16 أبريل، 2024 9:13 ص
Search
Close this search box.

الجماعات الإجتماعية والمشاركة التطوعية

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا شك في أن المشاركة التطوعية عامل جذب لكثير من الفئات في ظل إنتشار وتعدد المنظمات التي تحمل لواء العمل التطوعي داخل عملها، وخاصة في الآونة الأخيرة فقد وضح بجلاء إنخراط البعض في العمل التطوعي، ويأتي ذلك كعامل أو سبب رئيسي من تعقد الحياة الإجتماعية فهو ناتج تطور الظروف المعيشية والتغيرات الإجتماعية والإقتصادية والتقنية المتسارعة والتي تملي علينا أوضاعاً وظروفاً جديدة تقف الحكومات أحياناً عاجزة عن مجاراتها.

فالمتطوع هو الشخص الذي يسخر نفسه عن طواعية ودون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة ومؤازرة الآخرين بقصد القيام بعمل يتطلب الجهد وبدون مقابل مادي.

وهو كذلك خدمة إنسانية تهدف إلى المشاركة في حماية الغير من أي خطر. وفي بعض الدول كسويسرا مثلاً يعتبر التطوع إلزامياً للذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم في سن 20 – 60 سنة.

فينظر إلى قطاع التطوع على أنه قطاع رائد والسبب يرجع إلى كونه جهاز مستقل، وصغير الحجم إلى حد كبير، الأمر الذي يساعده على القيام بتجربة كثير من الأفكار الجديدة أو تغيير وتحسين الأوضاع القائمة، بدون أن تكون هناك أي عقبات أو صعوبات. الأمر الذي لا يتوفر في جهاز كبير، وبيروقراطي كالجهاز الحكومي.

ونأتي هنا للحديث عن الجماعات الإجتماعية التي بدأت في السنوات القليلة الماضية في الظهور كعنصر مشارك بإمتياز في المشاركة التطوعية خاصة في مصر، على الرغم من أن الفكرة موجودة منذ نشأة المنظمات التي تقوم على فكرة التطوع – التنموية والخيرية – ففكرة التطوع بالأساس هي فكرة قائمة على “المورد البشري” فكلما كان الفرد متحمساً للقضايا الإجتماعية، ومدركاً لأهمية وأبعاد العمل الإجتماعي كلما كان ذلك من عوامل تحقيق النتيجة المرجوة في التغيير المطلوب.

فلو بدأنا بفئة الشباب مثلاً لوجدنا من عوامل جذب هؤلاء للمشاركة، تنمية قدراتهم ومهاراتهم الشخصية والعلمية والعملية، وما تتيحه هذه الفرص لهم بالتعرف على الثغرات التي تشوب نظام الخدمات في المجتمع، تعبيراً عن آرائهم وأفكارهم في القضايا العامة التي تهم المجتمع وما يوفره للشباب من فرصة خلاقة لتأدية الخدمات بأنفسهم وحل المشاكل بجهدهم الشخصي، ولا يجب أن نغفل أيضاً الشعور بالمشاركة في تحديد الأولويات التي يحتاجها المجتمع, والمشاركة في إتخاذ القرارات، في حالة إتاحة الفرص لهم بشكل فعّال داخل هذه المنظمات.

وفي هذه الفئة تحديداً لا يجب إغفال دور كليات ومعاهد الخدمة الإجتماعية، وتعتبر إحدى المهن الإجتماعية التي ظهرت كإستجابة لمجموعة من العوامل الملحة، والتي تتبنى إعداد الاخصائيين الإجتماعيين نظرياً وميدانياً بالاسلوب الذي يؤهلهم لإكتساب الخبرة والمعرفة والمهارة لكي يستطعوا ممارسة أدوارهم المهنية في مجالات الخدمه الإجتماعية.

فدور الأخصائي الإجتماعي في معالجة القضايا والمشكلات الإجتماعية والنفسية وغيرها، ومفهوم الخدمة الإجتماعية في الأصل هو تقديم خدمات معينة لمساعدة الأفراد أما بمفردهم أو داخل جماعات ليتكيفوا على المشاكل والصعوبات الإجتماعية والنفسية الخاصة، والتي تقف أمامهم وتؤثر في قيامهم بالمساهمة بمجهود فعّال في الحياة وفي المجتمع، وهي كذلك تساعدهم على إشباع حاجاتهم الضرورية وإحداث تغييرات مرغوب فيها في سلوكهم وتساعدهم على تحقيق أفضل تكيف يمكن للإنسان مع نفسه ومع بيئته الإجتماعية التي يترتب عليها رفع مستوى معيشته من النواحي الإجتماعية والسياسية.

ومما هو ملفت للنظر في الواقع الحالي، وعلى الرغم من عدم قيام المدارس بدورها الحقيقي المنوط بها، فنجد “وللأسف” أن المدرسة تعتبر هي المؤسسة الإجتماعية التي تتحمل العبء الأكبر في تنشئة الطلاب التنشئة الإجتماعية السليمة وإعدادهم للمستقبل، وهي تقف جنباً إلى جنب بمجال الأسرة “كوحدة متكاملة” والتي يعتبر توفير الحاجات النفسية والبيولوجية والإجتماعية والحب والحماية من الضغوط النفسية والإجتماعية والاهتمام بالجانب الوجداني من الوظائف الأساسية للأسرة تجاه أفرادها، والتي لا يتحقق نجاح الأسرة وتماسكها وآداء كل فرد من أفراده لدوره الإجتماعي إلا بوجودها، بحيث يصبح أي تهديد لهذا البناء خطراً على الأمن العاطفي والاجتماعي لكل عضو من أعضائها. إذ تهدد حاجاته الوجدانية والإجتماعية والنفسية والبيولوجية التي لا يمكن إشباعها بالشكل الصحي إلا في الجو الأسري.

فالأسرة في الوضع الطبيعي تكون في حالة توازن ديناميكي إلا أنها تمر خلال تطورها بالعديد من التطورات مما يتطلبه تغيراً في أنماط التفاعل القائم، كذلك تغيراً في مستويات مختلفة وبالتالي قد تتعرض لضغوط وتوترات تؤثر على أفرادها وقد تقوم بالتكيف لمواجهة هذه التغيرات المجتمعية وما تتطلبه من تغيرات داخلية في الأدوار والوظائف حتى تتمكن من إشباع الحاجات النفسية والبيولوجية والإجتماعية لأفرادها بجانب التوافق مع المجتمع ومواكبة التغيرات في المجتمع، وقد لا تنجح في مواجهة هذه التغيرات والتكيف معها ومن هذا الباب تتدخل الخدمة الإجتماعية.

نأتي هنا إلى “المرأة” كممثلة لجماعة من الجماعات الإجتماعية، فنرى في الفترة القليلة الماضية مصطلح “النهوض بالمرأة وتمكينها”. فالمجتمع المدني باعتباره يمثل مجموعة من المؤسسات والمنظمات غير الحكومية التي تتخطى الحدود وتتبنى قضايا لها سمة عالمية، قد تعكس حركات إجتماعية مثل قضايا المرأة، أو تتبنى قضايا إنسانية مثل محاربة العنصرية، الأمر الذي يعطي لمفهوم التطوعي أبعاداً جديدة لا تزال الكثير من مؤسسات المجتمع المدني والأهلي في عالمنا العربي متخلفة عن إدراكها، في نفس الوقت الذي لا تزال فيه غالبية النشاطات النسائية في هذا المجال محدودة الآفاق والفاعلية، حيث تتركز عموماً في العمل التطوعي المنحصر بالعمل الخيري والتي يقف دورها فيه عند حدود التبرع بالتمويل وعمل الخير فقط.

وعلى اعتبار أن نشاط المرأة عبر المنظمات الدولية غير الحكومية حاضر بقوة في كافة الفاعليات الدولية، فإن مجموعة من الأسئلة تفرض نفسها حول أسباب ذلك القصور في مفهوم التطوع الذي يغيب المرأة العربية عن المشاركة والتواصل بوعي مع تلك الفاعليات التي قد تمكنها من توظيف المعطيات الجديدة للمجتمع الدولي وعن العوامل التي استطاعت من خلالها ثقافة التطوع في الغرب أن تبرز سيدة مثل “الأم تريزة”، التي أصبحت نموذجاً يحتذى به في هذا المجال، بينما عجزت ثقافتنا على ما تذخر به من تراث في هذا القطاع عن إبراز نساء قادرات على إنجاز أعمال بذلك المستوى رغم التحديات الكثيرة التي باتت تواجه الأمة.

تكتسب “المشاركة” إذاً أهميتها ودلالتها بالنسبة للمرأة وقضاياها من حيث كونها آلية أساسية للتنمية الذاتية، وتنمية الواقع الإجتماعي، وهما يرتبطان ارتباطاً وثيقاً، فالذات أو الشخصية الفاعلة هي القادرة على تحقيق النمو الإجتماعي والإقتصادي والسياسي، كما أن النمو الإجتماعي بدوره يمكن أن يقاس بمدى الفرص التي يتيحها لتحقيق مشاركة القطاعات والجماعات المختلفة.

ونستطيع أن نقول في هذا الصدد إن المرأة عامة والمرأة العربية بصفة خاصة ما تزال تستشعر الكثير من الضغوط المؤسسية الإجتماعية التي تعوق مشاركتها في صنع الظروف وإن مفهوم التمكين – تحقيق أو حضور الذات – هنا يشير إلى كل ما شأنه أن يطور مشاركة المرأة وينمي من قدرتها ووعيها ومعرفتها ومن ثم تحقيق ذاتها على مختلف الأصعدة الإجتماعية والسياسية ويتيح لديها كافة القدرات والإمكانات التي تجعلها قادرة على السيطرة على ظروفها ووضعها ومن ثم الإسهام الحر والواعي في بناء المجتمع على كافة أصعدته.

ويتمثل النشاط الأهلي للنساء في أنماط متعددة، من أقدمها وأكثرها شيوعاً الجمعيات الخيرية النسائية، وهي الجمعيات التي ترتبط بالفلسفة التقليدية للبر والإحسان وتحاول بالتالي إصلاح العيوب ومعالجة المشكلات وهي أكثر أصناف الجمعيات رواجاً. هي تارة جمعيات خيرية “مختلطة” تساهم فيها نساء، وتارةً أخرى جمعيات خيرية نسائية لا تعمل فيها إلا نساء.

أما على الصعيد الآخر، فنجد جماعة أخرى لا يجب إغفالها في المجتمع وهم “كبار السن”، فقد أظهرت دراسة أميركية حديثة، أن عمل كبار السن التطوعي المنتظم، لا يعود بالنفع على المجتمع فحسب؛ بل يمكن أن يحمي المسنين من أمراض الشيخوخة، وعلى رأسها تراجع الذاكرة وضعف الإدراك، ويجعلهم يتمتعون بصحة أفضل جسديًا وذهنياً.

وهذه الدراسة أجراها باحثون في جامعة ولاية “أريزونا الأميركية “، ونشروا نتائجها في مجلة الجمعية الأميركية لطب الشيخوخة.

فقد تابع الباحثون أكثر من 13 ألف متطوع تزيد أعمارهم عن 60 عامًا في الفترة بين عامي 1998 و 2012، ورصدت الدراسة أنشطة متنوعة للعمل التطوعي في المجالات الدينية والتعليمية والصحية الخيرية وغيرها، واختبر فريق البحث قدرة المشاركين على التذكر، والتعلم، والتركيز، وإتخاذ القرارات.

وبعد تحليل المعلومات التي تم جمعها على مدى 14 عامًا، وجد الباحثون أن كبار السن الذين تطوعوا للأعمال، ولو بقليل من أوقاتهم، سجلوا إنخفاضًا في مخاطر التعرض لمشاكل في الإدراك، والذاكرة، بالمقارنة مع غيرهم من كبار السن الذين لم يتطوعوا.

كما وجد الباحثون أن العمل التطوعي المنتظم ارتبط مع إنخفاض خطر إصابة كبار السن بضعف الإدراك والذاكرة بنسبة 27%.

وعلى المستوى الإقتصادي، أظهرت تلك الدراسة أن العمل التطوعي لكبار السن يمكن أن يضيف لإقتصاد الولايات المتحدة الأميركية – على سبيل المثال – 162 مليار دولار سنويًا.

وما نراه من نتائح لدراسة لها من الأهمية ما يجعلها قصوى بالنسبة لمجال الدراسة ولهذه الفئة بشكل خاص، لا يدعمه كثيراً الوضع ودرجة الوعي والتوعية لدى القطاع العريض داخل منطقتنا العربية وخاصة مصر، فالفكر السائد هو وضع كبير السن على هامش الحياة بدون فائدة تذكر سوى العائلة الصغيرة، وما تبقى له من ذكريات مهنية وشخصية وعائلية ذات فائدة كبرى ونتائج واضحة، ولا ندري قيمة أن يكون كبير السن لديه من الخبرات والمعلومات الكثير، والقدرة الذهنية الحاضرة والمسترسلة لها ما لها من أهمية لإفادة الغير، فليست فقط القدرة الجسمانية أو الحركية لدى الشباب فحسب، فالخبرة والمعلومة والوصول إلى نتائج بعد عدة تجارب تضاهي القوة الجسمانية أيضاً، بل وتتضافر معها للوصول.

فهنا أود التنويه إلى شئ هام وهو أن إقتصار الأنشطة الإجتماعية والتي تقدم الدعم والتواصل لكبار السن دون الإستفادة من سنوات كثيرة لا يستهان بها قد يؤخر عملية تراجع قدرتهم على آداء وظائفهم كما يراها الباحثيين.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب