ديانة جديدة.. وقد أعدت “أغاثا كريستي” لكتابة هذه المسرحية منذ زيارتها “الأقصر” جنوب مصر عام 1931، واستعانت بخبرة علماء الآثار في رسم شخوص المسرحية، التي أصدرتها إحدى دور النشر عام 1973.. العديد من روايتها كان التاريخ أساسها، وعندما وصلت سن الخامسة والثمانين كانت قد أنتجت (85) كتاباً.‏

الخيال الثري..

رددت “أغاثا كريستي” كثيراً، في أحادثيها الصحافية، أن أعظم متعة يحس بها المؤلف هي اختراع الحبكات، ففي قصصها ورواياتها كما في مسرحياتها نجد ذلك الكم الهائل من الألغاز والحبكات الغامضة، سواء كان ذلك في البناء القصصي أو في الحوار أو الشخصيات، وفي اختيار مواقع الأحداث التي غالباً ما تكون مشوقة: “مواقع أثرية، مدن شرقية، معابد، قصور ذات طابع، فنادق مميزة، قطارات أو طائرات، مضايق، صحارى مقطوعة، أنهار لها تاريخ… إلخ”.

تلجأ الكاتبة دوماً إلى تكنيك قصصي يستند إلى الحيلة أو الخدعة كأسلوب إثارة وتشويق مفعم بالغموض، محرك لخيالها الخصب، يستدرج لغتها الانسيابية في تيار متصل من السرد النثري المجرد والمتصف أحياناً بالإطالة، ولكي تبعد الملل عن القارئ تضع بعض الألغاز والرموز التي تحتمل التأويلات والتفسيرات المتضادة، وبذلك تشد القارئ إلى متابعة الحدث دون أن تبتعد به عن المحور الأساسي للبناء الدرامي الذي خططت له بإتقان، لكي لا يخرج عملها مسطحاً.

وفي حالات قليلة أدخلت “كريستي” وقائع من حياتها في رواية أو قصة بعد إجراء تمويه عليها، من ذلك ما أشار إليه “مالوان” في مذكراته فيما يخص رواية (التجويف) الممسرحة، يقول: “وهناك إشارة ترتبط بحدث في حياتي أود أن أذكرها، يقول سير هنري في الرواية: “هل تتذكرين يا عزيزتي أولئك الأشقياء الذين هاجمونا في ذلك اليوم في الجانب الآسيوي من البسفور؟.. كنت أصارع اثنين منهم كانا يحاولان قتلي، وما الذي فعلته لوسي؟.. أطلقت رصاصتين، لم أكن أعرف أنه لديها مسدس.. كانت أصعب نجاة في حياتي”، هذه حكاية حقيقية والفرق الوحيد أن “أغاثا”، على خلاف “الليدي انكاتيل” في الرواية، كانت قد سلَحت نفسها ليس بمسدس بل بصخرة مدورة”.

وميزة أخرى لـ”كريستي” أنها تحرك أبطالها وشخوصها وفق صيغ دراماتيكية مزدحمة بالخلفيات والتفاصيل، وتتصاعد حرارة الأحداث لتصدم القارئ بنهايات مفجعة، بيد أن الكاتبة تقدم تراجيديا الفجيعة على أنها حدث عابر يتقبله القارئ على أنه أمر لابد منه، هكذا هي الحياة برأي “أغاثا كريستي”، تيار جارف متصل مفعم بالتفاصيل والمفردات لا تتوقف لانتظار أحد أو للحزن عليه.

روايات الجرائم..

تربعت “أغاثا كريستي” على عرش روايات الجرائم الإنكليزية طوال نصف قرن، ووفقاً لدراسة الناقدة البريطانية “غوليان سيمونز”، عن أدب الجريمة وتقنيات روايات الجرائم، التي صدرت 1985، فإن “قارئ كريستي بالإنكليزية يلحظ دون أدنى شك أنها استخدمت لغة وسطى سلسة، و لم تكتب بلغة عالية رغم أنها ارتقت بأعمالها عن مستوى الإنكليزية المتداولة أعني لغة المحادثة اليومية، ولعل هذا يفسر رواج قصصها ورواياتها لدى الأوساط الشعبية في بريطانيا، وأوروبا وما وراء البحار، كما يفسر سهولة ترجمتها إلى مختلف لغات العالم”.‏

أول رواياتها هي رواية (ثلوج على الصحراء)، التي لم يقبلها أي من الناشرين، ألفت بعدها رواية (قضية ستايلز الغامضة)، التي ظهر فيها “المحقق هيركول بوارو”  للمرة الأولى، وقد أدخلتها هذه الرواية عالم الكتابة عندما قبلها أحد الناشرين بعد رفض ستة من الناشرين طباعة وتوزيع روايتها، ظهرت في كتابتها شخصية “المحقق هيركول بوارو” خلال فترة العشرينيات في 40 رواية، وكانت شخصية “مس ماربل” من أبرز الشخصيات التي برزت أيضاً في روايات “كريستي”، وهي محققة في المباحث، وبطلة مكافحة الجريمة، وظهرت في 12 رواية وقصة قصيرة لها.

لم تتوقف عن كتابة الروايات منذ أن بدأت عام 1920، رغم كل الظروف التي مرت بها، إلى جانب كتابتها لقصص قصيرة ولمسرحيات ناجحة بلغت 19 مسرحية، ومنها مسرحية (مصيدة الفئران) الشهيرة.

كيف تأتي الأفكار..

كانت معظم الأحداث اليومية تأتي بفكرة لحبكة جديدة لـ”أغاثا كريستي”، لقد قامت بكتابة ملاحظات كثيرة جداً في مذكرات، كانت تدون الأفكار الشاذة والحبكات المحتملة والشخصيات كما تأتي لمخيلتها، تقول: “في العادة أملك نصف دزينة من المذكرات في يدي، واعتدت تدوين ملاحظات فيها عن الأفكار التي تصعقني، أو عن سم ما أو دواء، أو خدعة ذكية قرأت عنها في الجرائد، وفي الرواية لا شيء يظهر على الهيئة التي ظننتها عندما كنت أكتب ملاحظات”.

لقد قضت معظم وقتها مع كل كتاب للتعديل على الحبكة والتفاصيل والحلول في رأسها أو في مذكراتها قبل أن تبدأ بالكتابة الفعلية، حفيدها يقول: “لا يمكنك أن تراها أبداً تكتب، هي لا تنعزل كما يفعل باقي الكتاب، بعد ذلك تقوم بكتابة قصصها على آلة تسمى “دكتافون” ثم تقوم سكرتيرة بكتابة القصة على آلة كاتبة، ثم تقوم جدتي بتصليح الأخطاء يدوياً، أعتقد، قبل الحرب، وقبل اختراع الـ”دكتافون”، اعتادت كتابة القصص بخط كبير، ثم يقوم شخص بكتابتها على آلة كاتبة. لم تكن شخصاً عملياً، لقد كانت تكتب بطريقة بدائية جداً وكانت تكتب بسرعة شديدة، أعتقد أن الكتاب في 1950 وما تلاها كان يحتاج شهرين لكتابته وشهراً لمراجعته قبل أن إرساله للناشرين، بمجرد انتهاء العملية الكتابية، كانت معتادة أحياناً على أن تقرأ لنا فصلاً أو فصلين بعد العشاء، لمعرفة كيف سيكون رد فعل القراء على قصصها. بالطبع، جزء من عائلتي، وبعض الضيوف كان لهم ردود أفعال مختلفة، فقط أمي كانت تعرف من هو القاتل، الباقي كان ينجح أحياناً في التخمين وأحياناً لا، كان جدي في معظم الأوقات التي كان يتم فيها سرد القصص نائماً ولكن معظمنا كان منتبهاً جداً، كانت مناسبة عائلية جميلة، وبعد مرور شهرين نرى هذه القصص في المكتبات”.

في مقال نادر لها، اختفى منذ 1930 حتى ظهر في صحيفة “الغارديان” اللندنية في 2012، كتبت “أغاثا كريستي” في هذا المقال ملاحظاتها في معاصريها من كتاب الأدب البوليسي، كما عرضت تجربتها في الكتابة البوليسية وقدمت نصائحها للكتاب الشباب، تقول: “منذ ربع قرن مذ بدأت كتابة الروايات والقصص البوليسية لم انحاز إلى شريحة معينة من المجتمع، فقد كتبت عن الجريمة وسط الطبقات الكادحة والأرستقراطية، لكنهم في أمريكا يطلقون علي اسم “دوقة الموت”، وهو اسم لا أحبذه كثيرا، ومع أنني استمتعت بكتابة تلك القصص وحاولت أن أكون أكثر انضباطا وتقشفا، وهو أمر جيد يخدم عملية التفكير في هكذا نوع من الكتابة، التي لا تسمح أن تكون فضفاضة أو مبتذلة لتتناسب كليا مع ما تضعه من برامج أولية لعملك، هذا الذي يحتاج منك بناءا فكريا لجعل وظيفة الكتابة البوليسية مقنعة حقا.  لقد حاولت تغيير أسلوب كتابتي للرواية أو القصة البوليسية مرارا وأصبحت أكثر اهتماما على مر السنين بالوقوف في مواجهتها حرفا بحرف، وقد أستاء من بعض مواقفها وتحدوني الرغبة بعدم الرضا عنها، لكن عنفها سرعان ما يتفجر بسبب رعونة قاتل أو خطة لجريمة خطيرة كما في روايتي “عشرة زنوج صغار”، أو “جريمة قتل على النيل”، كان “هيركول بوارو” كثيرا ما يحجز لنفسه تذكرة داخل أحد القطارات كما في روايتي “جريمة في قطار الشرق السريع”، أو طائرة، أو قارب كبير، عابرا فيها أوربا ليكون وجها لوجه أمام أناس غرباء، أعطيت مرة واحدة من المشورات المجانية للكتاب الشباب عن كيفية عمل رجل التحري محذرة بالوقت نفسه أن يتم إنشاء هذه الشخصية المحورية بعناية ودقة فقد تمكث معك فترة طويلة جدا”.

وفاتها..

ماتت “كريستي” في 1976عن عمر 85 عاما، يقول  زوجها “مالوان”: “عندما وصلت إلى الصفحات الأخيرة من هذه المذكرات توفيت عزيزتي أجاثا بسلام بينما كنت أدفع كرسيها ذي العجلات إلى حجرة الجلوس بعد تناول طعام الغذاء، لا يعرف سوى القليلين معنى العيش بانسجام بجانب ذهن واسع الخيال مبدع يلهم الحياة بالحيوية، لقد كانت أجاثا كريستي، روائية مدهشة حقا، امتلكت لغتها وأسلوبها وطريقتها في بناء الرواية، واحتفظت بذاكرة قوية تخدم تعاقب الأحداث في رواياتها وقصصها وتتفنن في تحريك أبطالها وفق السياق الدرامي الذي اختارته لكل رواية، وقد استخدمت الألغاز والخرافات والحقائق التاريخية أو المعاصرة على حد سواء وبنفس الدرجة من الوضوح أو الغموض”.‏

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب